د. أحمد بن علي المعشني:
منذ سنوات تعاقدت مؤسسة متوسطة الحجم مع مدير يحمل أعلى الدرجات العلمية، وقدم سيرة ذاتية كانت محل دهشة واعجاب أصحاب المؤسسة، الأمر الذي جعل المؤسسة تقدم له عرضا متميزا من حيث المكانة والاختصاصات والمزايا المالية والمادية. خصصت له شقة ممتازة قريبة من مكان عمله، وقدمت له سيارة تحت تصرفه الشخصي مع تحمل تكاليف صيانتها ووقودها، بالإضافة إلى امتيازات عديدة، من بينها منحه نسبة من الأرباح السنوية. كان أصحاب المؤسسة يعقدون آمالا كبيرة عليه، ويتوقعون منه أن ينقل المؤسسة نقلة نوعية وكمية، وأن يحقق طموحاتهم التي قدموها إليه مكتوبة تتصدرها رؤية واضحة ورسالة محددة المعالم. أعطى المدير وعودا جميلة، وقدم خطة واضحة حافلة بالأهداف الإجرائية مقرونة بأساليب تحقيقها ومواعيد تحقيقها وطريقة تنفيذها، وكيف سيتحول كل ذلك إلى منتج ملموس يرفع مستوى المؤسسة ويزيد من أرباحها وينقلها إلى مستويات جودة عالية. يعد ذلك توارى أصحاب المؤسسة وأفسحوا المجال له لكي يعمل بحرية وبلا تدخل في التفاصيل من قبلهم، ووفروا له جميع أسباب الدعم المادي و المعنوي لتذليل ما قد يعترضه من عقبات. وأخبروه مسبقا بأن عددا من الموظفين في المؤسسة أكفأ ويتمتعون بمهارات وخبرات إبداعية ستعينه في خطته للنهوض بالمؤسسة، بما يحملون من انتماء حقيقي وعميق وبما يظهرون من ولاء للمؤسسة ورؤيتها وأهدافها. ابتسم المدير ووعد الجميع بأنه لم يأت لكي يهدم ثم يبني، بل جاء من أجل التطوير. فالمؤسسة ناجحة وتتميز بجودة محلية معروفة وتحقق أرباحا مالية ممتازة. بدأ ذلك المدير عمله باجتماع مع الموظفين، وقدم نفسه إليهم باعتباره واحدا منهم وعضوا في فريق واحد يعمل بكل طاقاته وقدراته أفراده من أجل الحصول على تصنيف عالمي متقدم في مجال عملها. وناشد جميع العاملين في حميمية ولباقة بأن يمارسوا الشفافية الإيجابية فيما بينهم وأن يعملوا بصدق وإخلاص وأن يراعوا الله ويجعلوا مراقبته بين أعينهم وفي عقلوهم وقلوبهم. واستشهد بقائمة من الشركات والمؤسسات المشهود لها بالجودة العالية، وكيف استفادت تلك الشركات من موروثها القيمي الديني والوطني والإنساني. باشر المدير مهامه وبعد مرور شهرين من استلامه العمل؛ فاجأ الجميع بأن قسم الموظفين إلى انتماءات وولاءات وكرس جهده لتفتيت الجميع وشاعت في المؤسسة لأول مرة طاقة سلبية وروح عدائية جعلت الموظفين يتخاصمون ويتبادلون الاتهامات وينقلون الوشوشة وهفوات اللسان إلى المدير الذي يبني عليها مواقف وقرارات. تحول الموظفون إلى خصوم وأعداء، وصاروا يترحمون على تلك الأيام المزدهرة من عمر المؤسسة؛ يوم كانوا يعملون كفريق واحد بعقل جمعي متقد وروح مشرقة وجهود مخلصة ويحصدون أفضل النتائج وأعلى المكاسب. تدارك أصحاب المؤسسة الأمر وطلبوا من المدير أن يتوارى بهدوء وشرعوا في علاج ما أفسده في غضون شهرين.
عندما يكون الإنسان شفافا مع ذاته ومع الآخرين وفي جميع معاملاته ومواقفه، فهو يعبر عن حالة من الصحة النفسية والروحية التي تظهر ما يتمتع به من السلام الداخلي والسكينة والتصالح مع الذات ومع الله ومع الآخرين، وتحرره من الأنانية وتشعره بالأمان، وتحقق له التوازن باعتباره ثمرة مجاهدة الإنسان لذاته من أجل أن يحقق مستوى النفس المطمئنة التي تظهر أعلى مستويات السعادة والرضا.

رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية