علي بن سالم الرواحي:
قال الله تعالى:(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ) (النور 27 ـ 29).
* معاني الكلمات:
تستأنسوا: تجدوا إيناسًا، وتسلموا: بأنْ تقول: (السلام عليكم أأدخل؟)، ارجعوا: انصرفوا، متاع: منفعة.
* التفسير الإجمالي:
هذا توجيه رباني للمؤمنين، إذا قصدوا أحداً في بيته، فالإنسان له علاقات كثيرة بينه وبين الآخرين وحاجات كثيرة إليهم،مما يدفعه إلى طلب لقائهم، وطبعاً عنوان الشخص الأساس إنما هو بيته، فيأتيه.
يتناول هذا الأدب الرباني إذا جئنا بيتاً أن نسلِّم ثم نستأذن، وفي قوله سبحانه:(حتى تستأنسوا وتسلموا) تقديم وتأخير، وأصله: (تسلموا وتستأنسوا) وذلك للاهتمام بالأنس وهو مطلوب الاستئذان، وعبّر بـ (تستأنسوا) عن (تستأذنوا) لجعل الاستئذان نفسه إيناسًا، وهو مجاز مرسل علاقته مسببيَّة، حيث الاستئناس مسبَّب للاستئذان، فيطمئن أهل البيت ويقومون بإكرام الزائر، وتشيع الألفة بينهم، وتُقْضى الحاجات، وما ما يترتب عليه من مصالح دنيوية يترتب عليه أجور أخروية بإذن الله سبحانه وتعالى، وهو خير من عدم الاستئذان، عسى نتذكر هذه الخيرية فنعمل بها في واقعنا.
ثم يعلِّمنا الله سبحانه وتعالى أدباً آخر يكون في وقت عدم وجود أحد في البيت يأذن لنا للدخول، فيقول سبحانه:(فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ)، ثم يرشدنا سبحانه إلى الرجوع إن قيل لنا نرجع ولا ندخل البيت، ويصفه سبحانه بقوله (هو أزكى لكم) أي أطهر من الآثام والذنوب ومن المشاكل الدنيوية البدنية والنفسية والمالية، (والله بما تعملون) من أحكامه (عليم)، ولقد علم الممكنات الوجودية، والمستحيلات الوجودية العقلية العادية والشرعية، فدليل علمه بالمستحيلات الوجودية العقلية قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) (الأنبياء)، ودليل علمه بالمستحيلات الوجودية القدرية أو القضائية قول مولانا: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (الأنعام ـ 28).
ثم هناك أدب آخر يتمثل في إمكانية دخول بيوت غير مسكونة، قيل لما نزلت الآية (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا..)، قيل: يا رسول الله، أفرأيت الخانات والمساكن في الطريق ليس فيها ساكن، فأنزل الله سبحانه: (ليس عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ..).
* كاتب عماني