مقدمة:
الهجرة: موضوع قديم جديد يمتد إلى فجر التاريخ، حيث سعى الإنسان منذ الأزل إلى تحسين ظروفه، والانتقال إلى أرض جديدة تمتاز بتوفر الأكل والماء ومصادر الغذاء. وانسجاماً مع التطور وبدء ظهور"القوميات"في مواكبة مع إنشاء"الدولة" بمفهومها الحديث، تأثرت الهجرة صعوداً وهبوطاً ارتباطاً بالعديد من العوامل. ومع بدء ظهور"العولمة"ازداد التأثر بالهجرة ارتفاعاً وانخفاضاً.. بالتالي فإن ثمة علاقة عضوية توجد بين "الهجرة" و"العولمة". ومن أجل المزيد من الإيضاح نرى: أهمية التطرق إلى كلٍّ من المفهومين.
ـــــــــــ
الهجرة: تشير إلى انتقال أفراد أو جماعات من الموطن الأصلي إلى مكان آخر، والاستقرار فيه بشكل دائم أو مؤقت، بحثاً عن مستوى أفضل للعيش والسكن والأمن. الهجرة ترصد أيضا تحركات السكان عبر المناطق الجغرافية المختلفة داخل الدولة (هجرة داخلية) وكذلك خارجها(هجرة خارجية). كما ترصد أعداد وتوجهات الناحية الاقتصادية يدرس هذا الفرع من العام التحولات وآثارها على الأسرة وكيف يتم إرسالها واستثمارها.
تنقسم الهجرة إلى أنواع طبقاً لطبيعتها وأسبابها. والعوامل التي تدفع الشخص للهجرة.
قسرية: إجبارية بطبيعتها وتنتج جراء الحروب والصراعات والكوارث البيئية.
الطوعية: وهي تعتمد على الاختيار الحر للفرد( وتسمى أحياناً هجرة اقتصادية).
هجرة شرعية: وتسمى أحياناً (قانونية أو موثقة ) وهي التي تتم من خلال تعليمات وقوانين الدخول والإقامة.
غير شرعية: وتسمى أيضاً (غير قانونية وغير نظامية) وهي تعني دخول دولة ما بدون إتباع الإجراءات القانونية اللازمة، أو البقاء في دولة ما بعد انتهاء مدة التأشيرة المسموح بها.
العولمة: تعني جعل الشيء عالمي الانتشار في مداه أو تطبيقه. وهي أيضاً العملية التي تقوم من خلالها المؤسسات سواء التجارية أو غيرها. تكون العولمة عملية اقتصادية في المقام الأول، ثم سياسية ويتبع ذلك الجوانب الاجتماعية والثقافية وهكذا. أما جعل الشيء دولياً فقد يعني غالباً جعل الشيء مناسباً أو مفهوماً أو في المتناول لمختلف دول العالم. وتمتد العولمة لتكون عملية تحكم وسيطرة ووضع قوانين وروابط مع إزاحة أسوار وحواجز محددة بين الدول وبعضها البعض. تعرف مجموعة من الدول الرأسمالية المتحكمة في الاقتصاد العالمي نمواً كبيراً جعلها تبحث عن مصادر وأسواق جديدة، مما جعل حدودها الاقتصادية تمتد إلى ربط مجموعة من العلاقات مع دول نامية، لكن الشيء غير المرغوب فيه هو: أن هذه الدول المتطورة على جميع المستويات الفكرية والثقافية خاصة، والعلمية، دخلت في هوية الدول الأخرى ... إلا أنها حافظت على هويتها الثقافية، خاصة وأن العولمة لم تقتصر فقط على البعد المالي والاقتصادي، بل تعدت ذلك إلى بعد حيوي ثقافي متمثل ،في مجموع التقاليد والمعتقدات والقيم للدول. كما أن العولمة لا تعترف بالحدود الجغرافية لأي بلد بل جعلت من العالم قرية صغيرة. العولمة تسعى إلى تكوين القرية العالمية،أي تحول العالم الكبير إلى ما يشبه القرية لتقارب الصلات بين الأجزاء المختلفة من العالم مع ازدياد سهولة انتقال الأفراد،وتهدف بشكلها الاقتصادي إلى :ازدياد الحرية الاقتصادية، وقوة العلاقات بين أصحاب المصالح الصناعية في بقاع الأرض المختلفة بما لكل ذلك من تأثير سلبي للشركات الربحية متعددة الجنسيات (أي استخدام الأساليب القانونية المعقدة) لمراوغة القوانين المحلية، واستغلال القوى العاملة، والقدرة الخدماتية للمناطق المتفاوتة في التطور، مما يؤدي إلى استنزاف أحد الأطراف (الدول) في مقابل الاستفادة والربحية لهذه الشركات.
العولمة كبداية مرحلة جديدة في النظام العالمي:
كان من أحد أبرز سمات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الزمني الماضي هو قدرة الرأسمالية على تجديد نفسها وتطوير أدواتها ووسائلها في السيطرة، ورغم وصولها إلى مرحلة الأمبريالية المتطورة، لكن لم يجر انهيارها بعكس ما توقعه كثيرون من الفلاسفة وآباء الاقتصاد السياسي النظري، الذين قالوا بحتمية انهيارها.
لقد استطاعت الولايات المتحدة في طرح العولمة في أوج الحرب الباردة إشغال الاتحاد السوفياتي في تلك الحقبة بسباق حرب النجوم ، في عهد الرئيس الأميركي رونالد ريجان، مما كان له أثر بالغ في إنهاك الاقتصاد السوفياتي مما ساعد على انهياره في عام 1990.
لقد ابتدأت الرأسمالية في طرح العولمة في مناخ انهيار منظومة العلاقات الاشتراكية في الاقتصاد، وفي مناخ الدخول في مرحلة جديدة لنمو الرأسمال،في هيئة الشركات المتعددة الجنسيات، التي أخذت تبشر بالرخاء والرفاهية، وتشرع لأيديولوجيا الاستهلاك بالدعوة لدخول جميع الدول في اقتصاد السوق.
وجاءت العولمة في مناخ شهد ثورة معرفية عارمة في المجال التكنولوجيا والاتصالات، وارتفاع وتيرة الدعوة إلى ثفاقة عالمية لها مفاهيمها ومعاييرها، بهدف ضبط سلوك الدول والشعوب. جاء ذلك وسط ارتفاع وتيرة النقاشات والسجالات حول بعض المؤلفات التي اتخذت صفة العالمية مثل: مقالة فرانسيس فوكوياما(نهاية التاريخ) وكتابه فيما بعد الذي حمل نفس الاسم، والتي قصد بها :نهاية مرحلة وبداية أخرى جديدة.هي مرحلة الاستمرار والتواصل مع الديموقراطية الغربية، باعتبارها النموذج القدوة التي أثبتت انتصارها في الصراع، والدعوة إلى ضرورة إعادة بنائها في الدول الأخرى، باعتبارها جسر العبور إلى الغرب أو الشمال، في المنظور الاقتصادي التنموي، بالنسبة إلى أهل الجنوب. في نفس الإطار أيضاً يجري الحديث عن صدام الحضارات وفقاً لمقولة هننغتون عن"صراع الحضارات" الذي أثبت وفقا لوجهة نظره: أحقية النموذج الحضاري في التسيد.
إن العولمة: هي مفهوم يقوم على إنشاء نظام عالمي سياسي جديد، من خلال التركيز على الجانب الاقتصادي، باعتباره حجر الأساس في هذا النظام، مستغلاً آخر منجزات التطور العلمي والتكنولوجي والاتصالات، من أجل بناء رأسمال عالمي، كبديل للرأسمال الوطني، وما يترتب على ذلك من انقلاب في المفاهيم على صعيد دائرة العلاقات الاجتماعية التاريخية الحضارية والثقافية للشعوب، لصالح الأخرى العامة التي يجري التخطيط على قدم وساق من أجل إرسائها.
لقد تغّولت العولمة وأصبحت وحشاً كاسراً، وانفلتت غرائزها المتوحشة، ومقدمات نتائج تطبيقها تشير إلى أنه مع نمو العولمة يزداد تركيز الثروة، وتتسع الفروقات بين البشر والدول اتساعاً لا مثيل له، وأن 20% من دول العالم تستحوذ على 85% من الناتج العالمي الإجمالي،وعلى 84% من التجارة العالمية، ويمتلك سكانها 85% من مجموعة المدخرات العالمية، وأن 20% من حجم القوى العاملة هم من سيملكون فرصة للعمل في القرن الواحد والعشرين.
العولمة تعني أيضاً: تحكم الهيئات الاقتصادية الكبرى مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومجموعة الثماني وكافة الصيغ الأخرى :اتفاقية التجارة الحرة وغيرها، في اقتصاديات الدول، من خلال القضاء على القطاع العام، وهي تعني اضمحلالاً للطبقة الوسطى ،وهي تعني:إغناءً للأغنياء وإفقاراً للفقراء.
الهجرة في العولمة: هي ظاهرة بسبب الحاجة إلى قيام اقتصاد رأسمالي عالمي شديد التكامل، يجعل من الناس يرتحلون باستمرار من أجل العمل، أو تأهيل القوى العاملة من خلال الدراسة، ولاسيما الدراسات العليا المتقدمة والمتخصصة، أو اللجوء السياسي عبر الحدود، الذي يعتقد البعض أنه يرجع لنظام عفا عليه الزمن داخل الدولة. والمهاجرون هم الأشخاص الذين حصلوا على وضع قانوني يتميز-على الأقل- بشكل من أشكال تصريح الإقامة الذي ينظم شروط عملهم ،ويسعى البعض- ولكن ليس كل- من العمال الأجانب والمغتربين، إلى الحصول على جنسية البلد الذين يعملون فيها، وبعضهم يحصل عليها. ويختلف المهاجرون عن القوى العاملة التي ليس لديها الأوراق اللازمة، في أن تلك القوى العاملة ليس وضعها قانونيا في البلد التي تعمل فيه. ومن الممكن أن يكون هناك أسباب كثيرة ومعقدة لانعدام الوضع القانوني للإقامة في بلد ما،مثل عدم رغبة أصحاب العمل في هذا الشخص، ورفض الدولة منح تصاريح الإقامة لفئات معينة من العمال الأجانب، والعنصرية المؤسسية..الخ. ولا يعد كل العمال الذين ليس معهم الأوراق اللازمة على وجه الدقة، مهاجرين غير شرعيين، ونظراً للتاريخ المعقد لدى الكثير من الدول القوية مثل: الولايات المتحدة الأميركية وكندا وغيرهما من الدول ممن تمتلك أنظمة قانونية واسعة بعض الشيء، فإن ذلك جعل من الممكن العمل في هذه البلدان، دون موافقة واضحة منها ،بسبب الثغرات في أنظمتها القانونية.ويختلف المهاجرون والعمال غير مستوف الأوراق اللازمة عن السياح في: أن السائحين لا يشتركون في أنشطة تحقق إيرادات في البلاد التي يزورونها، وبذلك ينحصر تأثيرهم الاقتصادي بشكل رئيسي على الاستهلاك والنتائج البيئية. وغالباً ما تتعامل الصحافة والخطابات السياسية مع هجرة العمالة الموسمية على أنها: شكل من أشكال الهجرة.
أما مفهوم الهجرة الحديث فيتعلق بظهور ما يسمى بــ "الدول القومية، وقانون الجنسية، وقانون المواطنة). إن المواطنة في دولة قومية تمثل منح حق غير قابل للتحويل في الإقامة في هذه الدولة،لكن إقامة غير المواطنين تخضع للشروط التي يحمها قانون الهجرة.إن ظهور الدول القومية الحديثة قد جعل من الهجرة موضوعاً سياسياً،حيث صوّرت سكانها "كمجموعات متجانسة" واعتبرتها تشكيلا لأمة ...تتميز بإثنية وعرق، وثقافة واحدة، يتشاركها جميع أفرادها،مما يعد خرقاً وانتهاكاً للحقائق الواقعية المتمثلة في: تعدد الأعراق وتعدد الأجناس وتعدد الثقافات.إن القيود القانونية والسياسية التي تُفرض على وجود الأجانب تعد موضوعاً سياسياً شائكاً، ويرجع هذا إلى تلك القيود القديمة، التي تعمل بها دول ... كان لمواطنيها وجود طويل الأمد ومؤثر جداً، في بلاد غير بلادهم، كالاستعمار الكولونيالي على سبيل المثال وليس الحصر.
لقد صرحت "المنظمة الدولية للهجرة": بأن هناك أكثر من مائتي مليون مهاجر حول العالم في الوقت الراهن. واستقبلت أوروبا أكبر عدد من المهاجرين حيث بلغ 70.6 مليون شخص في عام 2005 وهي آخر سنة متوفر عنها أرقام في هذا الشأن. تليها في المرتبة الثانية أمريكا الشمالية إذ يزيد الرقم عن 45.1 مليون مهاجر، وتتبعها آسيا التي استقبلت حوالي 25.3 مليون مهاجر. ومعظم المهاجرين هم من العمال في الوقت الراهن ويأتون من آسيا. وقد انخفض حجم الهجرة العالمي بشكل مذهل مقارنةً بما مضى. قدرت "رابطة اللاجئين والتكامل الدولي" أن عدد المهاجرين الدوليين في 2005 بلغ 175 مليون شخصاً، أي أقل من ثلاثة بالمائة من إجمالي عدد سكان العالم ،ويمكن مقارنة هذه النسبة بالمعدل المتوسط للعولمة(وهو حصة التجارة عبر الحدود في حجم التجارة ككل) الذي يزيد عن عشرين في المائة.
ويسجل الشرق الأوسط وبعض أجزاء من أوروبا ومناطق صغيرة في جنوب شرق آسيا ، وبعض المناطق في جزر الهند الغربية: أعلى معدلات لهجرة السكان، كما ظهر في إحصاء الأمم المتحدة في عام 2005.أما عن مدى مصداقية إحصاءات الهجرة فهي مع الأسف منخفضة، نظراً لعدم معرفة أعداد هجرة العمالة غير المستوفية للمستندات اللازمة. وقدرت المنظمة الدولية للهجرة أن عدد المهاجرين الأجانب يزيد عن 200 مليون شخص في كل أرجاء العالم في الوقت الحاضر.
التأثيرات الاقتصادية السياسية الاجتماعية الثقافية للهجرة
للهجرة تاثيراتها الكبيرة على الدول التي تجري منها، لكنها ضعيفة التأثير على الدول المهاجر إليها.عانت بلدان العالم الثالث خلال القرن العشرين، وخاصةً بعد الحرب العالمية الثانية، من هجرة الكفاءات أو كما يحلو للبعض أن يسميها "بهجرة العقول"، وباتت تلك الظاهرة تشكل خطورة على المخططات التنموية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتلك البلدان، وأصبحت من العوامل الهامة المؤثرة على الاقتصاديات النامية، خصوصاً أن أفضل العناصر البشرية هي التي تهاجر، إما لأنها قادرة على الهجرة، أو لأن الطلب عليها في الخارج كبير، مما يؤكد أنها عناصر جيدة إن لم تكن نادرة.
وفيما تعتبر منظمة اليونسكو أن هجرة العقول أو الكفاءات(شكل من أشكال التعاون والتبادل العلمي الشاذ أو غير السليم بين الدول)، باعتباره يعني تدفق هجرة العلماء في اتجاه واحد نحو الدول المتقدمة،فإن منظمة التعاون والتنمية الدولية تميز بين مفهوم (تبادل العقول) ومفهوم (إهدار العقول)، على اعتبار أن(تبادل العقول)أمر طبيعي ناجم عن تفاعل الحضارات وحوار الثقافات.
وهناك الكثير من العوامل التي ساهمت في تنامي تلك الظاهرة. ومنها: الأزمات الاقتصادية والبطالة، وتردي الخدمات، وعدم الاستقرار السياسي، والحروب والصراعات، وغياب الديموقراطية. بالإضافة إلى ذلك فإن عدم الاهتمام بتطوير البحث العلمي، وغياب الحريات الأكاديمية يعد سبباً رئيسياً، فالجامعات ومؤسسات التعليم العالي، ومراكز البحوث في العديد من البلدان الطاردة للكفاءات،عانت ولا زالت تعاني من غياب الحريات الأكاديمية، وندرة في عدد المركز البحثية. في الوطن العربي نجد: أنه من المحيط إلى الخليج يوجد حوالي 600 مركز بحثي فقط !ومعظمها يوجد داخل الجامعات، بينما في فرنسا وحدها 1500 مركز، وفيما تشير تقديرات منظمة الهجرة العالمية إلى: أن الدول النامية(تدعم)أميركا الشمالية وأوروبا الغربية وجنوب آسيا بمبالغ مالية كبيرة، (تدريب المهاجر الطبيب غيرالاختصاصي في دولته يكلف حوالي 60 ألف دولار أميركي، يكلف تدريب المساعد الطبي 12 ألف دولار تقريباً).
والغريب أن تقديرات البنك الدولي تفيد: بأن مائة ألف وافد من الدول الصناعية يعملون في أفريقيا بتكلفة تبلغ أربعة مليارات دولار سنوياً، وهو ما أكده وزير التخطيط والتطوير الوطني في كينيا حيث قال(إنه من أجل سد الفراغ الذي خُلق بسبب نقص المهارات، تصرف البلدان الأفريقية حوالي 4 بلايين دولار سنوياً بسبب استخدامها لــ100000 أجنبي استعانت بهم من الخارج).
وحتى إذا كان البعض يعتقد أن ذلك له مردود إيجابي! على اعتبار أن الأجور سترتفع، إلا أن المشكلة تتمثل في أن ارتفاع الأجور له آثار سيئة على الاقتصاد، حيثما تكون غير مصحوبة بزيادة ممثلة في الإنتاجية،أي أن هذه الزيادة ستضم إلى الأسعار فيحدث التضخم، كما تؤثر عملية الهجرة على سعر صرف العملات الوطنية، من خلال ما تلجأ إليه بلدان المنشأ: من تخفيض القيمة الخارجية لعملتها، بغية اجتذاب مدخرات العاملين في الخارج. ومن المرجح أنه نتيجة لكل هذه التأثيرات، فإن بعض القيم الاجتماعية التقليدية التي سادت في المجتمعات الزراعية، ستتراجع، خاصة أن الهجرة الخارجية اتسمت بأنها هجرة ذكور أساساً، مما أدى إلى تباعد العوائل، وتفكك الأسرة، وتغير خريطة العلاقات الاجتماعية ،وتراجع دور الأب في عملية التنشئة الاجتماعية.وهكذا فإن غياب المهاجرين عن مجتمعات الإرسال للعمل بالخارج يؤدي إلى : إحداث خلل سكاني في التوزيع العمري والنوعي بتلك المجتمعات ،حيث لا يبقى فيها سوى النساء والأطفال والشيوخ أو الشباب الذين لم ينخرطوا في قوة العمل لانشغالهم بالدراسة.
وبمعنى آخر،فإن عملية الهجرة قد تؤدي إلى تدمير جزئي للثروة البشرية، كما أن خطورة الأمر لا تقتصر على ذلك فقط، بل تزداد خطورتها في ظل تأثيرها الكبير على الأجيال الأصغر من كفاءات الدول النامية.خاصة من ينتمي منهم إلى الفئات الاجتماعية الأقدر، حيث يتيح لهم أن يكونوا اكثر استعداداً من خلال وسائل الاتصال والتعليم، للهجرة إلى الخارج الأمر، الذي سيلحق مزيداً من الضرر بالدول المصدرة لهذه الكفاءات ،بدءاً من الفاقد في الاستثمار وفي التعليم ،وانتهاءً بإضعاف القدرة الذاتية للمجتمع على القيادة والإدارة، ومروراً بإضعاف قوى التنمية في المجتمع.
طرق المواجهة دفعت الرغبة الحثيثة لتجاوز مشكلة هجرة العقول وسلبياتها ،إلى طرح العديد من السبل والاستراتيجيات والخيارات لحلها،فظهر نموذجان رئيسيان في هذا الإطار، يستهدفان مخاطبة مشكلة استئزاف العقول في كافة انحاء العالم( خيار العودة) و(خيار الشتات)، وظهر في إطار(خيار الشتات) ما بات يعُرف باستراتيجيات(الاشتراك الافتراضي) والاشتراك الترابطي.
