د. رجب بن علي العويسي
يُمثِّل الفكر السَّامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم قيمة مضافة لبناء الدولة ورعاية مصالحها وحماية الإنسان والمحافظة على كيانه وتعزيز حضوره مواطنا منتجا وفاعلا. وتطرح الأوامر والتوجيهات والمراسيم والخطابات وعاطر النطق السامي لجلالة السُّلطان المُعظَّم منذ تولِّيه مقاليد الحكم في البلاد تحوُّلات استراتيجية جادَّة مخلصة لبناء عُمان المستقبل وتعزيز برامج التطوير الوطنية تنفيذا للوعد الذي قطعه جلالة السُّلطان المُعظَّم على نفسه "وإننا إذ نعاهد الله عزَّ وجلَّ، على أن نكرس حياتنا من أجلِ عُمان وأبناء عُمان؛ كي تستمر مسيرتُها الظافرة، ونهضتها المباركة". مبادئ حاكمة لثقافة مواطن المرحلة وموجهات لقواعد السلوك الأصيل والممارسة الواعية والمنهج الرشيد في إدارة قضاياه، ومدخلات في الضبطية المتناغمة مع روح التغيير ومحكّات التطوير وأبجديات التحوُّل في مفهوم بناء الدولة المعاصرة وتوظيفها للإرث الحضاري الماجد والمكانة التاريخية والحضارية التي تشغلها في قلب هذا العالم كيانا مؤثرا وفاعلا مدى الأزمان، وهي في تجلياتها وعمقها وتنوعها وتكامل أشرعتها، رسمت للمواطن ملامح العمل القادم وفق موجهات وأطر ومرتكزات مهنية وأخلاقية وإنسانية واقتصادية واجتماعية وإدارية تتسم بالديناميكية والمرونة والتجدد، وتحمل في ذاتها منظومة متكاملة من المبادئ والأخلاقيات والمسارات التي تحفظ مسار العمل وخيوط التواصل وروابط الانسجام بين مختلف حلقاته، وتضمن تحقق العدالة وسيادة القانون حماية للإنسان وصونا للمكتسبات، وإطارا يضمن لإنسان هذا الوطن القوة والجاهزية والكفاءة في إدارة التحول وسبر عمق فلسفة التغيير.
وبالتالي ما يتطلبه التعاطي مع الفكر السَّامي لجلالة السُّلطان من موجهات وأطر واستراتيجيات لتجسيده في واقع حياة المواطن وقناعاته وفكره وعقيدته الوطنية، لتشكل مزون هذا الفكر خريطة طريق توجِّه مسار العمل الذي يجب على المواطن أن يتفاعل معه، ويستحضره في كل مواقفه اليومية الشخصية والمهنية على حد سواء، وما يؤسسه ذلك من تجدد في طبيعة دور مواطن المرحلة، ذلك أن أجندة التغيير التي جادت بها أجندة العمل الوطنية منذ عام 2020 وحرص جلالته على الإشراف عليها ومتابعة تنفيذها والتي ارتبطت بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليات وبرامج العمل وإعلاء قيمه ومبادئه وتبني أحدث أساليبه، والتوجيه الأمثل للموارد المالية، بما يضمن خفض المديونية، وزيادة الدخل، وانتهاج إدارة كفؤة وفاعلة في التوازن المالي، وتعزيز التنويع الاقتصادي، أو غيرها من الأطر والتوجُّهات والمبادرات التي باتت تطرحها معطيات المرحلة، حول اللامركزية والإدارة المحلية وتمكين وتطوير المحافظات ومفاهيم الحوكمة والمحاسبية وقياس الأداء والمتابعة والمساءلة وترسيخ أطرها وبنيتها الفكرية بطريقة أكثر سلاسة وبما يعكس أفضل الممارسات العالمية المواءمة لمجتمع سلطنة عمان، بحاجة إلى أن يرافقها تغيير في فكر الإنسان وقناعاته ومنطق تفكيره، بالشكل الذي يضمن نقل هذه المفاهيم إلى واقع عمل واستراتيجيات أداء وأطر تنفيذ تنعكس على أداء الموظف وقناعاته حول منظور الإنتاجية المتحققة من الهيكلة وغيرها من المفاهيم والمفردات والبرامج التي لازمت رؤية عُمان 2040، بحاجة إلى فكر متجدد وثقافة رصينة يتنازل فيها المواطن المسؤول والموظف عن كل الرواسب والتراكمات التي تتقاطع مع أجندة البناء والتطوير.
وعليه، كيف يمكن صناعة حس التغيير الذاتي في فقه المواطن العُماني كنتاج لحركة التفاعل التي تشهدها أجندة العمل الوطني، بحيث تصبح الأوامر والتوجيهات وما في شاكلتها مسارات حياتية ومواقف ونماذج عملية في إنتاج الدور القادم للمواطن، الذي يتجه إلى تمكين المواطن من تجاوز مساحة الانتظار والاستهلاك إلى البحث والتعمق في فلسفة العمل ورفع سقف التوقعات في مدلولات الخطاب السَّامي، الأمر الذي سيصنع من هذه التغييرات المتلاحقة والمفاهيم المجسّدة لها فرص جديدة للعمل معا، وبيئة منافسة للعمل من أجل عُمان، ولتضيف إلى الهياكل التنظيمية والاختصاصات روحا متجددة تسري في كل محطات العمل وأبجدياته واستراتيجيات الأداء، وعندها تصبح المسألة أبعد من مجرد كونها تغييرات في الهياكل التنظيمية أو الاختصاصات والصلاحيات أو تعيينات في بعض الوظائف أو ترقيات وظيفية، بقدر ما هو تحوُّل في فكر الإنسان وتأصيل لمنهجية التفكير، وتعريض المواطن لمواقف عملية جادة في الإدارة والتنظيم والتخطيط والتقييم والمتابعة والرقابة تعكس مستوى الاحترافية والكفاءة لديه في رسم ملامح التحوُّل في التنفيذ وروح التغيير التي يجب أن تسري في حياة المواطن وسلوكه اليومي، وحجم الابتكارية التي يصنعها في أداء واجباته والوفاء بالتزاماته، فيقرأ في منظور الفكر السَّامي محطة لالتقاط الأنفاس ومساحة لإعادة هندسة الذات وترقية الممارسات ورصانة الأدوات التي تحتاجها رؤية عُمان المستقبل.
من هنا، فإن تحقيق تحوُّل على الأرض في التنفيذ المطاع للأوامر والتوجيهات السَّامية لجلالة السُّلطان وما فيها حكمها من مراسيم سلطانية سامية، يستدعي رفع درجة الجاهزية التنفيذية لدى المواطن، في ظل ما تطرحه من تحوُّلات في فقه المواطن وسلوكه وقناعاته والمزيد من الوعي والإدراك والحرص على المتابعة لها، سواء ما يتعلق منها بعمل المسؤول الحكومي ذاته وطريقة تعاطيه مع هذه الأوامر، مستوعبا لما يدور في واقع القطاع أو الوحدة التي يشرف عليها، ملتزما نهج الإصلاح ومبدأ التطوير المتوافق مع الاحتياج والمعبر عن روح المسؤولية، أو سواء ما يتعلق بالمواطن الآخر في مختلف مواقع العمل والمسؤولية، في طريقة التعاطي مع ما تحمله من دلالات نوعية تتطلب المزيد من التكامل الوطني الذي أصبح خيارا استراتيجيا يجب أن يكون له حضوره الفاعل والنوعي في أجندة العمل الحكومي، ومستوى حضور عقلية الوفرة لدى المسؤول الحكومي في توظيف هذه الفرص وإعادة إنتاجها وتقديمها للمواطن في ظل تعظيم حجم الاستفادة منها وتمكينه من استغلال كل الفرص الشخصية والنفسية والاجتماعية وإعادة إنتاجها بطريقة أخرى تتناغم مع حجم التحوُّلات المأمولة، وفي الوقت نفسه حضور المواطن واستيعابه وجاهزيته الذاتية في تكييف مهاراته وممارساته وأفكاره وقناعاته بما يتناغم مع مدلولات النطق السَّامي، وهو ما يعني إعادة تنشيط دور التعليم والبناء الفكري الاستراتيجي والوعي الاجتماعي في فتح آفاق أرحب للحوار والتكامل والتناغم مع مختلف شرائح المجتمع، بحيث تحظى بمزيد من الاهتمام والتأطير والمتابعة لها في المؤسسات وتتعاطى معها بمزيد من الاحترافية، وأن تعمل مؤسسات التعليم والإدارة وبناء الفكر الاستراتيجي على تهيئة المجتمع وتمكينه من استيعاب المعاني والمدلولات التي بات تحوُّلها، بما يضمن أن تكون هذه الموجهات حاضرة في ذاته فيتبناها عن قناعة ويعمل بها في ظل استشعار لقيمتها وأهميتها في حياته تنسج له خيوط الأمل وتبني فيه حس المسؤولية فيرفع من استحقاقاتها، ويصون مبادئها ومرتكزاتها ويحافظ على مكتسباتها ويثمّر في مواردها، فيحول هذه الأجندة والفرص الوطنية بكل تفاصيلها وفق عقلية الوفرة لجعلها منطلق للبناء والتطوير والتجديد والمنافسة والولاء والانتماء، وحس المسؤولية واستنطاق القِيَم واستنهاض المبادئ التي حملتها الأوامر والتوجيهات السَّامية من أجل عُمان الغاية والهدف والمصير.
