لم تكن تلك المشاعر الأنثوية التي تعيشها المرأة العصرية هي وحدها ما تجعلها جميلة في بعض المناسبات وتعيسة في أحيان أخرى، وتنطلق ثقافة كسر القلوب من مجموعة من الأيديولوجيات التي يروج لها في مجتمعاتنا العربية بشكل عام، غير أن الثقافة الإسلامية محملة بنصوص لا حصر لها تحافظ على المرأة جمالا وأنوثة ورقة وعذوبة، وتأتي قصة أنوثة حذاء للكاتبة زوينة سالم ضمن مجموعة جميلة من التداعيات السردية الصادرة عن مؤسسة الانتشار العربي في بيروت 2014م، لتؤكد الرسالة الصارخة التي تنادى بها المرأة في عصرنا الراهن، إذ أن المشاعر الإنسانية التي تجعل من المرأة كيانا شفافا وزجاجيا قابلا للكسر بكلمة واحدة لا بد لها أن تظهر وتطفو في المحيط حتى تصل فحواها للطرف الآخر كي يرق قلبه للمرأة ويبتعد عن كل ما يمكنه أن يؤرق مشاعرها ويكسر قلبها الرقيق..!.
لقد حاولت القصة أن تؤسس حبكة فنية من خلال أنثى تريد أن تبرز جمالها لنفسها وتؤمن بجمالها وذلك من خلال مجموعة من الإثباتات التي حاولت أن تتقنها، ليس فقط الاختيار للفستان من النوع القصير في الأمام والمذيل من الخلف، ولا عندما تحسست جسمها بيدها لتشعر بالبرودة في جسدها حينما اقتربت من الجمال، ولا عندما سألت الموظفة عن رأيها لتعرب لها عن جمالها الشديد، ولا عندما اختارت حذاء يشع أنوثة ويقترب من جمالها الأنثوي، ولا عن تخيلها تلك النظرة في عيني حبيبها عندما ينبهر بجمالها مع الفستان والحذاء وسحر قدمها، ولا عن ردة فعله المبهرة وتعبيره عنها في منتهى الأنوثة يا حبيبتي...ولكنها عندما فوجئت برده عندما قال: أنا متأكد أنه ليس من ذوقك.!. من اختاره لك...؟! ولا عن المجادلة عندما قالت: أنا اخترته .. صدقني. ولكنها من خلال قوله: لا مستحيل.. هذا الحذاء فيه أنوثة عجيبة.. هو ليس من ذوقك.. أنا متأكد.. للتواصل الحبكة مع انكسار الخاطر لتقول: عندك حق اختارته لي سيدة قابلتها في غرفة قياس الملابس بأحد المحال، ولا عندما عبرت:" ربما اصفرت ملامحها أو ازرقت أو ماتت.. وهو لم يلاحظ لأنه سعيد من انتصار حدسه.. وقوة ملاحظته.. ألم أقل لك إنه ليس من ذوقك... أنا أعرفك جيدا.. ههههه.
إن الرسائل الإنسانية الموجودة في كتاب القاصة والكاتبة زوينة سالم من خلال أنوثة حذاء كثيرة تمثلت في الكتاب كله بواقع 18قصة قصيرة والتي جاءت وفق الترتيب الآتي: الرجل السري، الوردة الحمراء، الرجل الرمادي، الجنة المحرمة، المصعد، البطل الأخير، بنت الذوات، سيجارة، امرأة هوت، عتمة، كريم أساس، العمل شرف، مانيكان، المخاض، دنيا مرام، أنوثة حذاء، نزع، مجرد اسم.
إن كسر الخاطر في معظم قصص حذاء امرأة رسالة من القلب للرجل والمرأة؛ فالإنسان عندما ينكسر خاطره تهون عليه نفسه العزيزة ولا يعد يحترمها ولا يحبها بل ولا يطيقها، ولا غرابة أن يكون سببا في الكثير من مشكلات مجتمعاتنا المعاصرة مثل الوقوع في المخدرات أو الإقدام على الانتحار، أو ربما الخيانة والفساد في كل شيء، إن كرامة الإنسان تمنعه من الوقوع في المحظورات، وكسر الخاطر بصورة متكررة ومتعددة تجعله يحتقر ذاته ولا يستحي أن يصل به الأمر إلى وضع مخجل للغاية، وقد ناقشت مجموعة القاصة والكاتبة زوينة سالم بعمق هذه المشاعر الإنسانية المهمة في عصر أصبح الشباب يعيشون في مهب الريح، وتعصف بهم الفتن المحيطة من كل حدب وصوب، وهم بحاجة ماسة إلى توجيه في جميع المستويات الثقافية والعلمية والفكرية والأدبية، وخاصة تلك المجتمعات التي تتوغل فيها تيارات كثيرة في عصر العولمة وعالم الاتصالات وهي لا تزال تحتفظ بأصالتها وإرثها الحضاري وعاداتها وتقاليدها الجميلة.
لقد وظفت الكاتبة مجموعة من التقنيات السردية الجميلة وخاصة تلك التي مهمتها مناقشة القضية الإنسانية من العمق لتجعل القارئ يعيش تفاصيل مدهشة حقا وخاصة تلك التي تقترب من عالم المرأة المليء بالغموض مهما انكشف بعضه؛ فعالم حواء بحر متلاطم الأمواج يحتاج لربان ماهر كي يعبر من خلاله إلى بر الأمان، وهو عالم أكثر ما يكون هدوءا عندما يبني الرجل الثقة مع كيانه العملاق، حتى إذا ما فقدت تلك الثقة رأيت الهدوء يتحول إلى عاصفة مدارية تحطم كل شيء، وعلى هذا فبالحب تبنى الثقة، وبالحب تغذى وبالحب تنمو وتكبر وتزهر، وبالحب يخفت صوت العاصفة، وبالحب لا يمكن أبدا أن تكسر الخواطر، هكذا قرأنا هذه المجموعة واستلهمنا هذه الحروف من خلال معانيها وتأويلاتها الجميلة، وتحليل مضامينها وأساليبها، لعلها قراءة ضمن آلاف القراءات لا ندعي من خلالها الحقيقة المطلقة ولا القراءة الأحادية النظرة، فمجال القصص رحب، وعوالم الحكاية مزدحمة بالمعاني والأضداد، فدام كل قلم يكتب قصة ودامت كل صفحة تحتضن شعرا، وتحية نوجهها للكاتبة من القلب على رسائلها الإنسانية الرائعة التي لا شك أنها خرجت من القلب أيضا.

ناصر الحسني