محمود عدلي الشريف:
أيها القارئ الكريم.. إذا ما بدأتك بسؤال ذي بدء في كلماتي هذه المتواضعة أسألك قائلًا: من نحن؟ ما ماهيتنا؟ وما سبب وجودنا وهدفنا في الحياة؟ وقد تضحك وأنت تجيبني قائلًا بضحك: نحن بشر، وهنا أقاطعك بسؤال مهم: إذن نحن حيوانات!! فتقول لي: لا نحن لسنا حيوانات، فنحن أعلى من الحيوانات وأكرم، فنحن بشر كرمنا بالعقل، على الرغم من أن هناك تشارك بيننا في بعض الأشياء مع باقي الموجودات في هذا الكون من حيوان وطير ونبات وحتى الحشرات، وهنا أفهم من كلامك ألا نقبل ببيئة حيوانية تحكمها الغابة، بل يجب لنا من قوانين تضبط حياتنا، وحتى تسهل علينا هذه القضية أرسل إلينا خالقنا ذو القوة العظمى التي أحكمت قبضتها على كل شيء بعد خلقها له، تلك القوة لها القدة الخارقة على إيجاد الشيء أو إهلاكه، ولا تقول لي بعد هذا التقدم أننا مخلوقون بيد مادة؟ فهذا كلام لا يقبله صاحب عقل سليم، خاصة فيما تدور فيه أعيننا مما هو حولنا، هل المادة هي التي أعطتك عقل تجعلك تسيطر على العالم في هذا التقدم التكنلوجي المبهر؟ أعتقد إذا كانت الإجابة نعم، فأنت تحتاج إلى تتلمذ على يد شيء من المخلوقات فعلى سبيل المثال تتلمذ على يد نحلة لترى كيف تدبر شئون حياتها، وكيف تعجز عقلك في تصرفاتها الحكيمة، إذن لا تقل لي بعد هذا العجب في تنظيم هذا الكون المبدع أنها من إيجاد الطبيعة.
إذن العقل السليم المنصف طالب الحق بوسيطة حقة من غير هوى ولا عناد إذا درس بعض هذا التنظيم الكوني البديع يدرك أن هناك قوة عظمى أوجدت هذا الكون وتديره، تلك القوة يعجز العقل عن إدراك كنهها، تلك القوة العظمى الجبارة تسمى الله جل جلاله، وحتى يدلك على وجوده ترك لك علامات تدلك عليه في نفسك وفيما حولك، وإذا تمسكت بضلالك أرسل إليك رسلا بمعجزات تتحدى، والدليل على صدقها أن ذلك التحدي يستمر حتى لو انقضت تلك المعجزة أو انتهى زمانها، فمثلا عيسى ـ عليه السلام ـ كان يحيي الموتى وهي معجزة انتهت بانتهاء زمانه، ولا يزال الله تعالى يتحدى بها، فهل يستطيع مخلوق في زمن عيسى ولا من بعده حتى يومنا هذا استطاع أن يحيي الموتى؟ طبعًا لا، حتى انتهى الأمر إلى محمد والذي أعطاه الله شريعة غراء تسمو بالإنسانية، وبها نحن نتحدى كل موجود على هذا البسيطة نقول له تعالى على كلمة سواء، مجردًا نفسك من هواها ونزغ شيطانها، واقرأ شريعتنا تدبر الأوامر والنواهي التي جاءت بها، وأتحداك ثم أتحداك إذا كنت مجردا من الهوى والعناد والجهل والسفه منزوع الأغراض الشخصية المريضة أن تتبع شريعة الإسلام إذا اطلعت عليها متجردا مما سبق، ولهذا انتشر الإسلام ولا يزل ينتشر باتساع وتكون في النهاية الغلبة له، لماذا؟ لأن دين الإسلام دين يسير سهل، تعاليمه يسيرة قريبة التناول، (كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يعلمه أصحابه في لحظات وفي أوقات يسيرة، فيتعلمونه، فيخرج أحدهم معلماً ومبلغاً، جاءه وفد جماعة يسمون (عبد القيس) علمهم أركان الإسلام، وعلمهم بعض المحرمات؛ ولكنهم فهموا بلغتهم وبسليقتهم وفطرتهم بقية الشريعة، فعلمهم الشهادتين، وعرفوا معناها وما تستدعيه كل واحدة منهما، بمجرد ما قالوا: لا إله إلَّا الله، محمد رسول الله؛ عرفوا معنى (لا إله إلَّا الله) فلم يعبدوا غيره، وعرفوا معنى (محمد رسول الله) فأطاعوه ولم يعصوه، لأن الإسلام لا خفاء فيه ولا تحكم فيه لأحد على أحد ولا واسطة فيه بين العبد وربه، وإننا نؤمن بهذا الدين بناءً على أدلة يقينية قطعية وليس إيماناً مجرداً، وهو مبني على صحة نبوة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتي دل عليها أكثر من ألف دليل، ولو لم يكن من عند الله لما أمكن أن يتنبأ بالغيب ثم يقع، وقد أخبر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بغيبيات يقينية، وقد وقعت تماماً، بالإضافة إلى جملة من الكشوف العلمية اليقينية، إذن نحن آمنا بهذا الدين والتزمنا به بناءً على أن هذا الدين دين يقيني صحيح وأن العقل يدل على صدقه وصحته) (دراسة موضوعية للحائيةولمعة الاعتقاد والواسطية 2/ 6).
