المتتبع لمسيرة المعارضة السورية يرى تطويرا لخطابها ولمطالبها بين ما وصلت إليه اليوم وبين تحدياتها في السابق ومطالبها التي جرت عليها أن تظل بعيدة عن الواقع السوري، وعن إمكانية البحث عن حل لأزمة بلادهم التي استعصت على الحلول، ولعبت تلك المعارضة دورا في ذلك.
فبالأمس، التأم معارضون سوريون من جهات مختلفة في العاصمة المصرية القاهرة، تباحثوا في أمور بلدهم، واكتشفوا بعد خمس سنوات تقريبا من أزمتها أن تبعثرهم مشكلة ما زالت قائمة وهي تؤثر في البحث عن أي حل، لكنهم توصلوا الى أمر هام وهو بيضة القبان في مجريات الأمور، فقد أكد بيانهم الذي اتفقوا عليه وأصدروه بالاجماع تقريبا، أن لاحل في سوريا سوى الحل السياسي، إضافة إلى أن الأهم في ذلك البيان هو عدم الإشارة إلى تغيير النظام أو الاقتراب من مكانة الرئيس بشار الأسد، الأمر الذي سيسهل عليهم الاقتراب من الهدف، رغم البعثرة التي يعانون منها، والتي ستترك دائما آثارها على واقع الأزمة برمتها.
بدت إذن العاصمة القاهرة وكأنها لعبت دورا في نقاط عديدة أكدها بيان المعارضة، ومن يعد إلى كلام للرئيس المصري عبد الفتاح السياسي حول الأزمة السورية، يمكنه ان يتعرف على رأي صريح لمصر مفاده أن مصر مع أي حل سياسي، وأنها تعتبر نفسها شريكا في البحث عن حل للازمة السورية، وأن سوريا بالنسبة لمصر هي أكثر من شقيقة.
أما وإن تلك الضوابط قد حصلت، فمن المحتمل أن يأخذ الاجتماع الجديد للمعارضة السورية غدا في العاصمة الروسية موسكو طريقه الى الالتئام بمن حضر كما أعربت روسيا عن ذلك، ولابد أن يكون البيان الذي صدر في القاهرة مقدمة لما ستكون عليه في موسكو التي تسعى لرأب الصدع بين المعارضة أولا، ثم بينها وبين الدولة في سوريا, وموسكو الحريصة على الحل الشامل في سوريا، تهتم جدا بأن تتمكن المعارضة من التوافق فيما بينها، ثم فتح الطريق نحو المساهمة في الحل الفعلي الذي لم يعد غيره مدخلا لانهاض سوريا من أزمتها.
ولاشك أن الحكومة السورية التي ستتمثل في اجتماع موسكو ستبدي حرصها الشديد على انجاح المؤتمر إيمانا منها بأن لدى السوريين امكانية كبيرة لحل أزمات بلادهم، أما اولئك من بعض أطراف المعارضة الذين يضعون العصي في دواليب المسيرة، فقد بات مشكوكا في أمرهم كسوريين لايريدون حلا ولا يسعون إليه بل يساهمون في عرقلته، وهؤلاء لم يعد يهمهم الحالة المزرية التي وصلتها سوريا على كل الصعد، بل إنهم في غاية الاستئناس بما يعيشونه في فنادق خمس نجوم ومن أموال ترمى عليهم ومن سيارات فارهة، في الوقت الذي ملايين الشقق دمرت في بلدهم وآلاف الشوارع تخربت والليرة على تراجعها وآلاف الشهداء من جيش وشعب مازالوا يسقطون، والاقتصاد على المحك، والخوف والقلق يتعايشان في داخل كل سوري مقيم أو نازح أو مهجر، وهؤلاء النازحون والمهجرون بلغوا اليوم تسعة ملايين تقريبا، وهؤلاء الرافضون للحوار والحل السياسي يوفرون بموقفهم هذا المظلة السياسية للفصائل الارهابية ( داعش وأخواتها) وللمزيد من التدخلات السلبية في الأزمة السورية، فأي حكمة وأية عدالة الابتعاد عن أي حل يساهم في إعادة سوريا إلى صحتها وعافيتها المعروفة.