أخيرا، يبقى الفكر السَّامي المستنير لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم رابطة القوة الوطنية في تكامل الجهود وتناغم الأُطر وتفاعل الأجندة وتحقق الأهداف، وترقية الحس الوطني، وعمق التأثير الذي يؤسسه في فقه المواطن، والتغيرات التي قد تطرأ في سلوك الفرد والمجتمع في مختلف المواقع المهنية والاجتماعية، في إدارة الأولويات، والتعاطي مع الضرورات، والتفاعل مع التحدِّيات، والتكيف مع معطيات المرحلة، واستيعاب حجم التحول القادم المرتبط بإنجاز متطلبات الرؤية، وجملة المحكات والمعايير والأدوات التي تتطلبها برامج الرؤية، وصناعة الفرص وتعظيم القيمة التنافسية المضافة بما يحمله من توجُّهات في إعادة هيكلة وتنظيم وضبط ورسم استحقاقات المستقبل، ويبقى التأكيد على أهمية التمكين والتعليم والتدريب والتثقيف والتأهيل وإعادة هندسة الذات وبناء فقه التغيير المنظم في الأفكار والممارسات، وإنتاج القدوات وصناعة النماذج الوطنية المخلصة وتنشيط حركة البحث العلمي والابتكار، محطات لبناء الرأسمال البشري الاجتماعي العُماني، رهان التنمية والحلقة الأقوى في منظومة الأداء الوطني الكفء والحوكمة وتحقيق الإنتاجية، إذ إنه من ينفذ هذه اللوائح ومن يؤسِّس لإبقائها في مسارها الأمن من التطبيق والالتزام بها، وعندها يشعر الشباب العُماني بأن ما تحمله هذه الأوامر والتوجيهات والمراسيم السُّلطانية السَّامية من تحوُّلات جوهرية في منظومة العمل الوطني، الطريق الآمن لمسيرة نجاح قادمة يسطرها أبناء عُمان المخلصون وشبابها الواعد خلف قيادة الحكيمة المجددة، أسلوب حياة ومنهج عُمان يتقاسم الجميع مسؤوليته نحوها في طريقة إدارة المستجدات والتعامل معها وكيفية فهم منطلقاتها وما تحمله من دلائل ومؤشرات في العمل الجاد المخلص والإرادة الواعية، والمنهج الحصيف، والأداء المتميز، فإن المسؤولية اليوم تحتم إعادة إنتاج هذا الفكر في فقه المواطن وتجسيد مفاهيمه ومفرداته في سلوكه وعقيدته ومبادئه وتصوراته وأولوياته وقراءاته للواقع، ومشاركة الحكومة أهدافه وطموحاته وأحلامه وآماله، لصناعة التوازنات في بناء ثقافة مواطن المرحلة، وتجديد عقيدته الوطنية والمحافظة على مكتسبات الوطن وإرثه الخالد، والفقه الذي يدير به مرافئ العمل وشطآن الإنجاز في ظل أمواجه العاتية وتأثيراته المتوقعة على أجيال الوطن وأحداثه المتسارعة "كوننا جزءا حيا من هذا العالم، نتفاعل معه، فنؤثر فيه ونتأثر به"، ليبقى التمايز في قوة الأمل والإرادة، والتفاؤل والإيجابية، والعزيمة والإصرار، والمنافسة كسب الرهان، روحا تسري في وجدان الشخصية العُمانية، حاضرة في عطائها، شامخة في مبادئها.