تُمثِّل سلطنة عُمان حقلًا شاسعًا من الطاقات الإيجابية المتمثلة في طاقة حب العمانيين للآخرين وتقبلهم وإكرامهم وخدمتهم. وتتمثل تلك الطاقات الإيجابية في الأمن والأمان والسلام الذي صارت سلطنة عُمان عاصمة له. أرى ذلك في كل مدينة من مدن السلطنة التي أزورها على مدار العام، ألاحظه بقوة في الولايات والنيابات وفي المراكز الإدارية وفي القرى والتجمعات السكانية. هناك وفرة هائلة من طاقات الحب والسلام والتسامح يوفرها العمانيون للعالم. يتجذر هذا الخير في نفوس العمانيين الذي شهد لهم به العالم شرقًا وغربًا. وهذه الوفرة من الأخلاق والقيم والذوق والحفاظ على البيئة واحترام الآخر، وتقديره يمنح لكل من يزور سلطنة عُمان هذا الشعور الذي يشعر به أيضًا من يعيشون هنا من مواطنين ووافدين. جاء في عقلي هذا المعنى وأنا أتجول بمعية بعض ضيوفي في وادي دربات مساء السبت الماضي، كان الناس يقضون وقتًا جميلًا في مرح وابتهاج، وكانت الخيول ترعى مع الجمال ومع الأبقار وكانت الطيور من أنواع كثيرة متآلفة على ضفاف البحيرة البديعة (عين دربات) بدأت جوانب الوادي مخضرة جميلة، تظهر هيبة الشعاب والكهوف وتبرز جمال المرتفعات والتلال والانحناءات الطبيعية تتناغم مع الأشجار السامقة التي تتجذر فيي الماضي السحيق ربما لآلاف السنين، كل شيء في دربات يشي البهجة وينشر التفاؤل ويحفز الناس للسعادة والانشراح. تبدو دربات بالفعل مشفى طبيعيًّا يعالج الحزن ويبدد الاكتئاب وينشر الجمال والذوق، ومما زاده قدرة على تحريك مشاعر الناس جهود التنمية التي تسابق الزمن، بما يحمل من مشاريع توفر فرص عمل للعديد من الشباب كنشاط التجول بالقوارب وتوفير خدمات المطاعم والبيع المتجول والإرشاد السياحي، تستطيع دربات وحدها أن توفر مئات الوظائف وأن تتيح أنواعًا كثيرة من السياحة الثقافية والتراثية بما تختزنه من كهوف ونباتات وآثار تاريخية وإطلالة ساحرة على المحيط وممرات ومعابر للمشي الجبلي الهائكنج وسباق القوارب وركوب الدراجات النهرية ومتاحف للأحياء الفطرية وحدائق للحيوانات. كنت وأنا بمعية ضيوفي أحول المشهد إلى واقع مختلف تمامًا لهذا الوادي المقدس في الكتب القديمة، فهو متحف طبيعي لكل شيء يعتز به السكان، فهي دربات الخير ودربات البهجة ودربات مواسم الخريف والصرب (الربيع) والشتاء والصيف. يستطيع الناس الاستثمار في السياحة الثقافية والطبيعية وتتحول دربات وأطلال خور روري وآثار سمهرم التاريخية إلى مدينة للمهرجانات الثقافية، تنطلق الفعاليات من حصن طاقة بعد أن يتحول إلى متحف للتراث الثقافي وتتجه شرقًا إلى اطلال ميناء سمهرم ثم تصعد بمحاذاة الشلالات ليستقبلها الوادي المبارك، دربات هي ظفار، وإن كانت غير ذلك فهي كل شيء جميل في ظفار، بما تحمل من مقوِّمات، وبما توفره من مشاهد ومناظر وبالجو المعتدل الذي يرفع في النفوس اهتزازات السعادة والإبداع والحيوية والنشاط. رأيت جهودًا جميلة لبعض الجهات وهي بداية متواضعة جدًّا؛ لكنها واعدة بما يمكن أن توحي به من أفكار والهامات للقائمين على التراث والسياحة والقائمين على البلدية. تمنيت أن تنشأ هيئة للإبداع والابتكار على غرار بعض الهيئات الأخرى. نحن نحتاج إلى تنشيط الذكاء الاستثماري المتصالح مع الإنسان والطبيعة، وشبابنا ومؤسساتنا العلمية مؤهلة جدًّا لممارسة هذا الإبداع وتوجيه التعليم والتدريب وأنشطة المجال البلدية وجهود القطاع الخاص إلى التفكير بطريقة أكثر إبداعًا.* د ـ أحمد بن علي المعشني * رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية