محمد عبدالصادق
النمسا إحدى أجمل الدول الأوروبية، ولعاصمتها فيينا غنت أسمهان في أربعينيات القرن الماضي، أغنيتها الشهيرة؛ "ليالي الأنس في فيينا" للشاعر أحمد رامي وتلحين شقيقها الموسيقار فريد الأطرش في فيلم غرام وانتقام، ليالي الأنس هذه مهددة هذا الصيف بالإظلام التام بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وقرار أوروبا بحظر استيراد النفط الروسي، وتراجع إمدادات خطوط الغاز الروسي المتجه لأوروبا، بعد إصرار بوتين على دفع مقابله بالروبل.
في مباراة النمسا والدنمارك التي جرت مؤخرا في دوري الأمم الأوروبية، حضر الجمهور وملأ أكثر من 50 ألف مشجع من الدولتين جنبات ستاد أرنست هابيل بالعاصمة فيينا، وحضر اللاعبون والحكام والمراقبون، وتم حجز البث التليفزيوني الأرضي والفضائي، ولم تحضر الكهرباء، وظلت محاولات إعادة التيار الكهربائي للإستاد مستمرة لمدة ساعة ونصف، وعجزت المسؤولة عن شركة الكهرباء المزودة للإستاد عن تبرير سبب انقطاع الكهرباء واكتفت بالقول إن هناك آلاف المنازل بالمناطق المحيطة بالإستاد مقطوع عتها الكهرباء لعطل فني لم تكشف عن سببه، وهي سابقة نادرة الحدوث في الملاعب الأوروبية الرئيسية المزودة بمولدات احتياطية جاهزة للتدخل في حالة انقطاع الكهرباء العمومية، ولكن يبدو أن هذه المولدات أصبحت فارغة من الديزل اللازم لتشغيلها، جراء أزمة الطاقة التي تضرب أوروبا، ولم تعد المشكلة في ارتفاع الأسعار فحسب، بل هناك ارتباك في تأمين الاحتياجات البترولية لأوروبا التي كانت تعتمد بشكل أساسي على الغاز والنفط الروسيين.
واعترفت النمسا بوجود أزمة كهرباء، وطلبت من السكان أن يكون لديهم مجموعة أدوات البقاء على قيد الحياة من الطعام القابل للتخزين الممتد الصلاحية والمياه، تحسبا لأي طارئ، مثلما حدث في الشهور الأولى من جائحة كورونا، وشددت على مواطنيها بأهمية تأمين نقود ووقود وجهاز راديو يعمل بالبطارية وشموع وأدوات الإسعافات الأولية، وولاعات.
وصارحت معظم دول أوروبا مواطنيها، بأن يستعدوا ويهيئوا أنفسهم لانقطاع الكهرباء، بسبب نقص الإمدادات على خلفية استمرار الحرب في أوكرانيا وقرار الاتحاد الأوروبي بالاستغناء عن 90% من النفط الروسي، وتعد ألمانيا والسويد وبريطانيا أكثر الدول الأوروبية المعرضة للإظلام مع دخول الصيف وبدء الإجازات، وطلبت الحكومة الألمانية مواطنيها بتخزين المياه والغذاء الذي يكفيهم 10 أيام على الأقل، وهو الأمر الذي أثر على محال السوبر ماركت ومحطات الوقود.
وفي السويد ارتفعت أسعار الكهرباء، وحذرت المسؤولة في هيئة الكهرباء من استمرار أزمة الوقود الحالية؛ لأنها قد تؤدي لانخفاض الإنتاج المحلي وانقطاع الكهرباء عن البيوت، لصعوبة استيراد الكهرباء من الدول المجاورة التي تعاني هي الأخرى من نقص الكهرباء ونفاد الوقود، آملة انتهاء الأزمة أو وجود بدائل وحلول قبل الشتاء القادم.
وفي بريطانيا أعلنت الحكومة أن هناك أكثر من 6 ملايين منزل معرض لانقطاع التيار الكهربائي، بسبب أزمة إمدادات الطاقة، وأنها قررت إعادة تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم الحجري، والتي كانت أغلقتها منذ عشرات السنين، امتثالا لقوانين حماية البيئة، وهناك تفكير في إعادة تشغيل محطات الطاقة النووية التي سبق وأغلقت، للخروج من مأزق الإظلام الذي يهدد أوروبا.
وهناك سباق مع الزمن في الدول الأوروبية، خصوصا في ألمانيا، لبناء محطات لاستقبال الغاز الطبيعي المسال، التي أغفلت أوروبا إنشاءها بسبب اعتمادها على خطوط الغاز الروسية، باستثناء محطات قليلة في هولندا وبريطانيا كانت تتلقى إمدادات محدودة من الغاز النرويجي.
لا تقتصر مخاوف أوروبا على انقطاع الكهرباء، بل هناك هاجس آخر مرتبط بهذا الانقطاع، وهو انقطاع الإنترنت، حيث أصبح الوضع في أوروبا هشا للغاية، وحذرت شركات الأمن السيبراني من خطر انقطاع الكهرباء وتأثيره على خدمة الإنترنت، حيث يترتب على انقطاعه محدودية قدرة الاتصالات، ومعاملات الدفع الإلكتروني وأنظمة العمل التي أصبحت تعتمد كليا على شبكة الإنترنت، وبدأ الاتحاد الأوروبي حملة للتأكيد على الشركات بضرورة وجود نسخ احتياطية وضرورة اعتناء البنوك والشركات بأجهزة الحاسوب الخاص بها، بحيث يمكن استعادة التشغيل في أقل وقت، واستخدام الخدمات السحابية بشكل متزايد من قبل الشركات، وإن كانت الخدمات السحابية محصورة في أيدي عدد قليل من الوكلاء، كما تخشى أوروبا من هجمات إلكترونية من روسيا أو أحد حلفائها تؤدي إلى مشكلات خطيرة في الاتصالات وتحتاج وقتا كبيرا للتعافي واستعادة المعلومات.