بالرغم من الجهود التي تبذلها السَّلطنة للتوجُّه بالاقتصاد الوطني نَحْوَ آفاق التنويع الاقتصادي، فإنَّ النفط لا يزال بحُكْم ما تملكه من احتياطات، عامل مؤثِّر ومُهمٌّ لإنعاش الاقتصاد الوطني. لذا تعمل السَّلطنة ـ وفق خطًى سديدة ـ على رفع الاستفادة من النفط الخام عَبْرَ إنشاء مصافٍ نفطية تكُونُ نواة وأساسًا لبناء منظومة صناعية للعديد من الصناعات النفطية وصناعات البتروكيماويات. وتأتي مصفاة الدقم كإحدى أبرز تلك المصافي؛ لأنَّها ـ بجانب دَوْرها في تعزيز الصناعات النفطية والبتروكيماوية ـ ستُمكِّن البلاد من الاستفادة القصوى من موقعها الجغرافي الواقع على مضيق هرمز الذي يُعدُّ مدخل الخليج، والذي يُعدُّ أقدم وأهمَّ الطُّرق التجارية البحرية في العالم، ونَحْوَ خُمس إنتاج النفط العالمي، فضلًا عن الغاز المسال الذي يمرُّ عَبْرَ مضيق هرمز. فالسَّلطنة تمتلك فُرصة كبرى عَبْرَ مصفاة الدقم لتصدير المنتجات النفطية للموانئ المفتوحة على آسيا، وعلى رأسها ميناء الدقم، دُونَ المرور بمضيق هرمز؛ الأمر الذي يُضفي أهميَّة أخرى للسَّلطنة في صناعة النفط والغاز عالميًّا. فالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم تمتلك مُقوِّمات واعدة تستطيع بها أنْ تأخذ الريادة في صادرات المشتقات النفطية، حيث تبلغ مساحة المصفاة حوالي 200 كيلومتر مُربَّع، وتستطيع تصدير مشتقات نفطية للسوق الآسيوي، خصوصًا مثل الديزل، ووقود الطائرات، وغيرها من المنتجات التي ستعظِّم القِيمة المُضافة للمنتجات النفطية في البلاد.
ومن هذا المنطلق، تسارع الجهات المسؤولة بإتمام مشروع مصفاة الدقم؛ نظرًا للفائدة الاقتصادية للمشروع المهم والحيَوي، والذي يسير العمل فيه بوتيرة جيِّدة رغم التحدِّيات الكبيرة التي واجهها المشروع نتيجة جائحة كورونا "كوفيد19" والمتمثلة في صعوبة جلْب الأيدي العاملة، وخصوصًا الشركات الهندسية لإنهاء الأعمال حسب الخطط الموضوعة له، وبحسب تصريحات الرئيس التنفيذي لمجموعة "أوكيو". فالمشروع يتكوَّن من ثلاث حِزم مختلفة يتمُّ تنفيذها عَبْرَ عدَّة مراحل، ووصل متوسط إنجاز المشروع حاليًّا إلى حوالي 90 بالمائة، ومن المتوقع التشغيل التجريبي له في الرُّبع الأوَّل من العام القادم 2023م. ويُعدُّ مشروع مصفاة الدقم الذي تتجاوز تكلفته (8) ثمانية مليارات دولار أميركي أكبر مشروع في مجال المصافي والبتروكيماويات، ومشترك مناصفة بَيْنَ مجموعة "أوكيو" العُمانية وشركة البترول الكويتية العالمية، والذي سيَكُونُ مركزًا لتصدير المشتقَّات النفطية المستخرجة من الخام الكويتي والعُماني للعالم، وذلك بعد أنْ يتمَّ تخزينه في منشأة تخزين الخام في رأس مركز، والتي ستَكُونُ أكبر منطقة لتجميع النفط خارج مضيق هرمز، ما يسمح للشركات العالمية بتخزين النفط برأس مركز لأيِّ مدَّة.
ولعلَّ أهمَّ ما يميِّز مشروع مصفاة الدقم ومركز تخزين الخام التابع لها، هو وقوع محطَّة رأس مركز على بحر العرب المطلِّ على المحيط الهندي، والقريب من الأسواق الناشئة، حيث ستَكُونُ المحطَّة بمثابة حلقة ربط بالأسواق في جنوب آسيا والشرق الأقصى وإفريقيا.
ومن أجْلِ تحقيق تلك الأهداف، تعمل الدولة على تسريع عملية إنجاز المشروع الذي يتكوَّن من ثلاث حِزم؛ تتمثل الحزمة الأولى في وحدات المعالجة الرئيسة للمصفاة، وتتضمن الحزمة الثانية المرافق والخدمات الداعمة للعمليات التشغيلية للمصفاة، في حين تشتمل الحزمة الثالثة على منشآت تخزين وتصدير المواد البترولية السائلة والسائبة في ميناء الدقم ومنشآت تخزين النفط الخام الخاصة بالمصفاة في رأس مركز وخط أنبوب نقل النفط الخام بطول 80 كيلومترًا من رأس مركز إلى مصفاة الدقم، حيث ستعمل مصفاة الدقم ـ عند بدء عمليَّاتها التشغيليَّة ـ على تعزيز ورفع الطاقة التكريرية للسلطنة من خلال تكرير 230 ألف برميل من منتجات النفط الخام يوميًّا وتغطية الاحتياجات اليومية الإقليمية والعالمية من منتجات الطاقة المختلفة، وتحقيق الاستغلال الأمثل للموقع الجغرافي للمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، ما سيفتح الطريق لإقامة مشروعات مرتبطة بالمشتقَّات النفطية، تعزِّز من قيمة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم محليًّا وعالميًّا.