وإذا سألت المسلمين الجدد: هل أنتم مقتنعون بالإسلام؟ فيجيبون: نعم. وإذا سألتهم: هل تتركونه لو أكرهتم على ذلك؟ فيجيبون: كلا ولو فصلت رؤوسنا عن أجسادنا، إذن هي عقيدة راسخة لأن العقل وجد نفسه فيها والفطرة السليمة لقيت راحتها فيها، ولهذا أصحاب القلوب المريضة يحاربونه بشدة، ويثيرون القلاقل له في كل ومان ومكان، ويعودون في النهاية خاسرين مغلوبين، ولا يكف أولئك المرضة نفسيًا أصحاب العقد الممرضة لفطرتهم عن محاربة الإسلام لأنهم يشعرون بصغار شديد أمام متبعيه ونقص كبير أمام تعاليمه، وخزي عظيم أمام تكامله وعلو أخلاقه، هذا هو السبب الرئيس في محاربتهم للإسلام، يريدون أن يجعلوا أتباع الإسلام مرضى مثلهم فركيا وعقديا ونفسيا.. إلخ،وقد يقول قائل لماذا تقول عنهم مرضى نفسيًا أو عقليًا؟ أليس هذا تجني عليهم، واتهامهم بغير حق؟ وأقول له: إذا كان من رضي بنحلة أسرته ولو اتبع هواه أنه ما ارتضاه لنفسه هي عقيدة ترضيه، فلماذا لم يكتفي بما عنده؟ ويكف عن عداء الإسلام والاعتداء عليه وعلى أتباعه، وإذا كانت إباحيته وإطلاق عنانه لشهواته يرضيه، فلماذا يحارب أتباع الإسلام الذين يحرمون أنفسهم مما هو عليه، لأنهم يلتزمون بشريعته وتعاليمه، فما هو الداعي إلى ما يفعلون إن لم يكن الذي هم عليه عورة يكشف سوءتها رياح الإسلام العاتية، فتجدوهم كلما رد الله كيدهم في نحورهم في قضية، لهثوا خلف قضية أخرى ظانين أنها ستؤثر على العقل الفطري الإسلامي السليم، فأحيانا يتهمون الإسلام في تعاليمه أو شريعته وخاصة في قضايا المرأة بحجة المساواة، أو تقييد حريتها على الرغم من أن الإسلام كرم المرأة أفضل مما يزعمونه هم أنفسهم، ثم يأتوا بأخلاق لا يقبلها الحيوان على ذوي جنسه، من أشياء ضد الطبيعة التي فطر الله تعالى الخلق عليها، ولو كانت جدلا الطبيعة التي يؤمنوا بها إلها لكانوا بدعواتهم الشاذة هذه قد تجنوا عليها وأنكروا وجودها وكفروا بها، ولهذا ندعو كل إنسان على وجه الأرض من المسلمين وغيرهم، إلى الجلوس على مائدة القرآن التي عرض الله تعالى أمام أعيننا من ألوانها، فالله تعالى لم يترك الإنسان سدًّا يتبع هواه لأنه سبحانه يعلم أولئك الذين يريدون أن ينزلوا بالإنسانية إلى أقل من مستوى الحيوانية، فشرع الله تعالى الإسلام ليكون الإنسان بسموه وكريم خلقه وصلاحه وإصلاحه إلى الملائكية أقرب،فلو احتكم أصحاب تلك الأفكار الغريبة والتي من أعجب العجب أنهم ينادوا بها ولم يكفهم من الخزي أنهم يفعلونها بل ويريدون من الناس أن يقلدوهم ويتبعوهم ويناقدوا إليهم فيها، لو احتكم أولئك إلى فأر صغير يعرضون عليه قضيتهم طالبين منه أن يفعل بفأر من بني جنسه ما يريد بعض البشر أن يفعلوه، لسفه الفأر أحلامهم ولاستهزاء بهم وسخر منهم، ولتعجب من صنيعهم، فكيف وقد سخر الله تعالى الكون كله بما فيه لمصلحة الإنسان ولخدمته، لذلك جاء الإسلام هداية للبشرية ولتهذيب نفوسها وتقويم أخلاقها وأخلاق مجتمعاتها ونشر الخير والفضيلة بين أفرادها، ومحاربة الشر والرذيلة وإطفائها عن بيئاتها، وسد منافذ الفساد أن تتسلل إلى صفوفها؛ لذلك فقد كانت مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ومعاني القيم وفضائل الشيم وكريم الصفات والسجايا من أسمى ما دعا إليه الإسلام، فقد تميز بمنهج أخلاقي فريد لم ولن يصل إليه نظام بشري أبداً، وقد سبق الإسلام بذلك نظم البشر كلها؛ ذلك لأن الروح الأخلاقية في هذا الدين منبثقة من جوهر العقيدة الصافية، لرفع الإنسان الذي كرمه الله وكلفه بحمل الرسالة، وتحصين العبادة من درك الشر والانحراف وبئر الرذائل والفساد لرفعه قمم الخير والصلاح، وأوج الاستقامة والفلاح ليسود المجتمع السلام والمحبة والوئام، رائده نشر الخير والمعروف ودرء الشر والمنكر والفساد، ولكن أعداء الإنسانية جهلوا أن الإسلام دين الأخلاق، يقول رسولنا محمد (صلى الله عليه وسلم):(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) (منهج الاعتدال، ص: 181).

[email protected]*