أما(خيار العودة) فيقصد به الإجراءات والاستراتيجيات اللتين ستدفعان المحترفين في الخارج بالعودة إلى دولهم الأم، كي يساهموا في التطوير هناك،وقد طبق الخيار بالفعل في عدة مناطق ودول ،إلا ان المناخ الاقتصادي غير المناسب في العديد من البلدان يجعل"خيار العودة" أمراً صعباً للغاية. وربما لهذا يرى العديد من المحللين: أن الترويج لعودة الكفاءات المهاجرة من الخارج أمر غير واقعي، خاصةً أنه لا توجد الوسائل الكفيلة باحتواء هؤلاء العائدين، ومن هنا فإن"خيار الشتات"قد يكون هو الأفضل ويُقصد بهذا الخيار: الاستفادة من المواطنين في الخارج بدون انتقالهم بالضرورة إلى دول مصدرهم،ويقوم هذا الخيار على تجاوز موانع المسافة الطبيعية، ودعوة المهاجرين ،للمساهمة في تطوير بلدانهم.بصرف النظر عن موقعهم الجغرافي. وبشكل عام فإن هناك العديد من الآليات التي قد تسهم في جذب الكفاءات المهاجرة ،وعلى رأس ذلك: وضع سياسة تعتمد على الحوار، وقبل ذلك يجب التأكيد على أن أي علاج أو أي جهود تُبذل من أجل تجاوز الآثار السلبية لهجرة العقول-سواء كانت آثار سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو علمية-ينبغي أن تبدأ بالقضاء على الأسباب التي دفعت تلك الكفاءات للهجرة إلى الخارج.
وقبل ذلك ينبغي توسيع إطار المشاركة السياسية من خلال تجربة ديموقراطية حقيقية مع تبني استراتيجية وطنية للتنمية الشاملة (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية) تدعم المشاركة وتنهض بالتعليم والبحث العلمي وغيرها مما يشجع الكفاءات المهاجرة على العودة إلى أوطانها.
هجرة العقول العربية
بدأت ظاهرة هجرة العقول العربية بشكل محدد منذ القرن التاسع عشر، وبخاصة من سوريا ولبنان والجزائر. في بداية القرن العشرين، ازدادت هذه الهجرة وخصوصاً خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. ووصلت هجرة الأطباء والمهندسين والعلماء العرب إلى أوروبا والولايات المتحدة حتى عام 1976 إلى حوالي 24.000 طبيب،17.000 مهندس،75.000 مشتغل بالعلوم الطبيعية يمثلون 50،23،15 بالمئة على الترتيب من جملة هذه الفئات المهنية في الوطن العربي. وفي السنوات الخمسين الأخيرة هاجر من الوطن العربي وفقاً لبعض التقديرات ما بين 25إلى 50% من حجم الكفاءات العربية(ثلاث دول غربية هي الولايات المتحدة الأميركية وكندا وبريطانيا تستقطب أكثر من 75% من المهاجرين العرب وتقوم بمنحهم جنسياتها) فـ50% من الأطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة(في السنوات الخمسين الأخيرة) باتوا يهاجرون إلى أوروبا وأميركا وكندا و54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم، ويشكل الأطباء العرب العاملون في بريطانيا حوالي 34% من مجموع الأطباء العاملين فيها، وإذا قدرنا عدد المهاجرين العرب بشكل عام خلال الخمسين سنة الماضية سنجدهم ما بين عشرين إلى ثلاثين مليون مهاجر أي ما يزيد عن 10% من سكان العالم العربي.
خسائر ضخمة
على الرغم من أن البعض دافع عن(هجرة الأدمغة أو الكفاءات) باعتبارها تؤدي إلى تأمين المليارات من العملة الصعبة،إلا ان هناك العديد من النواحي السلبية لهجرة الكفاءات.
وقد وصلت خسائر الدول العربية من جراء هجرة العقول العربية إلى حوالي مئتي مليار دولار وفق تقرير منظمة العمل العربية لعام 2006 لتصبح هجرة الكفاءات من أهم العوامل المؤثرة على الاقتصاد العربي، في وقت تحتاج فيه التنمية العربية لمثل هذه العقول في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والتخطيط والبحث العلمي، وخصوصاً أن أفضل العناصر البشرية هي التي تهاجر إما لأنها قادرة على الهجرة، او لأن الطلب عليها في الخارج كبير مما يؤكد أنها عناصر جيدة إن لم تكن نادرة.
الآثار السياسية
ترى بعض الاتجاهات الفكرية: أن الغرب ينظر لقضية هجرة العقول من زواية أنها(إعادة لإنتاج التخلف في العالم الثالث أو النامي) فهو يستقطب النخب العلمية والفكرية والسياسية القادرة على تطوير هذه المجتمعات على جميع المستويات لتنتهي النتائج بالإجمال لصالح الاقتصاد الغربي، حيث تربي دول العالم الثالث النخب التي لديها، في الجامعات، وتدفع مقابل ذلك المليارات، ثم يقوم الغرب بتوظيف هذه الكفاءات لصالح الاقتصاد والمجهود الحربي والسياسي والثقافي الغربي، بل ينظر الغرب إلى القلة الذين يعودون إلى اوطانهم على أنهم سفراء جيدون لنمط الحياة الغربية في بلدانهم الأصلية.
الآثار الاقتصادية والاجتماعية
تعد ظاهرة هجرة الكفاءات والعلماء إلى الخارج أحد أهم العوامل المؤثرة على تطور الاقتصاد القومي وعلى التركيب الهيكلي للسكان والقوى، وتكتسب هذه الظاهرة أهمية متزايدة في ظل تزايد أعداد المهاجرين خاصة من الكوادر العلمية المتخصصة. ومن أهم الآثار السلبية لتلك الظاهرة: حرمان هذه الدول من الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات في مجال التنمية الاقتصادية والاجدتماعية. وقد تتفاوت حدة خطر هجرة العقول بالوقت الراهن من دولة لأخرى، إلا أن التأثيرات تظل متشابهة، من حيث أن هذه الهجرة تحرم الدول من الاستفادة من استثمارات ضخمة في الموارد البشرية. فإذا كانت هجرة العقول لها تكلفتها الاجتماعية والحضارية والمؤسساتية والمالية. إن الأمر الأكثر سوءاً هو أن قطاع المؤسسات في دول العالم النامي بات يعتمد على نحو متزايد على الخبرة الأجنبية.
