حمد الحراصي:
تعافيتُ من أولى لأسقط في الأخرى
تعافيتُ لكن لم أزلْ أنفضُ القبرا

وأعزف للسُلَّاكِ أغنيةً ترى
تقتُّلَنا في نفسنا لحنها الثرَّا

وريحٌ على الأبواب تُرسِلُ كفّها
أعاصيرَ والشباك يستنزف الأُطْرا

تأوُّهُ ما أبدي خفاءٌ وإنما
تشِفُّ انصهاراتي هزائمها الغُزرا

سأركع لكن للسماء تطلُّعي
لأقطُفَ من عليائها الواسعِ الصدرا

وما للمدى مدَّ استفاقتَهُ سُدى
على رئتي، ما للمدى روحُه حيرى!

أيرمي فسيحاتِ اللطائفِ ضُمَّرًا
نسائِمُها والغيمُ في جوفه صحرا

فغازلَتِ السبعُ الطباقُ خوافقي
وأدنيتُ نبضي من أصابعها حبرا

فترسمُ والعينانِ تعكِسُ لونَها
مرايا وتذروني على عصفها شعرا

مررتُ على الذكرى ازدحاما ببعضها
ويرجِعُ طرفي حين أبصرها صفرا

تماثيلُها نُصبَ الجوارح خُشَّعًا
تطوفُ بإيمانٍ يراقصها كفرا

وأنسُجُ من سَيري إلَيَّ سحابةً
وكان نشيجٌ ما تقلَّدني حشرا

وكان حِرابًا ما يمر بوجنتي
وسِربًا زُجاجيا تكسَّر وافترّا!

ولو فقِهَ الكأسُ الذي أنا شاربٌ
لحزني لصب الماء في حيرتي خمرا

وها أنا إذ تهمي السماءُ مخاوفًا
فرشتُ لها صدري على ما به... مجرى

ليهنأ هذا الدمعُ والمُقلُ الأسى
فقد حان للفردوس أن تحضِن الجمرا

وحان لهذا الليلِ أن يهَبَ الضيا
ويحمدَ إذ يمشي على أعيني المسرى

وهبتُ لأنفاسي الطريقَ بثِقلِه
وخِفَّته .. فانسبتُ من ربكتي سحرا

سماويةٌ هذي الدروب... وشمرتْ
سواعدَها الأفلاكُ تبتز بي طيرا

أطيرُ وأسرارُ الوجودِ جَناحُها
على كتفي من غامضٍ سترها يَعرى

وأرجم شيطانا تعمق في دمي
وأسمعه نادى : أنا سالف الذكرى

أنا لهبٌ ناجى برودَك واصطلى
بثورتك العظمى وقد كانت الصغرى

زجرتُكَ والدنيا ذئابٌ نساؤها
تخبئ خلف الضحكة النظرة الشزرا

فقمتُ ومن حولي العوالمُ أغمضت
وحطت مراسيها وأسرجتُ لي بحرا

فسِرتُ إلى عينيكِ عُمرًا مؤججا
وعيناكِ طيَّ النوم .. لم تنتبه نزرا

وفي قدري الأسنى كتبتك عاشقًا
وها أنا في أقدارك العُمي لا أُقرا

وأنك موتٌ قدَّسَ الطعنُ سِرَّهُ
وأني مهما مُتُّ لا أتقنُ الفرا

ضعيفا حملتُ الدربَ ..ظهري مائل
لصدري، وظلي يرقُب السقطة البِكرا