عادل سعد
بينما تتصدر ثقافة التحوُّط الاقتصادي لمواجهة احتمالات إحباط ومعوقات عمل بتأثيرات ذاتية وخارجية قد تؤدي إلى حصول انكشافات في هذا المرفق الحيوي أو ذاك... أقول بينما تتصدر هذه الثقافة بضرورات لا غنى عنها، تظل فرصة التنوع في المصادر الاقتصادية أم الجميع إذا صحَّ التعبير؛ لأنها الوعاء الذي يستطيع أن يغذي كل المجالات التي تحكم العملية التنموية بمجاليها الاثنين، التنمية الاعتيادية والتنمية البشرية المستدامتين المتكاملتين، وبمعنى مضاف هذا التنوع يضع البلاد، أي بلادٍ، أمام تعدد خياراته ويضع بيد المعنيين قدرة المداورة لتحقيق التمويل الذاتي على الصعيد الوطني العام وربما في مرحلة ما تحقيق فائض قيمة للمداورة لتسد نقوص (جمع نقص) في مجالات ما، وإذا كانت هناك عوامل تحكم هذا التوجه فإن من بينها عملية التخارج.
بالتعريف القديم التقليدي للتخارج (إنه إخراج بعضهم عن نصيبه في الميراث نظير شيء معين من التركة، أو غيرها في إطار تسوية يتم الاتفاق عليها) أما التخارج بالتوظيف الاقتصادي الشائع الآن عالميًّا يقصد به تكليف جهة ما ذات طابع تنظيمي جزءًا من المسؤولية التي تضطلع بها لصالح نفع معين وهو ما يعرف أيضًا بنظرية التخادم المتبادل، جوهر التنمية المتوازنة.
لقد لفت نظري خلال الأيام القليلة الماضية إقدام جهاز الاستثمار العُماني على تنفيذ خطة تخارج ثلاثين شركة ومشروعا بين عامي 2021ـ2025 في مجالات الطاقة والصناعة والسياحة وقطاع اللوجستيات، أي قطاع الإمدادات لكل ما يتعلق (بفن وإدارة تدفق البضائع والطاقة والمعلومات والمنتجات الخدمية من منطقة الإنتاج إلى منطقة الإنتاج الاستهلاك)، وهناك من يضيف إليها الخدمات البشرية أيضًا، إذ إن هذه المسؤولية التنفيذية على ما هي عليه من تعقد تظل بحاجة ماسة إلى جهاز احترافي يتولى مسؤولية التنفيذ، والحال بالنسبة لرؤية "عُمان 2040" يُمثِّل التخارج إحدى المحطات المهمة في زج جميع المكوِّنات الاقتصادية بالمسؤولية التنموية المرسومة وفق هذه الرؤية إلى جانب ما أشرنا إليه في مقال سابق عن الحرص الذي يحكم رؤية "عُمان 2040" من حيث تعزيز مبدأ المنافسة الشفافة، ومناهضة كل أشكال الاحتكار.
لقد أضحت فكرة التخارج واحدة من الأفكار التنفيذية التي لا بُدَّ منها مع تنوع، بل وتعقُّد العمليات الاقتصادية، فحتى في الصين الذي يوصف اقتصادها بالاقتصاد الاشتراكي أخذت تلجأ في العشر سنوات الأخيرة إلى اعتماد منظومة للتخارج تفتح للقطاع الخاص جزءًا من المسؤولية التنفيذية، وقد ظهر ذلك جليا في منطقة شنغهاي، وفي مناطق أخرى من هذه البلاد الواسعة بشريًّا وجغرافيًّا.
للتوضيح الدقيق المضاف، التخارج ليس عمليات بيع القطاعات الإنتاجية الحكومية إلى القطاع الخاص، وإنما عمليات تحفيزية لتحميل القطاع الخاص جزءًا من تنفيذ المسؤولية التنموية، بل لي أن أصطلح عليها عملية تحريك (المياه الراكدة) في القطاعات الأهلية الخاصة المؤهلة أصلًا أن تكون عناصر فعالة في التنمية المتجددة، الوضع الذي لا بُدَّ أن ينعكس إيجابيًّا على مجمل النشاطات الاقتصادية، وهكذا تتواصل مفاهيم التشاركية في أهم صورها التنفيذية الميدانية، فعلى صعيد التنمية البشرية المستدامة يسهم التخارج في توسيع فرص التوظيف والعمالة وتبادل الخبرات، وتوفير المزيد من التسهيلات لصالح النأي بالأنشطة التنموية من قبضة الكانتونات الاقتصادية المتباعدة، ويتيح في السياق فرص نمو المدخرات المالية التي تبيح للحكومات توفير المزيد من الفرص للخدمات التي تقدمها في المجالات المختلفة التي كانت من مسؤولياتها، فضلًا عن ذلك يوفر للحكومات الانصراف إلى تسديد الالتزامات الأخرى بما فيها الديون التي بذمتها، واعتماد التدوير النشط في مدخولاتها المالية ومنها رأس مال الخزينة العامة لصالح أنشطة أخرى لخدمة الصالح العام. وبخلاصة أخرى، يُمثِّل التخارج أحد المنافذ الأساسية لمفهوم التشاركية التنموية بين كل الطاقات البشرية والتقنية، وهي حاجة أصبحت منصَّة لا يمكن تجاوزها إذا أريد للتنمية أن تكون بأذرع متعددة.