عبد الرحمن بن أحمد بن حمد الخليلي
كتب أحد المغردين في حسابه على “تويتر” انتقاده لما شاهده من توافد بعض السائحين في الأسواق والأماكن العامة بلباس يخدش الحياء ويتنافى مع تعاليم ديننا الحنيف والقِيَم والأعراف، التي تعكس الهُوية العُمانية ويطالب الجهات المختصة بوضع حد لانتشار هذه الظاهرة؛ وذلك بسن قوانين ولوائح منظمة تتوافق مع المنظومة الأخلاقية العُمانية يلزم بها كل مقيم وزائر إلى السلطنة.
وقد تباينت وجهات النظر حول هذه المطالب بين مؤيد لسنِّ نظم وضوابط تحفظ للمجتمع أخلاقه وقِيَمه ومعارض يرى أن هذه الضوابط تتعارض مع الدعوة لتحسين الحركة السياحية في البلد والتي أصبح الانفتاح مع الآخر أحد أهم عواملها. ولعل تباين الآراء واختلاف وجهات النظر في القضايا العامة شيء متوقع، إلا أن الأمر المستنكر هنا هو بعض ردود الأفعال التي تنافي الدين والقِيَم وتنم عن انهزامية وضعف لدى البعض كمن يقول “إذا ألزمنا السائح باللباس الساتر ما أحد قائم يجي بلادنا” ومن يقول “هم يسمحوا بلبسنا في بلادهم فيجب أن نسمح بلباسهم في بلدنا” أو تنم عن انتقاد سلبي لمن يتبنى موقف المحافظة على الأخلاق الفاضلة كمن يقول “هذه حرية شخصية” أو “يا أخي غض بصرك وامشي وما لازم تشوف غيرك” وكأنّ القضية هي أن المنتقد زاغت عينه في ما رآه!! في الحقيقة أن هذه القضية ليست قضية “غض بصرك وامشي” أو قضية “هم يسمحوا بلباسنا فيجب أن نسمح بلباسهم” بل القضية أكبر من ذلك فهي قضية دين وأخلاق وقِيَم، ومن يتنازل عن القِيَم والمبادئ فهو عرضة أن يفقد ذاته وهُويته، وحتى نستطيع أن نسلط الضوء على هذا الموضوع دعونا ننظر إليه من بعض زواياه المختلفة:
أولا: هل صحيح أن عمل ضوابط للباس يقضي على الحركة السياحية كما يقال؟ حتى نعرف ذلك دعونا نبين حدود الضوابط المطلوبة التي تنادي بها أغلب شرائح المجتمع، إن أغلب المطالب تنصبُّ في اللباس الساتر الذي لا يخدش الحياء، بل ينادي البعض بستر أعضاء الجسم التي لم يألف المجتمع رؤيتها وإظهارها في الأماكن العامة وهي المنطقة بين الركبة والأكتاف، فهل في ذلك أي مشقة على السائح؟! من الطبيعي أن يكون الجواب (لا) لأنه يطالب بلبس ما يلبسه عادة في بلده كالبنطال أو التنورة الطويلة للنساء، فكيف تكون سببا في التأثير على الحركة السياحية؟ ثم إنه لا يوجد أي بلد إلا وفيه ضوابط ونظم تلزم كل من زاره أن يلتزم به ويتقيد بنظامه، فهل كان لهذه النظم والقوانين أي تأثير على الحركة السياحية فيها؟ وهل خشيت هذه الدول تأثير هذه النظم والقوانين على سياحتها؟ أذكر مثالا أني كنت في بلد أجنبي مع رفقة من إخواني العُمانيين، وزرنا متحفا يسمى متحف الشهداء وكنا بزيِّنا العُماني وما أن اقتربنا من البوابة حتى ابتدرنا حارس الأمن بطلب خلع القبعة احتراما للشهداء ـ حسب تعبيره ـ فلم يخش بفعله أن يقضي على الحركة السياحية في بلده، وفي المقابل لم نجد نحن أي غضاضة في اتباع النظم والقوانين المطبقة لديهم، ولعل من المناسب أن نشير إلى أن من أكثر المواقع التي يزورها السائحون في سلطنة عمان هو جامع السلطان قابوس الأكبر وهو المكان الوحيد الذي يفرض اللباس الساتر لكل من يزوره! فهل كان اللباس الساتر سببا في ابتعاد الزائرين عنه؟ لا أظن ذلك إطلاقا. ثانيا: من عادة السائح أنه يريد التعرف على البلد وثقافته وحضارته ولذلك فهو لا يأتي إلا وهو مستعد لاتباع أنظمة البلد الذي يزوره، بل في كثير من الأحيان هو يرغب في معرفتها ويسعى للالتزام بها لأنه لا يرغب في عمل أي شيء يستنكره البلد الذي يقصده، فإذا علم أن المجتمع لا يقبل أن يظهر بهذا اللباس تجده في الغالب سرعان ما يلتزم ـ إذا ما تم إبلاغه ـ لكن للأسف قليلا ما نجد من يهتم بإبلاغ السائحين بذلك.
ثالثا: يقارن البعض بين ما ينبغي معاملة السائح به في سلطنة عمان وحرية اللبس العربي في بلاد الغرب، وهذه مقارنة غير منطقية وبعيدة عن الصحة، فإن السماح باللباس العربي في الغرب ليس احتراما للعرب ولا مراعاة لهم بل لأن اللبس العربي لا يتعارض مع القوانين والأنظمة المعمول بها في هذا الشأن، وإلا لما سمح للمخالف أن يتحرك شبرا واحدا دون الالتزام بالنظام، ومن الأمثلة على ذلك قانون منع لبس النقاب للنساء في بعض البلاد الأوروبية فإنه لا يسمح لأي امرأة بالدخول إلى تلك البلد منقبة وإذا ثبتت عليها أي مخالفة سرعان ما يتم إلقاء القبض عليها ومحاسبتها، كما أن هذه البلدان نفسها ـ مع أنها ترفع شعار الحرية ـ لا تسمح باللباس غير الساتر في بعض المرافق كالكنائس ودور العبادة مع أن ذلك اللبس مقبول في مجتمعهم، فكيف لنا أن نسمح به ومجتمعنا لا يقبله إطلاقا ويتنافى مع تعاليم ديننا الحنيف؟
تكتفي بهذا القدر وللموضوع بقية بإذن الله..