د. يوسف بن علي المُلَّا
اتخذت ظاهرة أزمة منتصف العمر أبعادًا شبه نفسية خلال السنوات الماضية، ولعلَّه قد يكون قد بدأ قبل قرن من الزمان حين مال الرجال والنساء إلى الانزلاق إلى أزمة تتعلق بالشيخوخة ونفاد الوقت لتحقيق أهدافهم. لذلك فتوقيت منتصف العمر أعتقد أنه شخصي، حتى وأنني أميل إلى القول الذي يقول بأن متوسط العمرهو عندما لا يكون المرء صغيرًا ولكنه ليس كبيرًا في السنِّ، بحيث قد يساعد هذا ويترك مساحة ليست بالصغيرة للإدراك.
صحيح أنه قد تتفاقم هذه التحدِّيات من خلال تحوُّل غريب وشخصي للغاية يبدأ في حوالي الأربعينيات من العمر، حين تبدأ المهارات التي شحذتها في بداية مرحلة البلوغ في التلاشي، خصوصًا إذا لم تركز على القدرات التي تنمو مع تقدمك في العمر، فقد ترى الشيخوخة على أنها خسارة، وتكون لبعض الأفراد مصدرًا للمعاناة.
لذلك دائمًا أذكِّر الجميع بأن يركز على ذلك العمر الذي يمنحك، وليس الذي سلبك. فالركود إلى العمر، الذي وصلت له، قد يصنع لك أزمة، وهذا للأسف يحدث عندما تحاول محاربة الوقت، سواء كنت تحاول يائسًا ألا تبدو أكبر سنًّا أو تكافح ضد التغييرات في مهاراتك ونقاط قوتك. وبالتالي ـ وإنْ صحَّ القول ـ يجب إدراك وقبول عمرك، بل والتعرف على قدراتك والقدرات الجديدة التي تتطور بشكل طبيعي بعد سنِّ الأربعين وتصبح أقوى خلال الخمسينيات والستينيات من العمر.
من ناحية أخرى، نحن نعي جيدًا أنه وفي وقت مبكر من الحياة، يأتي النجاح عادة من الإضافة: المزيد من المسؤولية، والمزيد من العلاقات. وعليه، فإن معنى ذلك أن الحياة في بداية مرحلة البلوغ تشبه ملء قطعة قماش فارغة. وهنا عندما يأتي الوقت وأتحدث عن منتصف العمر، فإنني وبشكل أعمق أتحدث عن النقطة التي يجب أن تتغير فيها وسيلة اختيارك! خصوصًا وأنه يصعب القيام بذلك عندما تكون قد قبلت الكثير من المسؤوليات في العمل والمنزل مثلًا. وهذا حقيقة يقودنا للتساؤل: هل النجاح يساوي المزيد؟! بشكل شخصي أعتقد بأن هذه حسابات قد تكون سيئة. الأجدى هنا أن يعمل ذلك الفرد على تغيير هدفه عن طريق الابتعاد عن الواجبات الكثيرة، ويخصص المزيد من الوقت للتفكير، والواجبات المحددة، والعمل الذي تحتاج إلى القيام به لإعادة هندستك.
وبشكل ما، أرى هنا أن الحياة لمعظم الناس تتحسن ابتداء من منتصف العمر. فعلى مرِّ السنين، يميل الناس إلى أن يصبحوا أكثر سعادة، وأكثر إبداعًا، وأقل عصبية، وأكثر قبولًا، وأكثر وعيًا. وفي المتوسط، يصبح الناس بصحة نفسية ثابتة بعد عمر الثلاثين. وفي سن الشيخوخة وعلى الأرجح، لن تكون هناك أزمة كاملة حتى لو تركت الطبيعة تأخذ مجراها.
ختامًا، قد يبدو البحث عن الفرح في منتصف العمر وكأنه نحت على صخرة صماء، ولكن ألست معي أن منتصف العمر ليس تلك الصخرة بعينها إنما هو ذلك الجمال الذي يبهر العين بعد نحته. ستواجه حتمًا صعوبات وتحدِّيات، تمامًا كما في أي وقت آخر في حياتك. ولكن إذا اتخذت الخيارات الصحيحة، فقد يكون منتصف العمر هو أفضل فرصة وأكبر مغامرة مررت بها منذ عقود... بل وفرصة للعثور على الجمال في نفسك وتكوينك وفي من حولك!