قراءة في ندوة:"فقه رؤية العالم والعيش فيه ـ المذاهب الفقهية والتجارب المعاصرة"

إبراهيم العناني:
حرص واضعو الميثاق على توطيد وتشجيع الاحترام والمساعدة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية
ـ كل دعوة للكراهية القومية أو العنصرية من شأنها أن تشكل تحريضا على التمييز أو المعاناة محظورة بنص القانون
ـ ميثاق منظمة التعاون الإسلامي حرص في صيغته الأولى على أن يجعل من بين أهداف المنظمة محو التمييز العنصري

قراءة ـ علي بن صالح السليمي:
بمباركة سامية من لدن حضرة صاحب الجــلالة السلطان قـابـوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ أقيمت خلال الفترة من 25 الى 28 جمادى الأولى 1434هـ الموافق 6 الى 9 ابريل 2013م ندوة تطور العلوم الفقهية والتي جاءت بعنوان:"فقه رؤية العالم والعيش فيه ـ المذاهب الفقهية والتجارب المعاصرة" وهي النسخة الثانية عشرة من الندوات التي تنظمها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في هذا الجانب المهم .. حيث شارك في الندوة علماء ومفكرون وباحثون من داخل السلطنة وخارجها .. وتناولت أوراق عمل وبحوثًا هامة.
وضمن تلك البحوث والاوراق المقدمة .. ورقة عمل بعنوان: (المبادئ الحاكمة للإعلانات الإسلامية لحقوق الإنسان والعيش في العالم) للباحث الدكتور ابراهيم محمد العناني ـ أستاذ القانون الدولي العام، العميد الأسبق لكلية الحقوق جامعة عين شمس.

يقول الباحث في مستهل مبحثه: اهتم المجتمع البشري منذ بداية عهده بالفرد بأن كفل له حماية خاصة من كافة مظاهر التمييز فى المعاملة، وتستند هذه الحماية منذ البداية إلى الشرائع السماوية وبخاصة الشريعة الإسلامية، وبعد ذلك إلى عديد من الوثائق والاتفاقات الدولية.
وقال: وقد حقق ميثاق الأمم المتحدة خطوة جوهرية فى مجال حماية الفرد واحترامه، حيث أشار إلى مشكلة حقوق الانسان فى ديباجته وكذلك فى مواد ست مختلفة منه، ففى المقدمة أوضح تعبير شعوب الأمم المتحدة عن عزمها "على تأكيد ايمانها بحقوق الانسان الأساسية وفى كرامة وجدارة الكائن البشرى وفى تساوي حقوق الرجال والنساء والأمم كبيرهم وصغيرهم". وظهر حرص واضعي الميثاق على توطيد وتشجيع الاحترام لحقوق الانسان والمساعدة على تحقيق حقوق الانسان والحريات الأساسية فى نصوص مختلفة منه.
مبيناً أن الواقع وما جاء بالميثاق يتمثل فى أحكام عامة غير محددة، وهو ما جعلها فى حاجة إلى تحديد بالاضافة إلى صبغها بالقوة الملزمة لكفالة احترامها، وكانت هذه المهمة من الصعوبة بمكان نظراً لأنها تتعلق فى معظم الحالات، بكفالة حماية الفرد فى مواجهة دولته، ومع ذلك أمكن القيام بها على المستوى العالمى بواسطة الأمم المتحدة، وعلى المستوى الاقليمى بواسطة مجلس أوروبا ومنظمة الدول الأميركية ومنظمة الاتحاد الافريقى (الوحدة الأفريقية سابقا)، وعلى المستوى الإسلامي جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون (المؤتمر سابقا) الإسلامي.
أولاً: فى اطار الأمم المتحدة: من أجل تحديد وتوضيح أحكام الميثاق المتعلقة بحقوق الانسان قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة وضع لائحة دولية لحقوق، وتمكنت بعد دراسات مطولة ـ عن طريق لجنة حقوق الانسان التى شكلت عام 1946، بناء على المادة 68 من الميثاق ـ من تبنى الاعلان العالمى لحقوق الانسان فى العاشر من ديسمبر 1948م معلنة إياه كمثل أعلى مشترك لكافة الشعوب والأمم، ويتألف هذا الاعلان من ثلاثين مادة تتناول كلا من الحقوق المدنية والسياسية، وفصلا عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذا ما يجعله مختلفاً عن الأفكار التقليدية الخاصة بحقوق الانسان التى احتوتها دساتير وقوانين أساسية متنوعة صادرة فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وفى أوائل القرن العشرين، وذلك من حيث أنه لا يعالج فقط الحقوق المدنية والسياسية.
وقال: تتناول المادتان الأولى والثانية مبادئ عامة، اذ تنصان على أن "جميع الناس يولودون أحراراً ومتساوين فى الكرامة والحقوق" وأن "لكل انسان أن يتمتع بكافة الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الاعلان بدون تمييز من أي نوع، سواء كان ذلك بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الرأى السياسى أو غيره أو الأصل القومى أو الاجتماعى أو بسبب الملكية أو صفة الولادة أو غيرها".
مؤكداً بأن المواد من (3) إلى (21) اشتملت بياناً للحقوق المدنية والسياسية وهي حق الانسان فى الحياة والحرية والأمن على شخصه، والتحرر من الاسترقاق والاستعباد، والتحرر من التعذيب ومن المعاملات، والعقوبات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة، والحق فى الاعتراف له بشخصه أمام القانون وحقه المتساوي فى حماية القانون، وحقه فى التقاضي أمام المحاكم والتحرر من القبض ومن الاعتقال والنفى التعسفى، وحقه فى أن تنظر قضيته علناً وعدلاً، محكمة مستقلة محايدة وحقه فى اعتباره بريئا حتى تثبت ادانته، والتحرر من التعرض التعسفى فى حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته وحريته فى التنقل، وحقه فى الجنسية، وحقه فى التزوج وتكوين أسرة، وحقه فى التملك، وحرية الفكر والعقيدة والدين، وحرية الرأى والتعبير وحقه فى حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات، وحقه فى الاشتراك فى حكم بلده وحقه المتساوى فى تقلد الوظائف العامة.
مضيفاً بأن المواد من (22) إلى (27) تعالج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ـ فى نصوص أغلبها عام ـ بما فى ذلك الحق فى الضمان الاجتماعى والحق فى العمل والحق فى الراحة وأوقات الفراغ والحق فى الاشتراك فى حكم بلده والحق المتساوى فى تقلد الوظائف العامة.
وقال: كما تعلن المادة (29) أن على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذى تتاح فيه وحده إمكانية نمو شخصيته نمواً حراً وكاملاً، وأن الفرد فى ممارسته لحقوقه وحرياته السابقة يخضع للقيود التى يقررها القانون فقط بقصد ضمان الاعتراف بحقوق وحريات الآخرين واحترامها ولمواجهة المقتضيات العادلة للأخلاق والنظام العام والرفاهية العامة فى مجتمع ديمقراطى.
وتشير المادة (30) إلى حماية جوهرية ضد أية اساءة فى استعمال حقوق الانسان والحريات الأساسية إذ تقرر أنه "ليس فى هذا الاعلان ما يمكن تأويله على أنه يخول لأية دولة أو جماعة أو فرد أي حق فى القيام بأى نشاط أو أداء أي عمل يستهدف هدم أي من الحقوق والحريات المنصوص عليها فيه".
موضحا ًانه ونظراً لاختلاف الرأى حول القيمة الإلزامية لهذا الاعلان باعتباره مجرد تصريح عن منظمة الأمم المتحدة (وإن كنا نرى أن هذا الإعلان يكتسب قوة إلزامية من حيث المضمون الذي هو في حقيقته إنفاذ لما تضمنه ميثاق الأمم المتحدة من أحكام تكفل احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية)، فلقد بدى ضرورياً أمام هذه المنظمة أن تعمل على تكملة عملها لاكسابه تلك القوة الالزامية دون منازعة، ولهذا ركزت لجنة حقوق الانسان جهودها على صياغة نصوص الاعلان فى اتفاقيات دولية ترتضى بها الدول، ولقد كلل عملها بالنجاح حين أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقيتين أحداهما خاصة بالحقوق المدنية والسياسية، والأخرى خاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالاضافة إلى بروتوكول اختيارى خاص بالاتفاقية الأولى، وذلك فى 16 ديسمبر عام 1966.
