أحمد صبري
عرفته عبر ثلاث محطات في مسيرة علاقتنا التي امتدت لثلاثة عقود كان فيها الشهيد نصر الله الداودي الأخ والزميل والإنسان. وشهادتي عن أبي شيلان الذي نتوقف عند إضاءات من تلك المحطات لمناسبة ذكرى استشهاده هي وقفة لإنصاف رجل كرَّس حياته لخدمة من عملوا معه، وتفانيه في أداء الواجب والمهام التي كُلف بها طيلة الثلاثين عاما الماضية.
محطتي الأولى كانت شارع فلسطين الذي اختار أبو شيلان مكانا مؤقتا للعيش فيه من فرط موجة الاستهداف والخطف والقتل في تلك الفترة التي أعقبت الاحتلال. ففي ربيع العام 2004 قصدت الداوودي مع أخي طيب الذكر عدي الطائي في زيارة لم يتوقعها وحذرناه من مغبة استهدافه، لا سيما وأنه يسكن وحيدا في مسكنه الجديد بشارع فلسطين.
ولم يصغِ لتحذيراتنا ورد قائلا إنه إنسان مسالم وليس له أعداء، وما خشيناه حصل، حيث لقي مصرعه من قِبل مسلحين مجهولين اقتحموا منزله وخطفوه وقتلوه ورموا جثمانه الطاهر على قارعة الطريق.
ومحطتي الثانية في مشوار علاقتي مع الراحل نصر الله الداوودي كانت خارج العراق، حيث كنا ضمن مجموعة من الصحفيين العراقيين في دورة تدريبة في تشيكوسلوفاكيا منتصف الثمانينيات، وكان مثال الصحفي الذي يحب بلده ويدافع عنه، ويفند الافتراءات التي كانت تسيء للعراق.
وفاجأ الداوودي إدارة الملتقى بإهدائه درعين تذكاريين تعبِّران عن تلاحم العراقيين ووحدتهم، الأمر الذي نال إعجاب وتقدير القائمين على إدارة الدورة على هذه المبادرة.
أما محطتي الثالثة مع الراحل نصر الله الداوودي فكانت صحيفة العراق ونقابة الصحفيين العراقيين، وهي محطة مليئة بالذكريات والمواقف التي كشفت عن موقفه وسعيه للتغيير في مجال العمل الصحفي وتطويره، لا سيما بعد وفاة المرحوم رئيس التحرير السابق صلاح الدين سعيد. فالداوودي استقطب عشرات الكتَّاب والمثقفين والصحفيين للكتابة والعمل في الجريدة وأبوابها، ما جعل العراق تنافس شقيقاتها الصحف الأخرى وتسجل السبق الصحفي جرَّاء المرونة التي وفرها الداوودي للعاملين معه. فكانت أبوابه مشرعة أمام الصحفيين، ويشجع ويدعم المتفوقين، وتحولت العراق الجريدة في عهده إلى مكان وملاذ للصحفيين من فرط استيعاب نتاجهم الصحفي خالية من بعض المحددات.
فكان يوم الجمعة عند الداوودي مناسبة لاستقبال العديد من كبار الصحفيين، فكانت غرفته مفتوحة لهم. وأذكر أن الأستاذ الشاعر حميد سعيد كان حريصا على لقاء الجمعة مع المرحوم رياض قاسم وآخرين
في هذا الاستذكار لمسيرة زميل وأخ نتوقف عند علاقته مع مدير المطبعة أحمد شبيب أبو صارم الذي كان الساعد الأيمن للداوودي في إدارة الجريدة وديمومتها.
ومع تقليب أوراق العقود الثلاثة من مسيرة علاقتي مع الداوودي، نتوقف عند ولعه بالرياضة، حيث قادته إلى اللجنة الرياضية في نقابة الصحفيين العراقيين، فكان عضوا نشطا في أنشطتها، ومثَّل العراق في الكثير من الفعاليات الرياضية العربية والأجنبية.
وعندما نستعيد شذرات من مسيرة رجل غيَّبه الموت برصاصة غادرة، لا ننسى أن نتوقف عند المتحقق في رحلته التي كانت عنوانا لإنسان طموح وشجاع لم يكمل مسيرته، إلا أن ذكراه ستبقى خالدة ومضيئة لم تنل منها الأحقاد والكراهية.
أبا شيلان الحياة تليق بك فبئس ما فعلوا.