[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” .. في محافظة مسقط تقدم لنا الأمطار صورة دقيقة عن طبيعة الأرض ومكوناتها من جبال وسهل ومجار للأودية والشعاب ... (( خلال فترات سقوط الأمطار )) وتداخلها مع التوسع العمراني ودرجة اختلافها من مكان لآخر والإطلاع على مزايا وعيوب كل منها من حيث القدرة على امتصاص المياه من عدمه والتي تحكمها صلابة الأرض ورخاوتها,”
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
ارتبطت معدلات ومناسيب هطول المطر في كل منطقة وبلد بتصنيفها الجغرافي والبيئة التي تتميز بها ومواسم الرياح على مدار السنة, وعلى ضوئها تنشأ الحياة وتتسع وتتطور أو تنعدم, وتتسع الأراضي الزراعية أو تنكمش وتنتعش الحقول ويكون الانتاج وفيرا من عدمه, فالحياة في مجملها تتوقف على مناسيب الأمطار ومواسم سقوطها, والحضارات والمدن قامت على ضفاف الأنهار وفي المناطق الخصبة, وقد حرص الإنسان على إقامة مدنه ومناطق سكناه بعيدا عن مجاري الأودية والأنهار وفي مواقع مرتفعة وآمنة لتجنيبها مخاطر الفيضان وأضرار التدفق الغزير, فالأمطار والحياة والتخطيط السليم مقومات أساسية ارتبطت ارتباطا وثيقا بالإنسان وقدمت اجابات للكثير من الأسئلة ذات الصلة بمناطق استيطانه وحياته الاجتماعية والاقتصادية والحضارية, وتطور الحياة وتوسع المدن وتقدم الشعوب والمجتمعات والدول, فلا حياة مستقرة بدون أمطار وتخطيط سليم. والمطر جزء أساسي في ثقافة وذاكرة وتاريخ ومعتقدات الشعوب وفي رسم خارطة وجودها, ومن يطلع على هندسة وبناء واختيار مواقع وتصميم المدن والقرى العمانية المنتشرة في السهول وسفوح الجبال والأودية والشواطئ ... ويدرس شكل الحياة وتطورها واقامة الأفلاج وتصريف المياه والاستفادة من المواسم واستحداث النظم الخاصة بحصص المياه وأنواع الزراعات والانتاج ... يجدها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمطر ومجاريه وثقافته وتداخله في تفاصيل الحياة العامة للإنسان. فالأمطار نعمة من نعم الله الواسعة والمتعددة على الإنسان, ترفع مناسيب المياه وتبشر بمواسم حصاد جيدة وتغسل الأرض والشجر والجبال وتبعث الشعور بالتفاؤل والراحة في النفوس علاوة على أنها تلهم المبدعين بأجوائها البديعة على تقديم أفضل ما عندهم من إبداع, ونتمنى أن تظل دائما أمطار خير وبركة, وفي محافظة مسقط تقدم لنا الأمطار صورة دقيقة عن طبيعة الأرض ومكوناتها من جبال وسهل ومجار للأودية والشعاب ... (( خلال فترات سقوط الأمطار )) وتداخلها مع التوسع العمراني ودرجة اختلافها من مكان لآخر والإطلاع على مزايا وعيوب كل منها من حيث القدرة على امتصاص المياه من عدمه والتي تحكمها صلابة الأرض ورخاوتها, حركة المياه واتجاهاتها, مستوى تدفقها, تصريفها, تشكل الفيضانات, ... وتضعنا الأمطار أمام اختبار حقيقي عن مستوى كفاءة التخطيط والمخططين, ومدى قدرتهم على توظيف الخبرات المتراكمة والمكتسبة من مواسم الأمطار المتساقطة خاصة الكثيفة منها في التعرف على مجاري الأودية الحقيقية, منابعها, مصابها, مستوياتها, حجم كل منها وقدرتها في استيعاب المياه المتدفقة وإعداد الدراسات التخصصية التي من شأنها رفع كفاءة التخطيط للمشاريع المستقبلية ومعالجة الأخطاء الواقعة بالنسبة للمشاريع القائمة أو تلك التي ما زالت في طور التنفيذ ما أمكن ذلك درءا لمخاطر الفيضانات وحرصا على سلامة الناس من الحوادث التي تسببها البرك المائية في الشوارع الرئيسة ومن جرف الأودية في المناطق السكنية الواقعة على مسار الأودية , وحفاظا على مقدرات البلد وإنجازاتها من الأضرار التي تسببها الأمطار الغزيرة خاصة وأن العالم يتعرض في السنوات الأخيرة لكوارث طبيعية لم تكن معهودة , والفيضانات التي تسببها الأمطار الكثيفة أشدها بروزا وأعظمها تأثيرا على الإنسان , وشهدت المناطق الواقعة على شواطئ المحيط الهندي والبحر العربي أسوء فيضانات خلال العام 2007م , يعزى سببها إلى تغير المناخ أو ما يسمى ب (( الاحتباس الحراري )) وهو ما يضعنا أما مسئوليات مضاعفة تتطلب أقصى درجات الجاهزية والاحتياط , ويأتي في هذا الإطار ما لن تنساه الذاكرة, وهو ما مرت به البلاد في منتصف العام 2007م , وتكرر في العام 2010م , من أنواء مناخية استثنائية , خلفت أضرارا جسيمة بالبنية التحتية , في شبكات الطرق والكهرباء والمياه والهاتف وفي منازل المواطنين وممتلكاتهم من مزارع وحيوانات ومحلات تجارية وفي عدد من المؤسسات الحكومية والخاصة, ومعظم تلك الأضرار سببتها مياه الأودية الجارفة التي انطلقت من قمم الجبال الشاهقة التي تتسم بها أراضي السلطنة, وقد سلمت حياة وممتلكات من كان بعيدا عن مجاري الأودية, بل بالكاد شعروا أن أنواء مناخية استثنائية قد مرت على أجواء البلاد إلا بعد خروجهم للتفقد والإطلاع ومشاهدتهم ما حل بإخوانهم في تلك المناطق, وقد كتب وقيل الكثير عن هذا الحدث الاستثنائي وحظيت قضية التخطيط والاعتداء على مسارات الأودية وعدم تقدير مستوى المياه التي تضخها الجبال خلال الأمطار الغزيرة في هذه المسارات الأولوية في الكتابة وفي المناقشات العامة والخاصة نقدا وتحليلا تبعتها الكثير من الأفكار الجيدة والمطالبات المتواصلة بأن يوظف هذا الدرس الاستثنائي توظيفا يراعي مصلحة العباد والبلاد وأن تعاد للأودية مساراتها الصحيحة وترسم الطرق والمشاريع بمنهجية تراعي الظروف الطبيعية للأرض العمانية وتوضع كل الوسائل الحمائية التي من شأنها حماية المدن السكنية من جرف الأودية وصدرت الأوامر السامية بأهمية العمل على حماية المواطنين والمناطق السكنية ومكتسبات النهضة من أية مخاطر محتملة للأنواء المناخية والأمطار بصفة عامة .. وسبقت هذه الحالة وشهدت البلاد بعدها مواسم مطرية على فترات مختلفة أبانت ومن خلال الارتفاع الملحوظ في نسبة الحوادث التي تتسبب فيها البرك المائية المتشكلة في عرض الشوارع الرئيسية التي لم تجد التصريف الفاعل , وما خلفته من أضرار جسيمة على المنشآت والمنازل (( أبانت)) عن أخطاء كثيرة في التخطيط لم يراع مسارات الأودية, ولم يحفظ للشوارع توازنها المطلوب, ولم يحظ بعضها بمواصفات ومقاييس تحميها من المياه القوية, وفي نوفمبر من العام 2011م , أدت الأمطار التي لم تستمر لأكثر من نصف الساعة إلى إغراق مستشفى النهضة ومعه مئات السيارات الخاصة وعدد من منازل المواطنين في مناطق سكنية مزدحمة بالسكان في الحمرية والولجة وروي ودارسيت ... وبثت مئات الصور لمشاهد الأودية والشراج والمياه المتدفقة وهي تعبث بالأسواق والمنازل والسيارات وتثير الفزع والاستغراب وعلامات التعجب بين الناس والسياح وزوار السلطنة, مسببة الكثير من الفوضى والخسائر والقلق, وقد كانت لمجلس الشورى وقفة في التحقيق في حادثة غرق مستشفى النهضة وما سببه ذلك من خسائر كبيرة في المال العام وعلى صحة المواطنين وعلى الصورة العامة للمشاريع والخدمات الحكومية بشكل عام في الداخل والخارج, وقد أعد المجلس تقريرا شاملا عن الموضوع أحاله إلى مجلس الوزراء متضمنا الكثير من الحلول بعد زيارة للمستشفى ولقاءات موسعة وتعرف لأسباب الغرق ونتائجه .. وها هو السيناريو يتكرر من جديد في أمطار طبيعية وسريعة تشهدها كل مناطق العالم , ففي مساء يوم الاثنين الماضي وبعد أمطار خاطفة لم تستغرق كذلك أكثر من نصف الساعة, كانت النتائج التي عكست سوء التخطيط وعبرت عن اهمال وتجاوز أو تناسي كل الدروس التي تمت الإشارة لها غير متوقعة, فقد أدت الأمطار وللمرة الثانية إلى غرق مستشفى النهضة ونقل المرضى منه والغاء مواعيد العمليات والمراجعات لعشرات إن لم يكن مئات المرضى, وإغلاق طريق بوشر العامرات وهو طريق حيوي وهام وحديث, وإغلاق جزء من شارع السلطان قابوس وهو الشارع الرئيسي الوحيد, وتكررت ذات المشاهد الخاصة بغرق السيارات والشوارع ودخول المياه إلى المنازل والأسواق وغير ذلك مما أثار الاستغراب ومعه عشرات الأسئلة التي لم تجد إجابة واحدة, وأدت الصور التي تناقلتها وسائل التواصل والاعلام الرسمي بمختلف قنواته والمشاهدة المباشرة إلى بيئة خصبة للتندر والتعليقات والغضب بين المواطنين, وإلى تحقيقات صحفية ونشر الكثير من المقالات المتخصصة, وزيارة ميدانية قام بها مجلس الشورى إلى المستشفى, ووزعت عشرات المقاطع والتصريحات لمسئولين تتضمن اشادة ودعما لمشروع أو طريق على أنه صمم على أفضل المعايير الحديثة أثناء مناسبة افتتاحه في حين أن الصورة تحكي شيئا آخر غير ذلك , ولعضو المجلس سعادة علي القطيطي في عام 2011م , في مداخلته مع وزير الصحة, وهو يتنبأ بغرق مستشفى النهضة مرة أخرى لأن المسئولين لا يأخذون بالدروس التي تقدمها الأمطار.