ناصر بن سالم اليحمدي
الكثير من الأسر الآن تعيش ما يمكن أن نسميه فترة "هدنة" بعد أن حصل أبناؤها على إجازتهم الصيفية.. فقد أبلوا بلاء حسنا على مدار العام الدراسي وآن الأوان لكي ينعموا باستراحة قليلة يلتقطون فيها أنفاسهم لحين عودة ملحمة العطاء والإنجاز، وبذل الجهد من جديد مع بداية العام الدراسي القادم.
للأسف معظم الأسر تترك أبناءها فريسة للعب على الهاتف الجوال والإنترنت ومشاهدة الفضائيات ليضيع وقتهم الثمين هباء.. وربما ما ساعد على ذلك هو فترة العزل التي عاشوها طوال العامين الماضيين إبان أزمة كورونا التي فرضت عليهم قيودا في الحركة والسفر والتنقل بين المتنزهات والنوادي وممارسة مختلف الأنشطة الرياضية.. لذلك فإن تسليتهم الوحيدة كانت اللجوء إلى اللعب على الإنترنت والهاتف الجوال ومشاهدة التلفاز.
ولكن الآن بعد أن أصدرت اللجنة العليا قرارا برفع كل الإجراءات والتدابير الاحترازية وعودة الحياة لطبيعتها فإن المجال أصبح فسيحا أمام هؤلاء الطلبة وذويهم لاستغلال إجازة الصيف ووضع برنامج مفيد يحقق لهم المتعة، وفي ذات الوقت المنفعة التي تعود عليهم وعلى مجتمعهم بالخير.. فأثناء فترة العزل لا بُدَّ أنه كانت لديهم الكثير من الخطط التي كانوا يشتاقون لتنفيذها وها هي سنحت لهم الفرصة من جديد.
نحن على ثقة بأن الجهات المعنية، سواء حكومية أو خاصة أو أهلية ستسعى خلال الفترة القادمة لوضع العديد من البرامج الصيفية التي تحقق تطلعات الطلاب وتفتح لهم المجال لتنفيذ أحلامهم.. ولكننا نتمنى أن تتمكن هذه البرامج من رفع مستوى مهارات الطلاب وتحفيز الإبداع لديهم كل في مجاله بطريقة تنافسية راقية وفق منهج علمي مدروس يعزز الهوية الوطنية والقِيَم الأخلاقية الأصيلة ويصقل الخبرات وينمي المهارات ويبني العقول والأجسام حتى يصبح شبابنا قدوة صالحة على كافة المستويات.
ليت الشركات والمصانع وغيرها من مجالات الأعمال المختلفة تفتح أبوابها كذلك للشباب الصغار للممارسة الميدانية لديها؛ كي يكتسبوا مهارات تدريبية تسهم في تطوير هواياتهم وتمنحهم الخبرة العملية التي يستشرفون من خلالها المجال الذي سيقتحمونه وكيفية التعامل مع الواقع وتساعدهم على رسم الخطوط العريضة لمستقبلهم الذين يسهمون من خلالها في بناء الوطن وإكمال مسيرة التنمية.
علينا أن نجعل صيف الطلبة فترة تفاعلية هادفة نافعة ترفع لديهم مستويات الهُوية والقِيَم وتسهم في امتلاك المهارات والإبداع.. فمثل هذه الخطط تعد نوعا من تأسيس وتأهيل شباب المستقبل لتحمل مسؤولية البناء وتعلمهم كيفية حل المشكلات والتعامل مع الأزمات وإدارة المشاريع باحترافية وتقفز بمستقبلهم سنوات.. فالمدرسة ليست وحدها المسؤولة عن بناء شخصية الطالب.. بل البرامج الصيفية قد تسهم أيضا في إرساء الهُوية الوطنية في عقله وقبله وتمنحه المنهج الصحيح في التفكير الذي يمكنه من إكمال مسيرة التقدم بفكر متقد وروح تواقة للوصول إلى المعالي.
**********
دعوة منظمة الصحة العالمية بلدان العالم كافة مؤخرا لزيادة استثماراتها في مجال الصحة النفسية يؤكد على أن الأوبئة لم تعد تقتصر على الأمراض الجسدية التي تصيب الإنسان نتيجة فيروس أو بكتيريا ضارة.. ولكن النفسية أيضا تضربها الأوبئة بدليل انتشار الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق وغيرها من الأمراض.
لقد وصفت منظمة الصحة العالمية الوضع بأن "المعاناة هائلة" نظرا لأن هناك حوالي مليار شخص في العالم يعانون من الاضطرابات النفسية وفقا لدراسة أعلنتها الوكالة التابعة للأمم المتحدة بشأن الصحة الذهنية حول العالم استغرق إعدادها عقدين من الزمن.. وذكرت المنظمة الأممية أن السنة الأولى من جائحة كورونا ازدادت فيها نسبة الإصابة بالاكتئاب والقلق بواقع الربع فأصبح شخص من كل ثمانية أشخاص في العالم تقريبا يعاني اضطرابا ذهنيا.. ورغم ذلك لم تشهد الاستثمارات اللازمة للتصدي لهذه الحالات؛ أي ازدياد لدرجة أن نسبة أقل من 1% من إجمالي المساعدات الدولية على قطاع الصحة مخصصة للصحة النفسية وهي بالطبع نسبة ضئيلة جدا مقارنة بخطورة الوضع.
لا شك أن هناك العديد من العوامل التي ساعدت على ظهور المشكلات النفسية والأمراض الذهنية منها ضغوط الحياة وتسارع وتيرتها، ومحاولة الإنسان اللحاق بها فنراه يلهث وراء لقمة عيشه ويسعى قدر الإمكان للتكيف مع التطور التكنولوجي المذهل الذي يسير بسرعة الصاروخ.. وكذلك ما يمر به العالم من ظروف صعبة سواء على مستوى الصراعات والحروب والتي تسبب أزمات مالية خانقة.. أو احتباس حراري يرفع من درجة حرارة الأرض ويغير من مفردات الطبيعة ويشوه البيئة.. أو أمراض صحية وآخرها جائحة "كوفيد19" التي فرضت على الإنسان عزلة لم يعهدها من قبل وعملت على تغيير أنماط حياته.. ناهيك عن أنماط المعاملات نتيجة اختلاف طبيعة البشر والتي قد تسبب ضغوطا ومشاكل للإنسان تؤثر على عقله وتفكيره.
للأسف هناك اعتقاد خاطئ في مجتمعاتنا الشرقية يقلل من شأن أهمية علاج الأمراض النفسية ويعتقدون أنها "عيب" و"عار" أن يذهب الإنسان لطبيب نفسي رغم أن المرض النفسي لا يقل أهمية أو تأثيرا عن المرض الجسدي، بل إن الأمراض النفسية قد تودي بالإنسان إلى التخلص من حياته والانتحار.
لا بُدَّ من تغيير الصورة السلبية عن العلاج النفسي وتكثيف التوعية بأهميته وزيادة الاستثمار في الصحة النفسية كما دعت منظمة الصحة العالمية وذلك حتى ينعم الجميع بالاستقرار وراحة البال.