إن الأسرى الفلسطينيين يهبون الحرية لكافة أبناء الوطن العربي، فلك أن تتخيل أن أكثر من (233) أسيرا انضموا إلى قائمة «عمداء الأسرى» وهو مصطلح يُطلقه الفلسطينيون على من مضى على اعتقالهم أكثر من 20 سنة على التوالي..
عندما تسمع أو تقرأ قصصا من قصص الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال منذ عقود، خصوصا أصحاب المحكوميات العالية، الذين أمضوا زهرة شبابهم في سجون دولة الاحتلال الإسرائيلي، تتساءل وأنت منعم بنعمة الحرية واستقلال الوطن: لماذا يدفع هؤلاء هذا الثمن الباهظ، ويتحملون أقصى أنواع القمع والإرهاب والاضطهاد؟ ما الذي يدفعهم ليضحوا تلك التضحية الكبرى؟ لماذا لم يسعوا للهجرة أو يحاولوا التعايش مع الوضع القائم؟ وصدقني لن تجد الإجابة الشافية، لإدراك هذا الوضع الفلسطيني الفريد، بالإدراك يحتاج أولا أن تكون فلسطينيا، نشأت في بيت موجود في حي يتحدث كله عن عودة الحقوق، وتتناقل الألسن سير المذابح والمآسي، التي مرَّ بها الأجداد، فالأُم التي اِختَرَمَ الموت بنيها في الوضع الطبيعي، تنسى طعم الأفراح وتظل في حالة حزن ما حيت، لكن الأُم الفلسطينية هي من تدفع الأبناء للنضال، وهي التي تزغرد عزة وكرامة، عندما تسمع خبر الشهادة، إنها من تزرع حب الوطن في الأبناء، وترضعهم حقوقهم المسلوبة مع اللبن.
ناهيك عن كم المعاناة اليومية التي يعيشونها، وكم ما يتعرضون له من عنف وقمع وإرهاب ممنهج تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي، وسط صمت عالمي وتآمر يدركه القاصي والداني، هي مجموعة أشياء شكلت الوعي والإدراك الفلسطيني، وجعلتهم يضحون بكل غالٍ ونفيس لتحقيق الاستقلال الوطني، والعيش بكرامة في أرضهم المسلوبة. وأذكر يوما أني ناقشت صديقا فلسطينيا عن هذه القدرة الفلسطينية الفريدة، فكانت الإجابة مفاجئة بالنسبة لي، حيث أكد صديقي أن النضال والعيش في الأسر، أو الاستشهاد، يؤكد حرص أبناء فلسطين على الحياة، وتمسكهم بالأمل، فلو شعروا باليأس لكان الوهن أصابهم وتعايشوا مع الاحتلال، لكنهم لا يزالوا يأملون رغم العقود السبعة في وطن حر، يعيشون فيه مثل باقي شعوب العالم، لدرجة أنه أكد لي أن تلك المشاعر ليست حكرا لأبناء فلسطين في الداخل، لكنها مزروعة في قلب وعقل ملايين الفلسطينيين في كافة ربوع العالم، وأكد كلماته بأن أبناء فلسطين لا يزالون يتوارثون مفاتيح منازلهم التي هجروا منها، ولا يزالون يطمحون بالعودة، وأكد أننا لو أردنا دولة لكانت، لكن حلم وحق العودة، والحقوق الكاملة، يجعلنا نختار الطريق الأصعب.
منذ ذلك الحوار أدركت أنك لن تستطيع التفكير ولا أن تفهم كونك فلسطينيا، إلا عندما تكون فلسطينيا، شعرت بما شعروا به، سواء كانوا في الداخل أو الخارج، وسأعود وأكرر بأن أبناء فلسطين كانوا ولا يزالون الباب الذي منع عنا ويلات الكيان الإرهابي الغاصب، التي يدرك كافة أبناء العرب أطماعه الممتدة من النيل إلى الفرات، ولولا النضال الفلسطيني، ووقوف الفلسطينيين بنضال منقطع النظير، لكان ما كان وتحقق ما لا نحب أن يتحقق من أطماع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لذا فأظل أكرر أن مساندة الفلسطينيين ليس مجرد واجب أخوي، لكنه حماية للذات، فإذا فرغ هذا الكيان وقضى على النضال الفلسطيني لوجدناه يقمع ويرهب العرب في كافة الحواضر التي يطمع في السيطرة عليها.
إن الأسرى الفلسطينيين يهبون الحرية لكافة أبناء الوطن العربي، فلك أن تتخيل أن أكثر من (233) أسيرا انضموا إلى قائمة “عمداء الأسرى”، وهو مصطلح يُطلقه الفلسطينيون على من مضى على اعتقالهم أكثر من 20 سنة على التوالي، 233 أسرة فلسطينية فقدت ابنا أو ابنة لأكثر من 20 سنة، 233 تصر دولة الاحتلال أن لا تفرج عنهم، إرهابا لأبناء شعب فلسطين بالمصير المنتظر، فكثير من عمداء الأسرى ناضلوا حتى وافتهم المنية، وبدلا من أن يحققوا أهداف دولة الاحتلال، كانت أرواحهم أيقونة، تدفع أبناء فلسطين نحو مواصلة النضال، وتدفعنا نحن للتساؤل دون إدراك كونك فلسطينيا.

إبراهيم بدوي
[email protected]