د.أحمد بن علي المعشني:
جاءني شاب يطلب المساعدة للتخلص من حالة تشتت وتبذير وضعف تركيز، وقد أدركت صعوبة استيعابه لاستراتيجيات تحديد الأهداف، فهو لم يحضر دورات في التنمية الذاتية التي تساعد الناس على قيادة زمام مبادرات التغيير من داخل أنفسهم.
طلبت من الشاب أن يجلس ثم يسترخي، ويفرغ عقله من جميع الأفكار من خلال التركيز على حركة الشهيق والزفير والتواصل مع أعضاء جسمه، وبهذا يتحد العقل مع الجسم، وتنشط الروح.
كان الشاب مستجيبًا ومتعاونًا ولم يستغرق الأمر معه دقائق حتى بلغ مستوى ذبذبات (ألفا) وهي حالة هدوء عقلي تعبر عن حالة السكون التي يهبط خلالها معدل ذبذبات المخ إلى مستوى أقل من مستوى النشاط والحيوية والحركة في حالات النشاط الدماغي العادي.
وبعد ذلك طلبت من الشاب أن يحدد شخصًا ناجحًا يعتبره قدوة في مجال من المجالات التي يحبها الشاب، عندما تأكدت أنه قد اختار مثله الأعلى، طلبت منه أن يتخيل لوحًا زجاجيًا سميكًا يفصل بينه وبين مثله الأعلى، وبعد برهة قصيرة من الزمن، ابتسم الشاب وهو يقول: نعم..
نعم..
أنا الآن أمام قدوتي في الحياة.
طلبت منه أن يتقدم نحوه كما لوكان سيصافحه، وأن يكتفي بالسلام عليه والتركيز على المزايا الإيجابية والسمات التي يرغب في استنساخها وانتقالها إليه عن طريق القدوة، ويبدو أن الشاب قد نحج فعلًا في تحديد ما يريده فعلًا من قدوته.
وهنا طلبت منه أن يتخيل يده تتطابق مع يد مثله الأعلى من وراء زجاج، وأن يتخيل انتقال الخصال الحميدة والسمات الإيجابية إليه كطاقة أثيرية نقية ورائعة.
وهنا استقبل الشاب تدفق الطاقة وهو مغمض العينين، ولاحظت انسجامه كما لو أن الطاقة الاثيرية للقدوة بدأت تنساب إلى الشاب عبر فتحات الحاجز الزجاجي، ثم وجهت الشاب إلى أن يستشعر حركة وطاقة النموذج البشري المتميز الذي اختاره كقدوة بحيث تتفاعل مع طاقته، وكذلك دربته أن يستشعر حيوية قدوته الحكيم وهي تمتزج بدمه ولحمه وتفكيره ومشاعره.
عندما فرغ الشاب من التدريب، سألته عن شعوره، فأكد لي تطابق شعوره مع شعور ذلك الحكيم القدوة.
سألته ما رأيك لو تختار قدوة أخرى في مجال من المجالات التي تطمح إلى اكتسابها واضافتها إلى مواردك.
فأنت باختصار تقوم بنقل مهارات تعجبك لدى الشخص الناجح الذي اخترته قدوة لك، ثم جزئها الى خطوات صغيرة بحيث تستطيع ممارستها، ثم تكرارها حتى تصبح جزءًا من مهاراتك ومعتقداتك ومشاعرك.
إن الناجحين في أي مجال يتقنون أداء مهامهم بتفوق، وتستطيع أنت أيضا أن تحاكي ما يقومون به حتى تصل درجة الاتقان التي يؤدي بها الناجحون أعمالهم التي يبرعون فيها.
عليك أن تلاحظ وتراقب المهارة التي يؤدي بها قدوتك عمله وكيف يفكر وبماذا يشعر وما هي دوافعه وحاجاته من وراء ذلك.
لقد دأب الشاب يمارس فن نقل طاقة مثله الأعلى، إلى درجة أنه صار بعد فترة يتصرف مثله ويمارس برنامجه اليومي ثلة تمامًا، وتعتبر هذه المرحلة مستوى الاتقان الذي يبلغه من يحاكي نموذجه البشري المميز، ثم تأتي مرحلة الإبداع التي سيكتشفها الشاب لاحقًا.
أما شخص آخر فقد أخبرني أنه يعاني من الإفلاس وأنه كلما حاول أن يدخر بعض المال فإنه يخفق، وكان يعتقد بأن الوقت غدًا متأخرًا كثيرًا أمام تحقيقه لهدفه وهو أن يصبح شخصًا مكتفيًا ذاتيًا عن الاستقراض الذي يطارده منذ سنوات عمره الأولى.
طلبت منه أن يزور أحد البنوك وأن يفتح حساب ادخار، وأن يودع فيه جزءًا من راتبه لا يقل عن 10% شهريًا، وأخبرته أنه إذا واظب لمدة سنة واحدة فقط على أسلوب الادخار فسوف تتغير كل حياته.
وعند تواصله مع العديد من التجار الذين يرحبون بفكرة لتعاون معه ونقل تجاربهم اليه.
وقد نقل الشاب حلمه من مرحلة التخيل والمحاكاة الى حقيقة.
إن نقل الطاقات البشرية تعتمد على التوحد مع ذبذبات النجاح التي تصدر عن النموذج البشري المميز الذي نقدر كفاءته ونعجب بها ونعمل على محاكاتها حتى مستوى الإتقان.
* رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية