يلعب الدِّين الإسلامي دورًا أساسيًّا ومحوريًّا في حياة الإنسان، ويبلغ في نفوس المؤمنين مكانةً عُليا لا يصل إليها أيُّ مفهوم آخر. فعقيدة التوحيد التي يحملها المُسلِم تُمثِّل أعلى سلَّم انتمائه وأعزَّها على نَفْسِه، لذا يحرص السَّاعون إلى تدمير الأُمَّة الإسلامية على تشكيك ذوي النفوس الضعيفة في دِينهم، ويحاولون نشر الإلحاد بشتَّى الطُّرق؛ وذلك لِمَا سيخلفه ترْكُ الدِّين والبُعد عن توحيد الخالق من أثَرٍ سلبيٍّ على المُجتمعات. فالدِّين الإسلامي هو أهمُّ ركائز الهُويَّة الجمعيَّة لأيِّ مُجتمع مُسلِم؛ لأنَّه يحمل الكثير من تاريخ الأُمَّة المشترك وتفاصيل حياة أفرادها اليوميَّة في الطعام والشراب والملبس والاحتفال، وفي طريقة التفكير والالتزام بالقِيَم السَّمحة، ودُونَه تتحوَّل المُجتمعات إلى غابة ينتشر فيها الفساد، فالدِّين فِطرةٌ فطرَ الله البَشَريَّة عليها، فلا يُمكنهم الحياة على منهج سويٍّ مستقيمٍ دُونَه. وحاجة الإنسان إلى قوانين وقواعد وأخلاق، تُرتب حياته وتُقوِّمها وتضبط سلوكيَّاته وتصرفاته.
وتكمُنُ خطورة دعوات الإلحاد، وما يشملها من حملات تشكيكيَّة شرسة ضدَّ الدِّين الإسلامي، في أنَّها أداة للقوى المُعادية لدِيننا وأُمَّتنا ومنطقتنا؛ بهدفِ هدْم مُجتمعاتنا من داخلها؛ لأنَّ انتشار الإلحاد كظاهرة مُجتمعيَّة، خصوصًا بَيْنَ فئة الشَّباب، ينزع القِيَم الإيجابية من نَفْسِ الإنسان، وينزع منه الرقابة الذاتيَّة الأصيلة، رقابة الضمير، وإنكار وجود الخالق، يجعله يتحرك بدُونِ منظومة قِيَمٍ، فجزء من إيمان المُسلِم المُوحِّد يكمُنُ في أنَّ هناك خالقًا يُراقبه، وسيُحاسبه على كُلِّ فِعل ثوابًا وعقابًا. لذا فإنَّ تحويل الشَّباب نَحْوَ الإلحاد يغيِّب القِيَم والمبادئ عن المُجتمع، ويصبح غابةً يسعى الجميع فيه إلى الإفلات من القانون. ولا شكَّ أنَّ الإلحاد يُشكِّل خطرًا داهمًا على الفَرْدِ والمُجتمع والوطن والأُمَّة العربيَّة والإسلاميَّة كُلِّها، فهو يتهدَّد النَّسيج الاجتماعي والفِكري من جهة، كما أنَّه يتهدَّد أمْنَها القوميَّ من جهة أخرى، لِيكُونَ خطره وجوديًّا على هذه الأُمَّة التي جمعها الإسلام ومبادئه السَّمحة ورقَّى نُفوس أبنائها، الذين كانوا يرزحون قَبْله في جاهليَّة ذميمة.
ونظرًا لِمَا تحمله ظاهرة الإلحاد من خطورة على الوطن والمواطن، جاء انعقاد ندوة الإلحاد وحقيقة التوحيد "المنهج والرؤية والتفسير العلمي" بجامعة السُّلطان قابوس ليُسلِّط الضَّوء على هذه الظاهرة الخطيرة، والتي تشهد مُتحدِّثين من داخل السَّلطنة وخارجها، على رأسهم سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المُفتي العام للسَّلطنة؛ وذلك لمواجهة هذه الظاهرة، ووضْع الرُّؤى السَّليمة للقضاء عليها. فالندوة تهدف إلى تفنيد شُبه الإلحاد بطريقـة منهجيَّة ورُؤية كلِّية وتفسير عِلمي لآثاره وتنمية الاعتزاز بحقيقة التوحيد وتفسيرها الاعتقادي والعِلمي، وتعزيز الوعي الفَرْدي والمُجتمعي والمُؤسَّسي بمنظومة التوحيد وفاعليَّتها في الحياة، ووضْع اللَّبنة الأولى لنموذج فِكري عملي يُمكِّن الحوار ويدحض شُبهة الإلحاد. كما تأتي من أجْلِ مواجهة خطرٍ من أعظم الأخطار التي تُهدِّد هذا العالم الذي نعيشه، تُهدِّد العالم لأنَّ هذه الأخطار تستهدف قضيَّة مُهمَّة في حياة الإنسان، وهي قضيَّة الإيمان والصِّلة بالله سبحانه وتعالى، فقضيَّة الإلحاد يَجِبُ على كُلِّ إنسان أنْ يكُونَ في مواجهتها؛ بسببِ ما يُحيط به من أخطار.
إنَّ التَّديُّن أمْرٌ فطريٌّ وسَببٌ لوصول الإنسان إلى السَّعادة والنِّظام في هذه الدُّنيا قَبْلَ الحياة الآخرة، إذْ لا تهدأ أُمور النَّاس ولا تستقرُّ، إلَّا بالصِّلة لله سبحانه وتعالى، لذا يَجِبُ على النَّاس جميعًا أنْ يقفوا وقفةً واحدةً لمُواجهة هذا الخطر اللَّاهب، هذا الخطر الذي يُهدِّد حياة الإنسان؛ لأنَّ حياة الإنسان لا قِيمة لها بدُونِ إيمانٍ، بَلِ المُلْحدون هُمْ أكثر انتهاكًا لحقوق الإنسان وأكثر مُسارعةً إلى القضاء على حياة الإنسان، لا يعدُّون الإنسان شيئًا، بَلْ يعدُّون الإنسان أقلَّ من ذرَّة من ذرَّات هذا الكَوْنِ.. فجميع النَّاس مَدْعُوُّون لأنْ يقفوا في وجْهِ هذا الخطر، وأنْ يتصدَّوا له، وعلى العُلماء جميعًا أنْ يقوموا بواجِبهم تجاه هذا الأمْرِ كُلٍّ في مجال تخصُّصه.