محمد بن سعيد الفطيسيهذا الموضوع أصبح مستهلكا من كثرة ما طرح في مختلف وسائل الإعلام خلال العقود الماضية، لكن لعلَّ هذا التكرار يدلُّ على أهمية الموضوع من جهة، واستمرار المشكلة أو سوء التنسيق بين الجهات الرسمية من جهة أخرى، سواء على مستوى الوزارات والهيئات الحكومية أو على مستوى مرافق الوحدة نفسها، الأمر الذي يستدعي بين الحين والآخر ضرورة إعادة الطرح والتكرار من أجل الصالح العام.إنه موضوع أن تذهب إلى مرفق من مرافق الدولة، سواء كان وزارة أو هيئة حكومية بهدف إنجاز معاملة معيَّنة فيقال لك إن هذا الموضوع ليس عندنا أو من اختصاصنا بل عند الجهة الأخرى، وعندما تذهب إلى الطرف الآخر يتم الرد عليك أن هذا الموضوع ليس لدينا، بل لدى الجهة الأولى، وهكذا تستمر المعاناة؛ ويبقى المواطن يتردد بين تلك الجهات التي تتقاذف حقوقه كإنسان أولا وكمواطن تاليا دون أي خجل، بل ـ وللأسف الشديد ـ يكلف هذا الأمر ذلك المواطن الكثير من المال والجهد والوقت. والأسوأ من ذلك أن بعض المسؤولين في تلك المؤسسات يعتب عليك أو (يأخذ في خاطره منك) لأنك تنتقد خدمات المؤسسة التي يديرها وكأنك تنتقد ملكه الخاص. فمن يتحمل المسؤولية؟طبعا عندما يطرح هذا السؤال من المواطن على الموظف وهو الضحية؛ لكونه يقف في الواجهة، أقصد عندما يسأل: لماذا لا يتم التنسيق بينكم؟ لماذا لا يتم حل هذا التضارب وسوء التنسيق أو حسم الجهة المسؤولة بين تلك الجهات؟ خصوصا في ظل التوجُّه الحكومي باتجاه الحلول الإلكترونية والحكومة الرقمية والربط بين الجهات الحكومية؛ يأتي الرد الطبيعي للمواطن من قبل ذلك الموظف: بأننا مجرد موظفين منفذين لا حول لنا ولا قوة غير أن نعلم المسؤول لدينا عن المشكلة، وأنه تم إبلاغ المسؤولين، الجهات الحكومية لديها علم بالموضوع، المدير يعلم، المدير العام يعلم، الوكيل يعرف، الوزير عنده خبر، وهكذا ولكن دون حل لمشكلة كأنها أصبحت عقدة من العقد الإدارية للجهات الحكومية، فمن يتحمل المسؤولية؟للأسف الشديد، هذه المشكلة أي سوء التنسيق بين جهات الدولة الحكومية ومرافقها الرسمية حيال إنجاز معاملات المواطنين (ولا نعمم بكل تأكيد) ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا. وما زالت تتكرر بين الحين والآخر في بعض الجهات الخدمية على وجه الخصوص، وفي ذات المواضيع والقضايا القديمة، والبعض منها لا يحتاج إلا إلى اجتماع قصير وعاجل ومسؤول شجاع وجريء وأشخاص يتحملون المسؤولية، ويفترض أن يكون لديهم الوقت لخدمة المواطنين، وستنتهي المشكلة. ولكن ما يحدث أن الكل يلقي اللوم على الكل، والبعض ليس له من المسؤولية غير اسم الكرسي الذي يجلس عليه وهو لا يستحقه أبدا، والبعض الآخر حصل على منصبه عبر علامة من علامات الرفع، فمن يتحمل المسؤولية؟الغريب أن بعض تلك المشاكل التي تحدث كنتيجة طبيعية للعمل الإداري يطول وقت حلها لدرجة تعتقد فيها بأن من يفترض أن يتعامل معها غير مهتم، وهذه مصيبة، أو لا يعلم وهذه مصيبة أكبر. فالأولى فيها قصد الإضرار بمصلحة الوطن والمواطن، والثانية فيها قصد الجهل وعدم السؤال واللامبالاة أو من خلف المسؤول ـ للأسف الشديد ـ غير أمينين على وطنهم أو المسؤول عنهم أو يقصدون تركه هكذا أو هو مسؤول متغطرس أغلق بينه وبين الموظفين أبواب التواصل، فلا يهتم بهم ولا يرد على ملاحظاتهم أو كما يقال في المثل الدارج (حتاتها بعيد) ولكنه يمكن أن يتصل ويتواصل ويفتح بابه مع غيرهم من المادحين الذين يزينون له سوء عمله.