خميس بن عبيد القطيطي
زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية المحتملة في أواخر شهر يونيو الجاري أو يوليو المقبل والتي تتزامن مع انعقاد لقاء قمة خليجية يحضرها الرئيس المصري أيضا، تأتي هذه الزيارة بعد حالة من الفتور في العلاقات بين واشنطن والرياض منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض، كما ستشمل الزيارة لقاء مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والذي جاء بطلب من الرئيس جو بايدن ما يمثل نوعا من البراجماتية السياسية؛ وذلك بعد تحوُّلات دولية وأزمة طاقة شهدها العالم إثر الأزمة الأوكرانية، وبالتالي فإن الرئيس بايدن يسعى من خلال هذه الزيارة إلى إعادة ترتيب وتنشيط العلاقات والتحالفات بعدما تعرضت لحالة جمود خلال الفترة الماضية، كما يُمثِّل ملف النفط ودعم استقرار أسواق الطاقة الملف الأبرز في هذه الزيارة.
هناك بعض العناوين الثانوية الأخرى التي قد تحملها هذه الزيارة المرتقبة مثل إعادة حشد المنطقة سياسيا وإعلاميا ضد إيران، لنسف ما تم البناء عليه في حوار بغداد بين الرياض وطهران والذي وصل إلى مراحل متقدمة، ويسجل كيان الاحتلال الصهيوني حضورا رمزيا في هذا اللقاء بتهيئة المناخ السياسي للتطبيع أو ما يسمى اتفاقات أبراهام.
صحيفة "واشنطن بوست" استبقت الزيارة وأعادت التذكير بملف حقوق الإنسان وحرب اليمن في محاولة لإحداث ضغط إعلامي قبل زيارة الرئيس بايدن والنبش في قضايا حساسة بشكل عاكس تعليق البيت الأبيض الذي أكد على أهمية هذه الزيارة، فقد ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن "مسؤولين في البيت الأبيض أكدوا عزم بايدن زيارة السعودية". وأضافت "أن زيارة رئاسية شخصية للمملكة العربية السعودية والشرعية التي تمنحها لولي العهد، هي جزء من الثمن الذي يدفعه محمد بن سلمان لواشنطن مقابل هذه الخدمة، بالإضافة إلى أمور أخرى، بما في ذلك خطوات نحو الاعتراف بإسرائيل ووقف للحرب ضد الحوثيين في اليمن". وبالتأكيد أن الصحيفة الأبرز على الساحة الإعلامية في الولايات المتحدة تواكب الزيارة بشكل مختلف ربما لمنح الرئيس بايدن موقف قوة خلال هذه الزيارة، ولا شك أن الإعلام جزء من صناعة القرار وبناء المواقف في الولايات المتحدة.
الواقع الدولي الراهن يختلف عما تحاول "واشنطن بوست" تسويقه، حيث إن الزيارة أولا جاءت بطلب من الرئيس الأميركي نفسه بعدما أدركت الولايات المتحدة أن سياسة التهديد والتلويح بالعقوبات لا تخدم مصالحها، وباتت الحاجة الأميركية للمملكة العربية السعودية اليوم ملحة، حيث تهدف الزيارة إلى جانب أهمية تنشيط العلاقات مع الرياض وأهمية إعادة ترتيب الأوراق مع الدول الخليجية والعربية والتي شابها بعض الفتور في العهد الديمقراطي. هناك ملف النفط والغاز وأهمية استقرار أسواق الطاقة، علما أن هذه الدول تشترك مع روسيا في مجموعة "أوبك بلس". ومؤخرا كانت زيارة لافروف للمنطقة لتنسيق مواقف ومصالح مشتركة، من هنا يمكن استثمار زيارة بايدن لوضع النقاط على الحروف ووضع قواعد لإرساء علاقات دولية متوازنة تقوم على المصالح والندية والاحترام المتبادل.
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يعرف جيدا كيف يطرح أوراق القوة التي أصبحت في يديه، وسبق أن وجهت المملكة إلى جانب دولة الإمارات وبعض الدول العربية رسالة واضحة بالامتناع عن التصويت في مشروع القرار الغربي بمجلس حقوق الإنسان لإدانة روسيا، كما كان هناك تلويح سابق أيضا بالتعامل بالروبل الروسي في التعاملات مع روسيا، وكلها رسائل عبَّرت عن السيادة الوطنية، وأهمية توظيف أوراق القوة بشكل جيد، كما أن الأوضاع الدولية الراهنة والمتغيرات الجيوسياسية تعد فرصة تاريخية يمكن المناورة بها في بناء العلاقات الدولية .
تأتي زيارة الرئيس بايدن إلى الرياض متزامنة مع لقاء قمة يجمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، ومن هنا ينبغي استثمار عدد من الأوراق قد تكون متوافرة اليوم لدى المجموعة الخليجية والعربية والاستفادة منها كأوراق قوة في العلاقات الدولية، ومن أبرزها ورقتا النفط والغاز، وكذلك يجب الاستفادة من الوضع الدولي الراهن، كما أنه من المهم جدا وضع رؤية خليجية عربية موحدة تأخذ بالاعتبار المتغيرات العالمية، وظهور أقطاب دولية جديدة لإعادة رسم علاقات دولية متوازنة تعتمد على المصالح والاحترام المتبادل والسيادة الوطنية.