واستناداً إلى تقييم ا"لخدمة الأميركية الكونجرس عام 1971-1972" كسبت الولايات المتحدة 20000 دولار كل سنة لكل مهاجر ماهر من العالم النامي. ويستنبط من ذلك: أن أفريقيا وحدها على سبيل المثال فقدت أكثر من 2-1 مليار دولار من الاستثمار على المحترفين الــ60000 الذين تركوا القارة بين 1985و1990
الهجرة المختلطة .. الهجرة من الجنوب إلى الشمال .... ومن الشمال إلى الجنوب
الهجرة المختلطة إحدى الإشكاليات الكبيرة في المجموعات المهاجرة في المجتمعات الجديدة، والتفاوت فيما بينها مرده إلى عوامل اقتصادية ، اجتماعية ، ثقافية وسياسية مختلفة . عقدت مؤتمرات مناطقية ودولية كثيرة لحلول إشكالاتها العديدة. هذه المؤتمرات تهدف إلى : تعزيز التعاون الإقليمي ، والحوار والمشاركة بين الدول لوضع نهج يراعي مزيدا من الحماية للمهاجرين الضعفاء ،ومساعدة الدول في تلبية احتياجاتهم أثناء تدفقات الهجرة المختلطة ، وتحديد الممارسات والخبرات الجيدة في مجال إدارة تدفقات الهجرة المختلطة. الحماية تتضمن : جمع البيانات وتحليل ملفات الهجرة والأنظمة المراعية لحماية الدخول إلى أراضي الدول ، وعمليات الإنقاذ البحرية ، والاعتراض والترحيل ، وتحديد الأشخاص الضعفاء بتدفقات الهجرة المختلطة وحمايتهم ... ومنهم ضحايا الاتجار بالبشر،والقصّر غير المصحوبين بأولياء أمورهم ،والتوصل إلى حلول لمجموعات اللاجئين وغيرهم من الضعفاء... وتشمل المساعدة : العودة الطوعية أو الإدماج . على صعيد آخر: فإن هجرة تتم من الجنوب إلى الجنوب ، إلى دول مثل جنوب أفريقيا على سبيل المثال وليس الحصر. إن هجرة أخرى تتم من الجنوب إلى الجنوب ، فالعديدون من دول مثل : اليونان وإسبانيا وغيرهما يتجهون إلى ألمانيا مثلا مثلما تقول الوقائع
كما لاحظنا من كل ما سبق: فإن الهجرة في غالبتها تتم من الجنوب إلى الشمال .. أما من الشمال إلى الجنوب فهي أعداد بسيطة لا تذكر ، وغالبا تتم بشكل طوعي من الأفراد، الذين يأتون إلى دول الجنوب في الأغلب: كخبراء أو مدربين أو ككفاءات علمية.
العولمة والثقافة
العولمة الثقافية تعني الارتباط الثقافي بين المجتمعات والأعراق أو بمعنى آخر: انتقال الأفكار والعادات من مجتمع إلى آخر. العمليات الانتقالية الثقافية بين المجتمعات تختلف في الأهمية ودرجة التأثير. فعلى سبيل المثال: الهيمنة السياسية والعسكرية والثقافية والإعلامية في العالم تعود لأميركا، ومن هذا المنطلق نستطيع الجزم بأن الثقافة الأميركية لها تأثير كبير على ثقافة مجتمعات العالم بحكم السيطرة الثقافية، كما نرى أيضاً بأن الأفلام الهوليوودية أو ما يعرف بالأفلام الأميركية، هي الأفلام الرائدة في عالم الإنتاج السينمائي ولهذا تجد أن الثقافة الأمريكية لها تأثير قوي على ثقافات المجتمعات الأخرى وقد يكون إيجابياً أو سلبياً.
تحديد مفهومي الثقافة والهوية الثقافية
إن مفهوم الثقافة من المفاهيم التي لم تقتصر على تعريف واحد وموحدً، بل اعطيت له تعاريف متعددة كان أبرزها: أن الثقافة هي جميع السمات الروحية والفكرية والقومية التي تميز جماعة عن أخرى،وهي شاملة لطرائق الحياة والتفكير والتقاليد والمعتقدات والآداب والقيم والبعد التاريخي باعتباره عاملا جوهريا في مفهوم الثقافة. وليس هناك حقيقة من ثقافة واحدة ،وإنما تسود أنواع وأشكال ثقافية متعددة.
إن مفهوم الهوية الثقافية يعرف من جهتين: الأولى خارجية بدأت في الآونة الأخيرة، وتعددت تعريفاتها على مستوى كل المجالات المعروفة، وما تمثله العولمة من محاولة لتنظيم أو إعداد نظام عالمي جديد بكل ما يترتب عليه هذا النظام من سلبيات، تطال في معظمها بلدان العالم الثالث.أما الجهة الثانية فهي داخلية ،وتتمثل في ندرة المقاربات العلمية والموضوعية بهذا الموضوع ،خاصة في دول العالم الثالث ، فالهوية الثقافية لا تكتمل إلا إذا كانت مرجعيتها (الوطن والشعب- بوصفهما التجسيد القانوني للوحدة) مكتملا العناصر وثابتا المعالم.
علاقة العولمة والهوية الثقافية
أن العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية هي علاقة تنافرية، تصادمية وصراعية .. إذ تسعى العولمة إلى خلق منظومة متكاملة، في حين تدافع الهوية عن التنوع والتعدد. كما نجد أن العولمة تهدف إلى: القضاء على الحدود والخصوصيات المختلفة ،بينما الهوية الثقافية تسعى إلى الاعتراف بالاختلافات في العالم ،ورفض الذوبان في الآخر. باختصار، إن العولمة تبحث عن العام والشامل، بينما الهوية هي انتقال من العام إلى الخاص، ومن الشامل إلى المحدود. إن التعارض بين العولمة والهوية الثقافية هو مظهر من مظاهر الصراع في عصرنا، وهو صراع يعيشه العالم ككل كما يعيشه كل بلد على حدة، "متقدما" كان هذا البلد أو"متخلفا". وإذا كان هذا الصراع يبدو في بعض الأحيان وعلى السطح في صورة صراع بين"الشمال"داعية العولمة والمستفيد الأول منها ،وبين الجنوب "موضوع العولمة"والمستهدف بها فليس هذا سوى مظهر واحد من جملة مظاهر متعددة.
نريد استحضار بعض الجوانب الأخرى في العولمة، فلابد من التنويه بها، وفي مقدمتها: التطبيقات العلمية في مجال الإعلام، عبر القنوات الفضائية، وعبر الأنترنت خاصة ... وهي التطبيقات التي أخذت تقلل من دائرة الاحتكار في مجال المعرفة.ثم هناك العمل الإنساني الذي تقوم به بعض المنظمات غير الحكومية التي نشطت في"عصر العولمة"بصورة غير مسبوقة. ولابد من الإشارة كذلك إلى الضغط الديموقراطي الذي يمارس على الصعيد العالمي، والذي يعمل على تكريس قيم الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان...الخ. ومع أنه يمكن التقليل من جدوى هذه الجوانب الإنسانية في العولمة، بسبب كونها متواضعة من جهة، وأيضاً خاضعة هي الأخرى لحساب المصالح الإمبريالية، فإن النقص الذي يطبعها بسماته، يوازي الوقائع التي سجلناها أعلاه، كسلبيات عصر العولمة.
