يُعد قِطاع السياحة أحَدَ القِطاعات المهمَّة التي تعمل رؤية "عُمان 2040" على تطويرها؛ نظرًا لِمَا تملكه سلطنة عُمان من مُقوِّمات سياحية رائدة ومتفرِّدة تنتظر الاهتمام اللائق، مُقوِّمات تمزج بَيْنَ البيئات الطبيعية المختلفة البحرية منها والصحراوية، وتسعى ـ في سبيل تحقيق ذلك ـ إلى الحفاظ على بيئتها المتعددة بكرًا، لتشكِّل عامل جذب سياحي مهمًّا، يُسهم في إحداث التنويع الاقتصادي المنشود، ويوفر المزيد من فُرص العمل للسكَّان المحلِّيين في مناطقهم السياحية، بالإضافة إلى توفير فُرص كبرى للمؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة ذات النشاط السياحي أو المرتبطة به. فالتنمية السياحية ـ إنْ وُجدت ـ تعمل على إحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة في أماكن وجودها، وتُسهم في تحسين أسلوب ونمط الحياة الاجتماعية والثقافية لعموم أفراد المجتمع. لذا تسعى الاستراتيجية العُمانية للسياحة إلى توفير عوامل الجذب التي تشجِّع المستثمرين على إنشاء المشروعات السياحية؛ نظرًا لقدرة قِطاع السياحة على إيجاد التشابكات مع بقية الفروع والأنشطة الاقتصادية الأخرى، التي تحقق أهداف الدولة في تحقيق التنمية الشاملة المستدامة.
ولعلَّ أبرز ما تعمل عليه الاستراتيجية السياحية العُمانية، هو الحفاظ على البيئة كعامل جذب للمنتج السياحي العُماني المتنوِّع، ومن أفضل الطرق للحفاظ على البيئة هو إنشاء وإقامة المحميَّات الطبيعية وحمايتها، وتطويرها للحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي والثروات الطبيعية بها. وتعمل سلطنة عُمان على تحقيق ذلك من خلال تطوير طرق إدارة المحميَّات طبقًا للنُّظم العالمية التي تحافظ على الموارد مع تعظيم فُرص الاستمتاع بها لتوفير تجربة سياحية بيئية فريدة تضاهي المستوى العالمي، وتمتلك السَّلطنة سجلًّا حافلًا في مجال المحميَّات الطبيعية منذ انطلاق دولتها الحديثة، فقد حرصت أثناء توجُّهها التنموي على العمل على حماية البيئة الطبيعية العُمانية، وصون التنوُّع الأحيائي بها، والحفاظ على مُكوِّناتها، كحقٍّ أصيل للأجيال القادمة.
وانطلاقًا من هذه الرؤية السَّامية، جاء المرسوم السُّلطاني رقم (54/2022) بإنشاء محميَّة المنتزه الوطني الطبيعي بمحافظة مسندم، تجسيدًا لِمَا تزخر به المحافظة من تنوُّع جغرافي ثري وبيئة طبيعية ومُقوِّمات جاذبة للسياح من مختلف دول العالم، وتعبيرًا عن اتِّجاه سلطنة عُمان نَحْوَ تحقيق تنمية تتَّسم بالاستدامة، وتحافظ على البيئة العُمانية، حيث تبلغ مساحة المحمية (1149.40) كم2، وهي تشمل تسع جزر بحرية، والسواحل والمياه الضحلة البعيدة عن الشاطئ والخيران والخلجان، حيث تُعد الجزر من أهمِّ المواقع التي لم تتأثر بالتدخلات البَشَرية، وهي ذات أهميَّة وطنية وإقليمية، فضلًا عن كونها مناطق آمنة لتعشيش عدَّة أنواع من الطيور البحرية والبرية، كما أنها تحتوي على مناظر طبيعية خلابة ويمكن أنْ تُعد متحفًا طبيعيًّا، وتتكون تلك الجُزر من صخور جيرية ناتئة وشعاب مرجانية قديمة حيث يظهر المرجان للعيان، وتتضمن منحدرات صخرية شديدة الانحدار، وتحدُّ بعض الجُزر جروف رملية ضحلة وواسعة ونطاق مرجاني بارز.
وتزخر محميَّة مسندم بأنواع مختلفة من الشعاب المرجانية والطحالب والأعشاب البحرية التي تجذب إليها الأسماك والكائنات البحرية الأخرى، كما توجد في المنطقة السلاحف الخضراء والشرفاف للتعشيش والتغذية، وكذلك تُعد مواقع ذات أهمية عالية لحماية الحياة الفطرية من حيث وفرة الأسماك وتنوُّع الشعاب المرجانية، وتُعد أنشطة الغوص والصيد البحري من أكثر الأنشطة ممارسةً مما يتطلب حُسن إدارتها للمحافظة على قيمتها بالنسبة للحياة الفطرية والترفيهية، وهو ما أكدته هيئة البيئة التي أكدت أنَّها ستعمل على الفور لوضع المرسوم السُّلطاني السَّامي موضع التنفيذ بالتنسيق مع الوزارات والجهات المعنية لضمان إدارة هذه المحميَّة الإدارة المُثلى، وإصدار القواعد المنظمة وفق الأبعاد والحدود التي أقرَّها المرسوم من حمايةٍ وحفظٍ للثروات الطبيعية العُمانية، التي سيكون لها دَوْرٌ حيَوي في إحداث نقلة في النشاط السياحي في المنطقة.