وليد الزبيدي
بعد "الصدمة والترويع" التي أعد لها الأميركيون العدَّة قبل الحرب وأنزلوها على أرض الواقع، وكانت أدواتها الرئيسية قوَّة السلاح وقوَّة الإعلام، بدأت بعد ذلك "صدمة وزلزال الانهيار المدوي في العراق"، ثم جاءت "صدمة" غير متوقعة.
توالت هذه "الصدمات" متسارعة ومتلازمة، ونحن هنا نسرد وقائع وأحداثا تعود إلى ما يقرب من عقدين، لكن تداعياتها ووقعها الشديد ما زال حاضرا وسيبقى لفترات طويلة. أما "الصدمة الثالثة" والتي واجه الكثير من العراقيين صعوبة في تصديقها أولا، ثم تفسير منطلقاتها قبل الوصول إلى تفاصيل الأحداث، فقد كانت أخبار وجود مقاومة في بعض المناطق في العراق، كيف لا يصاب الكثيرون بالصدمة، وما زال دخان الحرب يملأ الجو والغبار يلف الأمكنة، والناس تتنفس رائحة جثث الضحايا والسلاح متروكا على الأرصفة وفي الطرقات والأسواق ويباع بأسعار تكاد لا تذكر، لهذا تطفر الأسئلة، كيف تظهر مقاومة بهذه السرعة ومن يقاوم القوة الأميركية العملاقة وأسئلة كثيرة أخرى تتداخل وتتنافر أحيانا؟
يضاف إلى ذلك اشتغال الآلة الإعلامية الأميركية والعربية والدولية التي تمجد الطرف "المنتصر" وتحبط وتخذّل الطرف "المهزوم"، ويبرز السؤال: كيف تظهر مقاومة في مثل هذه الظروف والعوالم المضطربة؟
تواصلت هذه "الصدمة" بين العراقيين لأسابيع وأشهر قبل أن بدأ الغموض ينزاح عنها وعلى مراحل، وفي شهر مايو وحزيران 2003، بدأ الكثيرون يتسقطون أخبار هجمات المقاومين في العراق، وعند سماع انفجار عبوات أو سقوط صواريخ وقذائف هاون على المعسرات والقواعد الأميركية، فإن الأسئلة تزداد، حتى أصبح الحال أكثر وضوحا، وكما يتحدث أبناء منطقة معينة عن هجمات بطريقة النقل الشفاهي، فإن أبناء المناطق الأخرى يتحدثون عن قصص ووقائع مشابهة لها، وبعد أن تكرس الفعل المقاوم واتسعت دائرته، بدأت ترسخ قناعة العراقيين بوجود مقاومة حقيقية، وهذا شكَّل "صدمة حقيقية" وذلك لأن الأحداث غير متوقعة. كيف لا وأميركا بكل ما تملك تتعرض لقوَّة تتحداها وتصر على مقاومتها وفي بلد أنهكه الحصار وفرضت عليه القوات الأميركية سيطرتها على كافة مدنه وقصباته؟
يمكن الجزم بأن "الصدمة الثالثة" والتي جاءت بعد "صدمة الترويع" و"صدمة سرعة الانهيار" قد تفوقت على هاتين الصدمتين بقوة كبيرة جدا، إنها "صدمة انطلاق المقاومة" التي بدأت بسرعة البرق وبقوة لم يتوقعها أحد، ولم يقتصر حضور هذه الصدمة في الشارع والمجتمع العراقي، بل بدأت آثارها "الترويعية" داخل المجتمع الأميركي، الذي بدأ يستقبل جثامين قتلاه المرسلة من قبل المقاومين في أرض العراق.
وهذا خلاف توقعاتهم وتصوراتهم بصورة مطلقة. ثم اتسعت دائرة صدمة "انبثاق المقاومة في العراق" لتصل مختلف أرجاء العالم.