العلاقة بين العولمة ومسألة الهوية ليست إذن علاقة وحيدة الاتجاه، وهي لا تطرح مشكلة واحدة يمكن حلها، بل هي تنسج إشكالية لا يمكن حلها وتتطلب هنا مقاومة هذه الإشكالية بأقوى الأسلحة. إن التغلب على مساوئ العولمة لن يفيد فيه الهجوم عليها ولا محاولة حصارها. إن السبيل القويم إلى الحد من آثارها على الهوية والخصوصية والتي تتجلى فيها هو: الرفع من مستوى الهوية إلى الدرجة التي تستطيع بها الصمود الإيجابي المملوء بالثقة بالنفس.إن الوسائل التقنية التي توفرها العولمة على مستوى الاتصال خاصة. هي خير مساعد على نشر المعرفة العلمية وتعميم الروح النقدية.
الهجرة الفلسطينية:
بداية، لا يمكن التطرق إلى الهجرة الفلسطينية دون الأخذ بعين الإعتبار: أن الشعب الفلسطيني يعاني احتلالا صهيونيا –إسرائيليا منذ الإنشاء القسري لإسرائيل نتيجة لمخطط تآمري بين الحركة الصهيونية وبين الدول الإستعمارية في بدايات القرن العشرين ( مؤتمر كامبل-بنرمان عام 1907 ، وعد بلفور عام 1967، مساندة الاستعار البريطاني لفلسطين والذي كان يسمى : انتدابا)!. إسرائيل قامت من خلال إرهابها ومذابحها الكثيرة في القرى والمدن الفلسطينية، ومن خلال وسائل فاشية عديدة : تهجير أهالي قرى بأكملها وهدمها، إجبار الفلسطينيين على النزوح والخروج من فلسطين: أي أن التهجير جاء بطريقتين : مباشرة وغير مباشرة مثل بث الدعايات المرعبة بأنها ستشن هجوما على قرية معينة (وهي قبل أسبوع ارتكبت مذبحة في قرية مهاجرة) .. ونتيجة لذلك: ينتشر الرعب ويخرجون من بيوتهم بسبب احتمال مذبحة ... هذه هي إسرائيل!
باختصار: إنها السبب الأساسي في التهجير. عام 1948 هجّرت إسرائيل ثلاثة أرباع مليون فلسطيني . نفس الأمر تتكرر عام 1967 وهجرّت إسرائيل 300 ألفا من الفلسطينيين . من طرق التهجير المتبعة: الإبعاد من منطقة إلى منطقة، الإبعاد إلى الخارج، اغتيل الناشطين، الاعتقال لفترات طويلة بموجب قانون ظالم هو من مخلفات الاحتلال البريطاني لفلسطين:"القانون الإداري " يعني: سجن الفلسطيني لسنوات طويلة دون توجيه تهمة إليه !يجري تمديد الاعتقال سنة وراء أخرى إلى ما لا نهاية .هذه هي بعض الأساليب التي تمارسها إسرائيل لتفريغ الأرض الفلسطينية ... هذا إلى جانب: خلق ظروف اقتصادية، اجتماعية: غلاء، بطالة وغيرها ... لدفع الشباب الفلسطيني إلى الهجرة . مؤخرا تحدث نتنياهو صراحة ودعا أهل المنطقة المحتلة عام 1948 إلى الرحيل إلى الضفة الغربية. ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي دعا إلى ترانسفير للفلسطينيين من أراضيهم مقابل تعويض مالي !. إسرائيل قامت بتهجير عشرات الآلاف من فلسطينيي النقب بحجة : أهمية مناطقهم "للأمن الإسرائيلي"!. إسرائيل لم تتوقف يوما عن الإستيطان وترفض تطبيق القرارات الدولية حول الحقوق الفلسطينية بما في ذلك "حق عودة اللاجئين" إلى ديارهم ، كما تقوم بسحب إقامة وهويات أهالي القدس وتستبدلها ببطاقات إقامة مؤقتة . هذا غيض من فيض من الجرائم والمذابح الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بهدف إفراغ الأرض منهم واستقدام المهاجرين اليهود ليسكنوا هذه الأراضي . جملة القول : هذه هي ظروف الفلسطينيين تحت الإحتلال الإسرائي . مع كل ذلك : شعبنا متمسك بأرضه ووطنه.
إن ظروف حياة المجتمع سواء المادية أو الاجتماعية أو السياسية أو البيئية هي التي تساعد الشباب على تلبية حاجاتهم، وتمكنهم من أخذ أدوارهم في الحياة، فإن كانت الظروف إيجابية استطاع الشباب ترجمة طموحاتهم وآمالهم، من خلال تبني انماط إيجابية للمشاركة في الأمور الحياتية ،وإن كانت سلبية فإنها تقف عائقاً نحو تحقيق وإشباع حاجاتهم.
بينت إحصائيات جهاز الإحصاء المركز الفلسطيني حول واقع الشباب الفلسطيني في فلسطين لعام 2012 التالي:أن(3)أفراد من كل(10)في المجتمع الفلسطيني هم من الشباب ،حيث بلغت نسبة الشباب في الفئة العمرية من(15-29)سنة في الأراضي الفلسطينية ما نسبته(29.8%)من مجموع السكان،منهم(39.6%)في الفئة العمرية من(15-19)سنة،كذلك ما نسبته(60.4%)في الفئة العمرية(20-29)سنة ،مع العلم أن عدد السكان في الأراضي الفلسطينية بلغ نحو(4.29)مليون من المجموع الكلي للسكان في منتصف العام 2012،وكذلك أظهر التوزيع العمري للسكان بأن المجتمع الفلسطيني مجتمعاً فتياً ،حيث تبين الإحصاءات أن المجتمع الفلسطيني ثلثه تقريباً من الشباب وسيبقى على هذا الحال لسنوات قادمة.
