إبراهيم بدوي
أتذكر أول زيارة لي لمدينة الدقم قبل أكثر من عقد من الزمان، وهي زيارة إعلامية لتغطية افتتاح ما يخص ميناء الدقم، لا تسعفني الذاكرة على استرجاعه. لكني رغم ذلك أتذكر تلك المدينة البكر التي كانت وقتها مجرد مخططات ولافتات تشير إلى مشاريع مستقبلية، تشمل كافة القطاعات الحيوية التي تقوم عليها رؤية عُمان 2040، وتمتلك سلطنة عُمان الحبيبة مقوِّمات واعدة بها، وأتذكر حوارا مطولا دار بيني وبين أحد الأصدقاء والزملاء من أبناء عُمان، حيث كان صديقي يتحدث بنبرة يملؤها التشاؤم عن هذه المدينة، وتأكيده دوما على أن حجم الأموال التي تنفق في هذا المشروع لا تواكب المنتظر منه، في حين كنت أؤكد له أن هذه المدينة وما بها من بنى أساسية، حرصت سلطنة عُمان على استثمار العوائد النفطية لتحقيقها، سيكون لها مردود اقتصادي كبير، سوف يصنع مستقبلا باهرا لأبناء عُمان في المستقبل القريب.
وارتكنت توقعاتي تلك على ما تملكه تلك المدينة من مقوِّمات متفردة، ستجعلها قبلة استثمارية بحكم موقعها الجغرافي، والتخطيط الجيد لها منذ أول لبنة، وما بها من بنى أساسية أقيمت برؤية تعبِّر عن المستقبل. ولعل هذا ما تجلَّى لصديقي الذي تحوَّل التشاؤم لديه إلى تفاؤل، رغم العثرات التي واجهت هذا المشروع، جراء الأزمات الاقتصادية العالمية المتتالية، التي بدأت بأزمة انخفاض أسعار النفط، لكن حجم المنجز الذي كنا نشاهده خلال الزيارات المتعددة للمدينة وللمنطقة الاقتصادية، برغم أنها زيارات متقاربة، كان كفيلا بأن يزيد من طموحات الصديق، ويؤكد رؤيتي المحايدة، التي كانت ولا تزال ترى في الدقم مستقبلا للتجارة العالمية وليست الإقليمية؛ كونها واقعة في قلب طريق التجارة العالمي، وأن الاستثمار في هذه المدينة الساحرة، سيكون له مردود كبير على ما يتعزم الاستثمار بها، هي وأخواتها من المدن الصناعية والاقتصادية في سلطنة عُمان الحبيبة.
ولعل هذا الحوار والجدال مع صديقي جعلني بشكل ما أنتمي للدقم، وأدافع عنها وعن ما تملكه من مقوِّمات، وجعلني رغم عودتي إلى وطني دائما ما أنتظر أخبارا عن التطور المستمر الذي تشهده تلك المدينة التي أضحى لها مكانة خاصة في قلبي، ولا أدري لما مرَّ على ذاكرتي هذا الشريط من الذكريات، لكنني عندما وجدت أثناء تصفحي اليومي لأخبار السلطنة، التي ابتعدت عنها جسدا لكني حريص دائما كل صباح على الدخول على موقع جريدة الوطن ووكالة الأنباء وتصفح أخبار سلطنة عمان، وجدت عددا من الأخبار التي تشير إلى حجم التطور اللافت الذي تشهده مشاريع مدينة الدقم، خصوصا منذ تولِّي جلالة السُّلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم، ويوميا نجد العديد من الأخبار التي تشير إلى تطور ما في مشاريع الدقم، التي كانت لافتات، ظن البعض أنها إهدار للمال العام، لكنها أضحت صرحا عملاقا، سيعزز توجُّهات سلطنة عُمان نحو التنويع الاقتصادي، وسيحقق قيمة مضافة للثروات الطبيعية العُمانية.
فالميناء الذي كان عبارة عن رصيف واحد، اكتملت مرافقه المتمثلة بالأرصفة التجارية والحكومية والمواد السائلة والسائبة جاهزة، وأضحت تقوم بعملياتها بكل طاقاتها الاستيعابية. وبحسب خبر صحفي، فإن شركة ميناء الدقم تعمل بشكل مكثف مع الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة لتركيب رافعات جديدة ستكون علامة فارقة في مناولة الحاويات في الميناء، وستستلم في مطلع العام القادم عددًا من الرافعات، بالإضافة لرافعات جسرية بإطارات مطاطية ليصل العدد الإجمالي لمعدات المناولة الثقيلة عند ٧ رافعات متنقلة وآلية و١٢ رافعة جسرية بإطارات مطاطية، ما يؤكد أن عمليات التطوير بالميناء تجري بشكل متسارع يُلبِّي الطموحات المستقبلية للمستثمرين على تنوعهم، في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم. كما يُعدُّ مصنع كروة للسيارات بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم نقلة نوعية في الصناعة العُمانية، وإضافة جيدة لتعزيز القيمة المضافة للقطاع الصناعي، ويؤكد أن الدقم مدينة المستقبل قادرة على احتواء كافة المؤسسات الصناعية والتجارية في كافة القطاعات، وأنها بما تملكه من إمكانيات، أضحت فرصة كبرى للساعي للاستثمار الطويل الأجل، فسلطنة عُمان والدقم بجانب الحوافز التي تقدمها تمتلك ميزتي الأمن والاستقرار، في عالم يفتقد تلك الميزات جراء التشنجات والصراعات.