قبل أن أنهي هذا الطرح المختصر والرسالة التي أوجهها إلى مجلس الوزراء الموقر خصوصا، لكونه المعني بالدرجة الأولى عن تذليل ومعالجة مثل هه المشكلات القانونية والإدارية التي تحدث بين الجهات ذات العلاقة والاختصاص بخدمة وإنجاز معاملات المواطنين، وفي بعض الأوقات تشترك وتتداخل معهم بالطبع بعض المؤسسات غير المدنية من واجبي أن أكون صادقا منصفا مع نفسي في الطرح قبل أن أكون مع غيري، لذا من العدالة والإنصاف أن أقول إن بين تلك المجموعة السلبية سالفة الذكر مجموعة موازية من المسؤولين من أصغر موظف في هذا الوطن الكريم إلى المستويات العليا تستحق كل التقدير والاحترام؛ لأنهم مثال حي للذمة والضمير الوطني، مثال واقع لتحمل المسؤولية والرغبة الصادقة لخدمة وطنهم وأبناء وطنهم عبر مناصبهم، فلهم منا كل التقدير والدعاء لهم بالتوفيق والسداد بأن يبارك الله أعمارهم وأرزاقهم؛ لأنهم بالفعل مثال على المسؤول الذي تحمل المسؤولية.ثم أوصي بالمعالجات الآتية لحل مثل هذه التحدِّيات القديمة المتجددة حيال القضية الموضحة سلفا، على النحو الآتي:أولا: إعادة النظر فيما يتعلق بالجهة المعنية بالتنسيق والاتصال بين مجلس الوزراء الموقر والمواطنين بحيث يتم تمكين المواطن بشكل مباشر وسريع وبمختلف وسائل الاتصال والتواصل الفوري؛ لإيصال صوته ومشكلته الواقعة عليه فيما يتعلق بتقديم الخدمات الحكومية المختلفة أو بتلك العقبات التحدِّيات الناتجة عن تقديم تلك الخدمات ومن ضمنها تضارب المصالح.ثانيا: يجب أن يتم التعامل مع مثل هذه المشاكل المتعلقة بتحدِّيات تقديم الخدمات للمواطنين بشكل سريع ومنهجي بحيث لا تترك للتسويف والاجتماعات الآجلة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بل يجب أن يكون هناك فريق حكومي جاهز (فريق للطوارئ الإدارية) في كل مؤسسة حكومية يقوم بمعالجة مثل هذه التحدِّيات والمسائل الإدارية والقانونية العالقة عبر لقاءات واجتماعات عاجلة لا تزيد عن 3 أيام. ولديه مطلق الصلاحيات والإمكانيات والكفاءات التي بيدها الحل. وهو ذات الأمر عبر فرق أخرى بين الوحدات المختلفة، خصوصا الوحدات التي تقدم خدمات مباشرة ويومية للمواطنين، وتتداخل مصالحها مع بعضها مثل: شرطة عُمان السلطانية، وزارة العمل، وزارة الداخلية (البلديات)، وزارة التجارة...إلخ.ثالثا: لماذا لا يكون أو ما المانع أن يكون في كل مؤسسة حكومية رقم واتساب للتواصل مع المواطنين يطلع عليه معالي الوزير وسعادة الوكيل وما دونهم؛ أي يطلع على الشكاوى والمشاكل ويقوم بمعالجتها وتذليها بشكل عاجل وسريع دون انتظار الإجراءات الروتينية التقليدية.رابعا: يجب إعطاء الموظفين القائمين على قضايا جودة الخدمات الحكومية أو التواصل الحكومي في الوحدات الحكومية، سواء الوزارة أو المرافق التابعة لها في المحافظات والولايات الإمكانات والموارد اللازمة للتعامل مع هذه المشاكل وغيرها والتي تؤثر على جودة العمل وسمعة المؤسسة والثقة فيها وفي المسؤولين القائمين عليها.