■ ■ عمّان ـ العُمانية: تعكس لوحات نبيلة حلمي المعروضة في المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، المراحل التي مرت بها تجربة الفنانة الفلسطينية الراحلة (1940-2011)، وترصد التطورات التقنية في كل مرحلة، فمن الرسم الانطباعي إلى التجريدي إلى مقاربة المدرسة الحروفية، ومن الألوان المبهجة، إلى المناظر الطبيعية والأزهار على اختلاف أنواعها، إلى الألوان الباردة في الأعمال التجريدية، إلى تلك التي استخدمت فيها الفنانة اللونين الأبيض والأسود.
ومن بين الأعمال المعروضة لحلمي، يشاهد الزائر لوحات نُفذت بتقنية الكولاج التي أضافت بُعدًا ثالثًا للسطح وكثفت الشعور بحيوية اللوحة وحركيتها وملمسها الذي يشي بتدفق من الداخل إلى الخارج. ■ ■
ويؤكد الخط في الأعمال التي يضمها المعرض الاستعادي الذي يستمر حتى 20 يوليو المقبل على فكرة الوصل والفصل، وهو يعطي للأشكال التي تتفاعل على سطح اللوحة هيئتها وكيانها، ويجعل فضاءها مليئًا بالحركة والحيوية.
ويؤدي اللون في لوحات حلمي الحاصلة على شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة من كلية بيروت الجامعية (1983)، دورًا مهمًّا في توضيح تلك الأشكال والتوفيق بين الأضداد: الكتلة والفراغ، والظل والضوء، والعوالم الداخلية والخارجية، والقوة والضعف، ما يمنح المشاهد إحساسًا عميقًا بتدفق الحياة وتغيرها باستمرار.
تضم القاعة الأولى من المعرض لوحات تعبّر عن مفردات من الطبيعة وبخاصة الأزهار، وقد نُفذ معظمها بالألوان المائية والباستيل على الورق، وجاءت بألوان مبهجة وقوية، من الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق وتدرجاتها التي تحاكي طبيعة المشهد المرسوم على السطح، بما يؤشر على الاحتفاء بالحياة والفن والجمال. وفي القاعة الثانية، تتوزع لوحات تعبّر عن توجه الفنان نحو التجريد في الشكل، واحتفائها به من خلال فصله عن محيطه العام. وتحضر في اللوحات بعض الوضعيات الجسدية للمرأة، التي تنسجم مع رمزيتها بوصفها تجسيدًا للحب والعطاء. وهناك لوحات تجريدية منفذة بالزيت والأكريليك والفحم، تميل في غالبيتها نحو التجريب على أكثر من مستوى، سواء لجهة الشكل، أو اللون، أو حتى الحجم. أما القاعة الأخيرة، فتضم أعمالًا أكثر نضجًا في تجربة الفنانة، إذ تحاول حلمي فيها أن تصل الحاضر (وهي التي استقرت في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة من حياتها) بالماضي ممثلًا بما في ذاكرتها عن وطنها فلسطين، وهو ما تعبّر عنه اللوحات التي تكشف عن رؤية فنية تقدمية تواكب عالمية الفن من جهة، وترتبط من جهة أخرى بعالم الشرق وألوانه القوية. وتبرز الهيئة للشكل العام في اللوحة بقوة وتغزو المساحة المحيطة بها، وهي مساحة مليئة بالضوء والألوان الساطعة والهادئة، مانحة المشاهد شعورًا بالحميمية والانفتاح والدفء من خلال وضع درجات ناعمة وخافتة جنبًا إلى جنب مع الأشكال الحيوية والديناميكية، حينها يبدو السطح كما لو أنه عالم متدفق من الأضداد التي تنفصل وتتصل؛ عالم متكامل من النغم والإيقاع. وتقول حلمي في شهادة لها عُرضت عند مدخل المعرض: (بعد انتقالي إلى الولايات المتحدة ارتبطت بصورة أفضل مع الناس. تشاركنا المشاعر والعواطف الإنسانية، وأدركت أنها كانت الأدوات التي مكنتني من الارتباط بالماضي والحاضر، هي المراسيل والجذور التي تساعدني على المضي قدمًا في المستقبل).
ويجسّد المعرض الذي يضم حوالي 250 لوحة اشتغالات حلمي وقدرتها على الجمع بين عوالم متنوعة تجعل من الشكل المجرد أساسًا لها، مستكشفة ما ينطوي عليه ذلك العالم الحُلمي من أحاسيس ومشاعر، فثمة طبقات من الخطوط والأشكال التي تتكرر ضمن إيقاع يعبّر عن سريان الوقت وجريان الزمن.