وقال: عموماً تحتوى الاتفاقيتان على نصوص خاصة بالحقوق الواردة فى الاعلان العالمى لحقوق الانسان، إلا أن هناك مع ذلك بعض الاستثناءات، ذلك أن بعض الحقوق التى نادى بها الاعلان لم ينص عليها فى أي من الاتفاقيتين، وبالتالي تظل تستند فى قوتها إلى الإعلان، ومن ناحية أخرى فإن الاتفاقيتين تعالجان أيضاً بعض الحقوق التى لم ينص عليها الاعلان أو ورد النص عليها فيه بطريقة عامة، ومن أهمها حق الشعوب فى تقرير مصيرها وحماية الأقليات وتحريم الاسترقاق وتجارة الرقيق، واعتبار كل دعاية للحرب وكذلك كل دعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية من شأنها أن تشكل تحريضا على التمييز أو المعاناة أو العنف، محظورة بنص القانون، ولم يكن نشاط أجهزة الأمم المتحدة متوقفاً عند الحدود السابقة بل دأبت منذ صدور الإعلان إلى تبنى العديد من القرارات التي تحظر المساس بحقوق الإنسان وحرياته بكافة أشكاله، ومن أحدثها القرار الذي أصدرته فى 9 ديسمبر 1975م، بإدانة عمليات التعذيب، وتأكيد حماية جميع الأشخاص من الخضوع للتعذيب أو أي نوع آخر من المعاملة أو العقاب المهين، والقرار الخاص بحقوق العجزة والمعوقين.
ثانياً ـ فى اطار المنظمات الإقليمية: اهتمت المنظمات الاقليمية بحماية الانسان وحرياته الأساسية. ولقد تمكن مجلس أوربا من أن يحقق ولأول مرة فى القانون الدولى الوضعى حماية فعالة لحقوق الانسان، فقد جاء فى المادة (3، 4) من الوثيقة المؤسسة للمجلس أنه لا يمكن لدولة أن تصبح عضوا فيه إلا إذا اعترفت بالحقوق والحريات الأساسية لكل فرد يخضع لسلطانها سواء كان وطنيا أو أجنبياً. وعلى أساس ذلك أقرت الدول الأعضاء فى الرابع من نوفمبر عام 1950م اتفاقية حماية حقوق الانسان مكملة باعلانين وعدة بروتوكولات إضافية، وتتميز الاتفاقية بأن ما تضمنته من حقوق وحريات أساسية للفرد قد اكتسبت قوتها القانونية من اتفاقية دولية ارتضت بها الدول الأعضاء، بالاضافة إلى انشاء أجهزة دولية لضمان ورقابة تطبيقها وهي اللجنة الاوروبية لحقوق الانسان (لم يعد لها وجود الآن بعد إلغائها) والمحكمة الأوربية لحقوق الانسان، لاختصام الدولة التى تخالف التزامها باحترام حقوق الانسان وحرياته الأساسية التى كفلتها الاتفاقية الأميركية لحقوق الانسان لعام 1969 والتى دخلت حيز النفاذ فى 18 يوليو 1978، حيث أكدت الطابع القانونى لحقوق الانسان وحرياته الأساسية، وأنشأت جهازين لرقابة احترامها وهي اللجنة والمحكمة الأميركية لحقوق الانسان، أما منظمة الاتحاد الافريقى فقد أقرت ميثاقا أفريقيا لحقوق الانسان والشعوب فى يونيه 1981 أكد، هو الآخر، على حقوق وحريات الإنسان الأفريقى وأنشأ لجنة افريقية لمراقبة احترام حقوق الانسان، وأنشأت مؤخراً المحكمة الأفريقية للعدل وحقوق الإنسان وسبق لمنظمة الدول الأميركية أن أقرت اتفاقية لحقوق الإنسان مزودة بلجنة ومحكمة أميركية لحقوق الإنسان.