خامسا: يجب أن تفرد مساحة أكبر لوسائل الإعلام الرسمية للتعاطي مع مثل هذه القضايا التي تلامس جودة الخدمات الحكومية وتؤثر في سمعة الأداء الحكومي للتعاطي معها بكل شفافية ومصداقية.سادسا: يجب أن يكون للمحافظ دور أكبر في التعامل مع مثل هذه القضايا المتعلقة بتضارب المصالح الخاصة بتقديم الخدمات للمواطنين في المحافظات بين الوزارات والمؤسسات الخدمية، فهي أي معالجة مثل هذه القضايا والتحدِّيات المتعلقة بتنفيذ السياسة العاملة للدولة تصب في صلب الواجبات والأعمال الأصيلة للمحافظ وفق المرسوم السلطاني رقم 101 لسنة 2020 الخاص بنظام المحافظات والشؤون البلدية كما هو واضح من نص المواد (6 البند 1) والمادة ( 13 البند 4 + 10 )، يضاف إلى ذلك، فالمحافظ قيم ومسؤول عن تذليل العقبات والتحدِّيات التي تواجه أبناء المحافظة في كل ما من شأنه التأثير في الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية والقِطاع الخاص في المحافظة.سابعا: يجب أن يقوم المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بإفراد مساحة أكبر للتعرف على المعلومات والبيانات والحقائق المتعلقة بجودة العمل الحكومي بوجه عام، ولكل مؤسسة خدمية بوجه خاص، بالإضافة إلى تسمية أكثر المؤسسات التي يثق بها المواطن ويثق في خدماتها، وأي المؤسسات أكثرها تواصل واتصال مع المواطنين، وأي تلك المؤسسات تقوم بمعالجة التحدِّيات الواردة إليها بشكل أسرع، وما إلى ذلك من المعلومات والبيانات التي يمكن من خلالها تجويد العمل الحكومي وإعادة بناء وابتكار حكومة قادرة على التعامل مع المتغيرات والتحولات المتعلقة بالخدمات وجودة العمل والاتصال مع المواطن في عصر الحكومات الإلكترونية.ثامنا: أتمنى إعادة النظر في تفعيل بعض وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للجهات والمؤسسات الحكومية الخدمية مثل تويتر والتي ـ للأسف الشديد ـ لا يزيد بعضها عن كونه مجرد موقع دعائي تسويقي فقط، وحتى هذا الأخير في كثير من الأوقات يبقى في غرفة الإنعاش لفترات طويلة، ورغم الملاحظات والانتقادات والشكاوى التي تطرح عبره من قِبل المواطنين حول الخدمات الحكومية، تبقى تلك الملاحظات دون حل أو مراجعة أو متابعة لفترات طويلة، فلماذا لا تكون مثل هذه الوسائط وسائل للتواصل والاتصال وتذليل مشاكل المواطنين.وفي الختام أقول لكل مسؤول في هذا الوطن العزيز: الاستماع لشكاوى المجتمع ومشاكله المختلفة والتحدِّيات التي يعاني منها عند قضاء مصالحه في مؤسسات الدولة، مسؤولية وواجب ديني قبل أن يكون واجبا رسميا، ومسؤولية وواجب إنساني قَبل أن يكون واجبا تفرضه الوظيفة، ومسؤولية وواجب وطني وليس تفضلا أو منه من قِبل أحد، يضاف إلى ذلك أن التخلي عن أي مسؤول أو موظف لا يملك الوقت أو الصدر الرحب أو سعة البال للاستماع للمواطنين وحل مشاكلهم أو معالجة التحديات والعقبات التي تواجههم قد أصبح مهمة يجب أن تراقب وتفعَّل. فالكراسي والمناصب الحكومية لم تسلم لأحد مع صك وراثة أو ملكية خاصة ولا يوجد شخص فوق هذا الوطن وخدمة مصالح أبنائه بحسب القانون، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.