مفهوم (الهجرة الخارجية) للفلسطيني
تعتبر ظاهرة هجرة الشباب من الظواهر القديمة في غالبية دول العالم الثالث ،فهي ظاهرة اجتماعية نتيجة ظروف الحياة الإنسانية ،والبحث عن فرص أفضل للدراسة أو العمل او الحياة.وتسبب الهجرة بغياب العناصر البشرية الحيوية اللازمة، والمطلوبة لتحقيق العمليات الشاملة لمجتمع من المجتمعات ،في فترة زمنية محددة من حياته . واستمرار الهجرة، واستقرار العنصر البشري خارج الوطن يعتبر خسارة استراتيجية للوطن. بالنسبة للفلسطيني وبخاصة قطاع الشباب ، فإن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو السبب الأساسي والرئيسي في دفع الشباب الفلسطيني دفعا إلى الهجرة . من زاوية ثانية: فإن الفلسطينيين لم يعيشوا في دولة خاصة بهم على مدى التاريخ ... هم عانوا وما يزالون احتلالا بعد احتلال، بالتالي لا يمكن تطبيق المقاييس الطبيعية على كل مظهر من مظاهر حياتهم بما في ذلك : الهجرة إلى الخارج.
إن طبيعة الهجرة الفلسطينية تختلف عن باقي دول المشرق لأنها هجرة قسرية من أقدم الهجرات القسرية وأطولها عالمياً من حيث عدد اللاجئين الفلسطينيين المهجرين حيث بلغ عددهم منتصف عام 2000 بحوالي 3.7 مليون فلسطيني في الأردن ،ولبنان ،فبعد النكبة والهجرة القسرية للشعب الفلسطيني وترك الوطن تلتها النكسة والنزوح لدول الجوار وترك الممتلكات.
يعتبر الشباب الفلسطيني الهجرة حلاً لمشكلتهم فالكثيرون تراودهم فكرة الهجرة لأنهم يرون فيها حلاً للخروج من الظروف الحياتية السياسية او الاقتصادية أو الاجتماعية النفسية التي يعانون منها. ولكن هذا يعتبر هروباً من المشكلة وليس حلاً جذرياً لها.
إذن ما هي الأسباب التي تدفع الشباب الفلسطيني للهجرة لخارج الوطن؟
الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هوالسبب الرئيسي الذي تتفرع منه الأسباب الأخرى، وهي:
أولاً: الأسباب الاقتصادية:
تشير جميع البيانات الإحصائية لارتفاع معدلات الفقر والبطالة في المجتمع الفلسطيني بشكل عام ،ولدى الشباب بشكل خاص.إذ أن أكثر من ثلث الشباب الفلسطيني يعانون: الفقر، وحوالي ربع الشباب الفلسطيني من الفقراء ،مع فارق كبير بين معدلات الفقر ،التي ترتفع في قطاع غزة بشكل أكبر منه في الضفة الغربية.فالفقر يعني استلاب الحرية، ويعني أيضاً كبح القدرات والطاقات الكامنة لدى الشباب، لأجل تحقيق ذواتهم، والمساهمة الفاعلة في مجتمعهم ،حيث الأحباط واليأس،والاحساس باللاجدوى وانتقاص الكرامة الإنسانية ،التي يولدها الاحتلال والفقر والبطالة ،فتنتج المشاكل الاجتماعية.
أشارت الدراسات أن نسبة(50.92%)من المهاجرين الفلسطينيين، هم من الضفة الغربية، وقطاع غزة. يعللون سبب هجرتهم، لوجود العمل في البلاد المستقبلة لهم، وعدم توفره في فلسطين ،وهذا يرجع بسبب الاحتلال، اولبطالة المتفشية بين الشباب الفلسطيني، فيدفعهم ذلك للهجرة من أجل إيجاد فرص عمل لتوفير دخل يعيشون منه.أنا بالنسبة للسلطة الفلسطينية ... فهي ليست أكثر من حكم ذاتي على القضايا الإدارية للسكان. إن الانقسام السياسي الفلسطيني خلق عمليا :سلطتين إداريتين في كل من قطاع ،غزة والضفة الغربية ( وكلا السلطتين عمليا محتلتان من قبل إسرائيل). كل ذلك أدى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية في المنطقتين مما دفع العديدين من الشباب الفلسطيني إلى الهجرة وبخاصة في ظل الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة وبفعل العدوان العسكري الإسرائيلي على القطاع وآخر عدوان كان عام 2014 وقامة إسرائيل بتدمير البنى التحتية الفلسطينية كما هدمت أحياء بكاملها فيها بيوت كثيرة على رؤوس سكانها ..
ثانياً:أسباب بيئية وأسرية:
تتمثل في أن الفرد ليس لديه فاعلية في ممارسة حياته، في ظل الظروف البيئية الصعبة التي تحيط به، فالهجرة تعتبر بمثابة الهروب من الواقع المعاش، وحالة عدم التكيف نتيجة الصراعات الأسرية الدائمة، سواء على نطاق الأسرة الواحدة أو المجتمع ككل.
ثالثاً: الحالة النفسية:
لدى الشباب الفلسطيني قلق، وإحباط ،وتوتر وخوف على المستقبل ،نتيجة التخرج من الجامعة والبقاء بدون عمل ،فليجأ الشاب للهجرة بعد ان يئس وهو يحاول أن يبحث عن الاستقرار.
رابعاً:الوضع الفلسطيني الداخلي:الانقسام وتبعاته:
1-حالة الجمود السياسي وتضاؤل فرص إنجاز المصالحة الفلسطينية. أثر ذلك بالسلب على واقع الشباب الفلسطيني ،حيث حالة التشرذم والانقسام الداخلي التي أثرت سلباً على الكل الفلسطيني ،حيث أصبحت المناخات مساعدة للشباب ودفعهم للهجرة لخارج الوطن.
2-معاناة الشباب وإقصائهم عن المشاركة الاجتماعية والسياسية.
خامساً:الأسباب الأكاديمية:
1-رغبة الشباب في الهجرة للخارج لطلب العلم والدراسة في الجامعات، فنصف المهاجرين هاجروا لطلب العلم وعملوا في البلدان التي درسوا فيها، ولم يعودوا للوطن بعد انتهاء دراستهم.
2- إن غياب سياسة وطنية واضحة محددة للتعليم العالي في مناطق السلطة الفلسطينية ،فضلاً عن فقدان رؤية موحدة حول دورالجامعات في عملية التنمية ،والذي ينعكس على طبيعة البرامج الأكاديمية التي تطرحها هذه الجامعات ونوعية أداءها.
3- إن عدم توفر بعض التخصصات في الجامعات والمعاهد المحلية ر،غم وجود تخصصات مكررة في العديد منها، وارتفاع متطلبات بعض التخصصات ،يدفع الطلبة للبحث عنها في الخارج.
سادساً: الأسباب الاجتماعية
1 ـ تتمثل في الشعور بالانتماء أكثر نحو الوطن الجديد من قبل المهاجرين ،حيث تبين أن المهاجر بعدقضاء سنوات الدراسة الطويلة بالخارج، خاصة لطلاب الدكتوارة وبعد تكيفه الجديد مع المجتمع ،وتشرب ثقافته، يصبح أكثر ارتباطاً بالدولة المستقبلة له ،ويكون مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بقيمها وتقاليدها ونظم حياتها. وهذا ليس في صالح الشباب الفلسطيني، فعندما يقرر الشباب العودة للبلد الأم ،لا يستطيعون اتخاذ القرار بذلك، فيكتفون بزيارة الأهل في وطنهم، والعودة للبلد التي تم الهجرة إليها ،لعدم التوافق والتكيف بعد فترة غياب طويلة.