ثالثا: في إطار المنظمات التي تضم الشعوب الإسلامية، والمتمثلة أساساً في منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية: فقد كان طبيعيا أن نلمس لدى تلك المنظمات اهتماما بقضية حقوق الإنسان، حيث عنيت منظمة التعاون الإسلامي (منظمة المؤتمر الإسلامي سابقا) بهذه القضية منذ نشأتها، فقد حرص ميثاق المنظمة في صيغته الأولى قبل التطوير على أن يجعل من بين أهداف المنظمة محو التمييز العنصري، والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وكان ذلك في نص المادة (2/ أ)، كما نص على حق تقرير المصير كأحد المبادئ الرئيسة للمنظمة. وإذا رجعنا إلى ميثاق المنظمة بعد تعديله وتطويره عام 2008، نجد مزيدا من التركيز على قضية حقوق الإنسان بأبعادها المختلفة حيث أشارت ديباجة الميثاق إلى أنه من منطلق الالتزام بميثاق الأمم المتحدة تعمل الدول أعضاء المنظمة على الحفاظ على القيم الإسلامية النبيلة المتمثلة في السلام والتراحم والتسامح والمساواة والعدل والكرامة الإنسانية وتعزيزها، وتعزيز حقوق الإنسان وحرياته الأساسية،وصون وتعزيز حقوق المرأة ومشاركتها في شتى مجالات الحياة وفقا لقوانين الدول الأعضاء، وتهيئة الظروف الملائمة للتنشئة السليمة للطفولة والشباب وغرس القيم الإسلامية لديهم، وذكرت المادة الأولى من الميثاق أن من بين أهداف المنظمة دعم حقوق الشعوب كما أقرها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحمايتها بما في ذلك حق المرأة والطفل والشباب والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة والحفاظ على قيم الأسرة الأساسية، احترام حقوق الجماعات والمجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء وصون كرامتها وهويتها الثقافية والدينية، وأكد الميثاق في مادته الثانية على أن من مبادئ المنظمة الأساسية تعزيز الحكم الرشيد والديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية وسيادة القانون.
وقال: وبمقتضى المادة (15) من الميثاق تولي الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان كجهاز رئيس من أجهزة المنظمة بمقتضى المادة الخامسة، تعزيز الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية الواردة في عهود المنظمة وإعلاناتها وفي مواثيق حقوق الإنسان المتفق عليها عالميا بما ينسجم مع القيم الإسلامية.
وكانت المنظمة قد اعتمدت العديد من الوثائق الخاصة بحقوق الإنسان يأتي على رأسها: إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام الذي تمت إجازته من قبل مجلس وزراء خارجية المنظمة في القاهرة عام 1990، عهد حقوق الطفل الذي أقرته المنظمة عام 2004.
موضحاً انه وبالنسبة لجامعة الدول العربية فرغم أن ميثاقها جاء خلواً من أي نص عن حقوق الإنسان، غير أن مجلس الجـامعة وافق في 3 سبتمبر 1986 إلى إنشاء اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان التي عهد إليها إعداد مقترحات وأبحاث وتوصيات ومشروعات اتفاقات تعرض على مجلس الجامعة.وبناء على توصية المؤتمر الإقليمي العربي لحقوق الإنسان الذي عقد في بيروت عام 1968 أنشأ مجلس الجامعة لجنة خبراء عهد إليها إعداد مشروع إعلان عربي لحقوق الإنسان في10 سبتمبر 1970.
مشيرا إلى أن اللجنة قد أعدت بالفعل هذا المشروع المستمد في جلّه من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع مراعاة خصوصية الوطن والقيم الإسلامية إلا أنه لم ير النور، وعندما انتقلت الجامعة إلى تونس توصلت عام 1982 إلى اعتماد مشروع جديد أسمته الميثاق العربي لحقوق الإنسان، غير أن مجلس الجامعة قرر في دورته التاسعة والسبعين (1983) إحالة المشروع على الدول الأعضاء في الجامعة لوضع ملاحظاتها عليه، وأخيرا أقر مجلس الجامعة على مستوى القمة الميثاق العربي لحقوق الإنسان في 23 مايو 2004 الذي أوضح في ديباجته أنه اعتزازاً من الدول أعضاء جامعة الدول العربية بما أرسته الحضارة العربية عبر تاريخها الطويل من قيم ومبادئ إنسانية كان لها الدور الكبير في نشر مراكز العلم بين الشرق والغرب ،وإيمانا منها بكرامة الإنسان الذي أعزه الله منذ بدء الخليقة،وتأكيدا لسيادة القانون ودوره في حماية حقوق الإنسان في مفهومها الشامل والمتكامل، وتحقيقا لكل ما سبق تبدو الضرورة لصياغة وثيقة عربية تكفل الحقوق والحريات الأساسية بما يتوافق ويتكامل مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والمواثيق ذات الصلة.
.. للحديث بقية الاسبوع القادم.