نريد منكم ـ سماحتكم ـ أن تبينوا لنا مناسك الحج باختصار؟

مناسك الحج تكون على ثلاث كيفيات، لأن من يذهب إلى حج بيت الله الحرام فإما أن يكون مفرداً بالحج وحده، وإما أن يكون قارناُ بين الحج والعمرة، وإما أن يكون متمتعاً بالعمرة إلى الحج، فأما المفرد بالحج فإنه يهل من أول الأمر بالحج بحيث يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك له، ثم يقول لبيك بحجة تمامها وبلاغها عليك يا الله يعني أنه قاصد أداء فريضة الحج من غير أن يدرج العمرة في ضمن هذا الأداء، وعندما يصل إلى هناك إن كانت ثم فرصة فإن من أهل العلم من يرى أن يطوف بالبيت الحرام ، ومنهم من يرى أن الطواف قد يحوّل هذه الحجة أو يحوّل هذا النسك إلى عمرة إلى نسك آخر، وإن لم يكن بإمكانه الطواف وذلك بأن يصل في وقت متأخر فإنه ليس عليه طواف وإنما يذهب رأساً إلى منى، ثم بعد ذلك يؤدي ما يؤدي من مناسك الحج حتى ينتهي من مناسكه ويتحلل، ومعنى ذلك أنه يذهب في يوم الثامن إلى منى، ثم يظل هنالك حتى يبيت ليلة التاسع ويغدو في صبح يوم عرفة وهو بمنى، ثم ينتقل بعد ذلك من منى إلى عرفات وهو يلبي يذكر الله تبارك وتعالى ويستغفره ويتوب إليه، وعندما يصل إلى عرفات عندما تزول الشمس يقوم لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ثم بعد ذلك يدعو الله تبارك وتعالى بما تيسر له ويستغفره وينيب إليه ويكثر من التلبية ويكثر من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ويكثر من الدعاء والإلحاح فيه لأن هذه العشية عشية مباركة، ويستمر على ذلك إلى غروب الشمس، ولا يغادر مكانه إلى أن تغرب الشمس، فإذا غربت الشمس بدأ في الإفاضة ويفيض من عرفات إلى المزدلفة، فإذا وصل إلى هنالك جمع بين الصلاتين بين صلاتي المغرب والعشاء مع قصر العشاء وذلك في وقت قبل العشاء، ويذكر الله تبارك وتعالى عند المشعر الحرام ويستمر على الذكر مع التبتل إليه سبحانه، ومع هذا يأخذ قسطاً من الراحة ينام ثم يصلي الفجر هنالك، وبعد صلاة الفجر يقطع وادي محسر بعدما يذكر الله تبارك وتعالى ويحرص على قطع الوادي قبل أن تطلع الشمس، ثم يغدو إلى منى فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة، وبعد رميه جمرة العقبة يتحلل لأنه ليس عليه هدي إلا أن يكون قد ساق الهدي، فإن كان قد ساق الهدي فإنه لا يتحلل إلا بعد أن يبلغ الهدي محله لقول الله تبارك وتعالى:(وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (البقرة ـ 196)، ثم بعد ذلك ، بعد التحلل يذهب إلى مكة المكرمة ويطوف بالبيت ثم يظل في منى لمدة ثلاثة أيام بحيث يبقى في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر هذا إن تأخر ، ويجوز له أن يتقدم بحيث يتعجل في يومين أي يبقى إلى اليوم الثاني عشر بعد الزوال ، وفي كل يوم يرمي الجمار الثلاث الجمرة الأولى والجمرة الوسطى وجمرة العقبة يرميهن بعد الزوال كل واحدة منهن بسبع حصيات . ثم بعد ذلك يذهب إلى مكة المكرمة وعندما يريد المغادرة يطوف بالبيت ليكون آخر عهده بالبيت هذا كما قلنا إن كان مفرداً بالحج، فإن شاء الاعتمار فإنه يعتمر بعد أيام التشريق، وأما القارن بين الحج والعمرة فإنه يلبي بهما جميعاً يلبي بالحج وبالعمرة ويظل على إحرامه، واختلف هل لا بد من أن يطوف طوافين ويسعى سعيين أو أنه يجزيه لنسكه طواف واحد وسعي واحد، أو أنه يطوف طوافين ويكتفي بسعي واحد هذا مما اختلف فيه أهل العلم، واختلف أيضاً في القارن هل يجب عليه دم أو لا يجب عليه دم؟ والاختلاف مبني على أن القران هل هو خروج عن الأصل وأن الأصل عدم القران فلذلك يجب عليه الدم لأنه جمع بين نسكين جميعاً وفي ذلك تمتع له فيصدق عليه قول الله تبارك وتعالى:(فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (البقرة ـ 196)، أو أن ذلك لا يعد تمتعاً، وإن كان أكثر العلماء يرون أن القران كالتمتع من حيث وجوب الهدي فإننا نرى أنه إن لم يسق الهدي فلا يجب عليه أن يهدي بل يكفيه ألا يهدي كحال من أفرد الحجة وحدها، وأما المتمتع فإنه يهل بعمرة بحيث يلبي بعمرة يقول لبيك بعمرة تمامها وبلاغها عليك يا الله، ثم بعدما يصل إلى مكة المكرمة يطوف بالبيت ويسعى وبعدما يسعى يتحلل بتقصير أو بحلق، ثم بعد ذلك يستمر وهو محل ويطوف بالبيت الحرام متى ما أراد وهو في حال إحلاله إلى أن يأتي اليوم الثامن، فإذا جاء اليوم الثامن فإنه يهل بحجة ويذهب إلى منى أولاً كما هو الشأن في بقية النسك في نسك الحج وحده أو في نسك القران ثم إلى عرفات فيما بعد، فإذا جاء إلى منى في اليوم العاشر بدأ برمي جمرة العقبة بسبع حصيات ثم بعد الرمي ينحر هديه وبعد نحره للهدي يتحلل بحلق أو تقصير، ثم يطوف بعد ذلك طواف الإفاضة ويرمي الجمار في الأيام الثلاث، ثم بعد ذلك عندما يريد المغادرة يطوف بالبيت، هكذا شأن هذه النسك الثلاثة، وعلى الإنسان أن يحرص دائماً على أن يستحضر عظمة الله تبارك وتعالى وجلاله وكبريائه، وأن يكون في تأديته لهذه المناسك مستشعراً أنه يطيع ربه تبارك وتعالى فإن الأعمال الظاهرة لا قيمة لها إن لم تكن مصحوبة بنية خالصة لوجه الله عز وجل ، وشرع ما شرع من المناسك من أجل ذكر الله، فذكر الله يجب أن يسيطر على فكر الإنسان ووجدانه وأن يهيمن على جوارحه وأركانه بحيث يوجهها الوجهة المرضية في طاعة الله تبارك وتعالى، وبهذا يكون حجه بمشيئة الله تعالى حجاً مبروراً، ومما يجب التنبيه عليه أن هنالك من العلماء من أخذ يترخص في نحر الهدي قبل يوم النحر بحيث ينحر المتمتع هديه وهو في مكة المكرمة قبل يوم النحر، وهذا فيه مخالفة للسنة، والنبي (صلى الله عليه وسلّم) كانت أعماله في حجة الوداع ترجمة دقيقة لمناسك الحج، وكل ما كان حكمه أوسع من فعله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ نبّه عليه لئلا يتقيد الناس بما فعله فلذلك قال: وقفت هاهنا وعرفات كلها موقف، وقال وقفت هاهنا وجمع كلها موقف، وقال: ونحرت هاهنا ومنى كلها منحر وفي رواية وزيادة: (وفجاج مكة كلها منحر) .. هذا من أجل ألا يتقيد الناس بما فعله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وإلا فبقية الأعمال كانت ترجمة دقيقة لمناسك الحج فيجب التقيد بما فعله ـ صلى الله عليه وسلّم، فلو كان الهدي يمكن أن ينحر قبل يوم النحر لما تقيد النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ عندما ساق الهدي بإحرامه وظل عليه إلى يوم النحر وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة، فلماذا تقيد إلى يوم النحر وإنما ذلك لأن للهدي ميقاتين ميقاتاً زمانياً وهو يوم النحر وميقاتاً مكانياً وهو الحرم فلا بد من التقيد بذلك ، والله تعالى أعلم .