هذا غزو خطير وخفي ومعلن، قد تفوق الكوارث التي يتسبب بها الغزو العسكري الذي قادته الولايات المتحدة قبل ما يقرب من عقدين. إنه غزو المخدرات الذي أصبح حديث العراقيين، ولا يمرُّ يوم دون حديث وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عن “آفة المخدرات” التي تنهش شباب العراق وبصورة مرعبة وغير مسبوقة على الإطلاق.
تحليل ظاهرة الانتشار الهائل للمخدرات في المجتمع العراقي يذهب باتجاهين متكاملين، وقبل الخوض في هذين التفسيرين لا بُدَّ من الإشارة إلى أن المجتمع العراقي عرف بعدم تقبله للمخدرات على مدى العقود الطويلة التي سبقت العام 2003، وطالما نفر الجميع من هذا المرض العضال الذي أطاح بالكثير من المجتمعات رغم أن الأراضي العراقية استخدمت في حروب المخدرات السياسية والاقتصادية كممرٍّ معروف لتلك المخدرات القادمة من أفغانستان وإيران في طريقها إلى دول وشعوب المنطقة، إلا أن العراقيين حافظوا على مسافة ليست بالقليلة بينهم وبين هذا الخطر والوحش الداهم، وبدأت أخبار انتشار المخدرات في العراق بعيد الغزو الأميركي ثم وقوعه في قبضة قوات الاحتلال الأميركي في ربيع العام 2003، وحاول البعض من المهتمين طمأنة العراقيين وترديد أن هذا الغزو لن يفلح بما عرف عن العراقيين من رفض للمخدرات، ووجود قوانين رادعة جدا لمتعاطيها والمتاجرين بها، لكن التحذيرات تواصلت من الكثيرين؛ نظرا لمعرفة المهتمين بوجود أكثر من أجندة تستهدف البنية المجتمعية في العراق، ووجود بيئة مناسبة بسبب العطالة الكبيرة في العراق وتراجع نسبة الوعي نتيجة لسوء قطاع التعليم وعدم الاهتمام به والضعف الكبير الذي يسيطر على الأجهزة الأمنية، وسهولة اختراق الكثير منها بسبب ارتباطها بأحزاب وجهات سياسية وانتشار الكسب المالي بمختلف الطرق والأساليب.
وفي ضوء البيئة التي ذكرناها آنفا، فإن جميع المؤشرات تؤكد خطورة الوضع الحالي في العراق، وأنه ستتسع ظاهرة انتشار المخدرات أكثر ويزداد تجذره في المجتمع العراقي، وهذا مؤشر خطير، أما المؤشر الأخطر فيتمثل في مؤسسة قطاع تجارة المخدرات لما تدره من أموال طائلة ووجود بيئة سياسية تتناغم مع ذلك، وتوجه الشباب لتعاطي المخدرات بمختلف أصنافها ثم اتساع رقعة التعاطي أفقيا وعموديا، والمقصود بها زيادة الانتشار وبدء نمو ما يمكن تسميته بظاهرة “الإدمان” وهذا يزيد من المأساة لضعف الردع وعدم وجود مؤسسات رصينة للحدِّ من الإدمان على صعيد المستشفيات المخصصة لعلاج المدمنين ووجود مؤسسات أمنية لها أساليبها في مكافحة تجار المخدرات وحائزيها ومتعاطيها.
ناقوس المخدرات يدق بقوة في العراق ومنذ ما يقرب من عقد ونصف، وجميع المؤشرات تؤكد ارتفاعا هائلا في أصوات هذا الناقوس.
وليد الزبيدي

كاتب عراقي
[email protected]