2- الكثير من الذين تغربوا(العائدين)يفتقدون إلى تقدير ذواتهم عند العودة لوطنهم.
3- ضعف وانعدام تقبل التغيير بالوطن المحتل ، فأعداد كبيرة من أبناء الدول النامية الذين يتلقون تعليمهم بالخارج،ويعودوا ليجدوا مجتمعاتهم لا تستطيع أن تتوافق بسرعة ،مع ما يجري في مجتمعات العالم المتقدم تكنولوجيا ،فيفضلون البقاء حيث هم.
يتبين مما سبق أن الشباب الفلسطيني لهم خصوصيتهم خصوصية الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فالمخطط الإسرائيلي يعمل دائماً على زيادة أعداد المهاجرين اليهود من الخارج ، (من كافة دول العالم ) حيث أوضاعهم ممتازة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي، لإسرائيل، في حين نجد العكس: هجرة الشباب الفلسطيني من الضفة الغربية، وقطاع غزة ،في تزايد أعداد المهاجرين لخارج الوطن.
إن ضيق الحياة بسبب الاحتلال وحواجزه ،ونقاط التفتيش، والحصار الخانق، والتراجع التدريجي في مستوى الحياة اليومية، حيث تتحول تفاصيل الحياة اليومية ،لعبء ثقيل :ففي الضفة الغربية ينعزل الشباب في مناطق محاطة بالجدران ،والحواجز ،أما في غزة ،فحدث ولا حرج ،لأن القطاع الصغير المساحة المزدحم بالسكان ،الذين لا يتسع لهم ،يضيق أكثر في زمن الحصار، وفي أزمنة العدوان ،وزمن الاقتتال الداخلي ،ومنع السفر والملاحقات ...الخ. كما أن سياسة الاحتلال الإسرائيلي الفاشية :اغلاقات مستمرة للمعابر، وحصار جائر على قطاع غزة ....دفع ذلك الشباب الفلسطيني للهجرة.
إن ظاهرة الهجرة للشباب الفلسطيني من أخطر الظواهر والمشاكل في المجتمع الفلسطيني، لها سلبياتها، خاصةً عندما تصل لمستوى من الاتساع ،فتتحول لعملية طرد مركزي للشباب الأكثر طموحاً !فالإنسان في بلد المهجر لا يبني وطناً ...فهو قد ينجح وقد يفشل ، لكنه يظل خارج المكان الذي تتراكم فيه أعباء الحياة، وتتعمق فيه الجذور.
تأسيساً عما سبق يمكن القول أن للهجرة الخارجية عوامل وأسباب: اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية... كلها عوامل تشكل ضغوطاً حياتية يتعرض لها الأفراد يومياً، خاصة فئة الشباب لكونهم الأكثر حساسية في أي مجتمع، نظراً لأنهم في مرحلة عمرية تتطلب البدء في بناء المستقبل ،سواء على الصعيد الشخصي أو الأسري أو الوطني.
توصيات ومقترحات للحل. ( ما سنقوله يظل نسبيا بسبب واقع الاحتلال وتحكمه في كل مناحي الحياة الفلسطينية)
1-يجب إنشاء دوائر متخصصة تعنى بشؤون المهاجرين من الشباب، من خلال تقديم الخدمات الإرشادية للراغبين في الهجرة ،وتوفير معلومات حول بلدان المهجر، وظروف العمل فيها، بدلاً من اعتمادهم في مصادر معلوماتهم على الأقارب أو العلاقات الشخصية ،أو عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي.
2- توجيه الاهتمام بقضايا الشباب ،وتوفير المؤشرات الإحصائية التي تخدم أهداف التنمية.
3-تعزيز المشاركة السياسية والاجتماعية للشباب ...نتيجة للاحتلال الصهيوني ،والحصار ،والانقسام الذي أدى لتدهور الأوضاع في المجتمع الفلسطيني، وقد أدى ذلك إلى مضاعفة نسبة البطالة والفقر بين فئة الشباب.
4-ضرورة محاربة آفة الهجرة للخارج الدائمة، لخطورتها، بطرق علمية مدروسة من خلال العمل على دمج فئة الشباب في قضايا المجتمع ، لإجبارها على البقاء والتطوير في الوطن.
5-توفير الجو النفسي والهادي للشباب( نسبيا )، وإنهاء الانقسام الذي ينعكس سلباً على هذه الفئة، والعمل على اصلاح الحال السياسي أولاً ثم الاقتصادي.
6-العمل على توعية الشباب من خلال الندوات والبرامج ،سواءً كانت التربوية أو الإرشادية أو الثقافية للمساهمة في غرس قيم الانتماء والولاء للوطن.
7-لابد من تفعيل دور (السفارات) الفلسطينية في البلدان الأخرى ، والتي لديها قدرات تشغيلية ،لتوفير فرص العمل ،والتنسيق مع المؤسسات الأكاديمية المحلية، ووزارة العمل، لممارسة دور تنسيقي ورقابيا لتسهيل التكيف في تلك الدول ،ولحماية حقوق العاملين الفلسطينيين الشباب فيها.
8-تبني سياسات عامة من قبل السلطة الفلسطينية ومؤسساتها ذات العلاقة ،للقيام بدور أساسي ،في تنظيم عملية الهجرة، من خلال عقد اتفاقيات دولية تسمح بتسهيل حركة القوة العاملة للخارج، وتوفير عقود عمل للشباب، زمنياً.
9-ضرورة توفير فرص عمل لجميع الشباب، خاصة الخريجين منهم ،من خلال عمل مشاريع تستوعبهم وتؤمن العيش لهم بحياة كريمة.
10-توفير قاعدة بيانات شاملة حول الكفاءات الفلسطينية المقيمة في المهجر ،والتي هاجرت أساساً من فلسطين ،وبناء شبكات من جسور التواصل معها ،وتشجيعها على العودة للاستفادة من خبراتها من خلال برامج تواصل واضحة المعالم . كذلك تطوير الوسائل التي توفرها شبكات التواصل الاجتماعي، التي يمكن أن تساهم بشكل كبير في الوصول للخبرات الفلسطينية المقيمة في المهجر، والاستفادة من كفاءاتها.
11-تطوير اهتمام المؤسسات البحثية بقضايا الهجرة ،من خلال تشجيع البحوث والمسوح المتعلقة بظاهرة الهجرة لدى الشباب، وهذا يقع على عاتق الجهاز المركزي للإحصاء المركزي الفلسطيني: مهمة توفير قواعد البيانات الضرورية لذلك.