ربما هناك لاعبون يفوقون صلاح مهارة وموهبة، ولكنهم عجزوا عن الوصول للمكانة والشهرة التي وصل إليها، بسبب فشلهم في إدارة موهبتهم وتطوير ذواتهم فنيا وبدنيا وذهنيا..
بمناسبة تجديد لاعب الكرة المصري محمد صلاح تعاقده مع ناديه ليفربول الإنجليزي، ونجاحه وهو في سن الثلاثين في انتزاع زيادة مالية تصل إلى ضعف راتبه الذي وصل إلى 400 ألف جنيه أسترليني في الأسبوع، بعد شهور طويلة من التفاوض، الذي شهد ضغوطا شديدة من الجماهير والنادي الإنجليزي ونجومه السابقين، الذين حرض بعضهم الإدارة على التخلص منه، والاستفادة من بيعه بأعلى سعر، بدلا من الانتظار للعام القادم الذي ينتهي فيه عقده ويرحل مجانا.
وظل محمد صلاح محتفظا بمستواه الفني واستطاع إحراز لقب الهداف وأفضل صانع ألعاب في الدوري الإنجليزي، والاحتفاظ بهدوئه ورباطة جأشه في مواجهة تكتيكات الإدارة ورفضها الاستجابة لمطالبه بزيادة الراتب، سعيا منها للمحافظة على سقف الرواتب ومراعاة لمشاعر بقية اللاعبين الذين يتقاضون رواتب قريبة من راتب صلاح، الذي أعلن عدم ترك النادي والاستمرار حتى نهاية عقده نهاية العام القادم، الأمر الذي وضع إدارة النادي في ورطة أمام الجماهير التي تعاطفت مع صلاح، وطالبت الإدارة بالاستجابة لمطالبه المنطقية، ومساواته بنجوم الدوري الإنجليزي الذين جاءوا بعده في لائحة الهدافين.
ربما هناك لاعبون يفوقون صلاح مهارة وموهبة، ولكنهم عجزوا عن الوصول للمكانة والشهرة التي وصل إليها، بسبب فشلهم في إدارة موهبتهم وتطوير ذواتهم فنيا وبدنيا وذهنيا، فمحمد صلاح هذا الشاب النحيل القادم من أسرة بسيطة بريف مصر، والذي كان يقطع يوميا وهو في سن الرابعة عشرة، عشرات الأميال من قريته “نجريج” إلى القاهرة ليلحق التدريب بنادي المقاولون العرب، ويبيت أحيانا خلسة خلف أبواب النادي، توفيرا لنفقات المواصلات، ولم يتسن له سوى الحصول على دبلوم تعليم متوسط، بسبب ضيق ذات اليد واختياره كرة القدم هدفا وطريقا منذ نعومة أظفاره.
وضع صلاح لنفسه هدفا وحلما، وهو الوصول لأبعد نقطة في كرة القدم واللعب في أكبر الأندية، وأن يكون أحسن لاعب في العالم، وبدأ رحلة الاحتراف في أوروبا في سن صغيرة، عندما انضم لنادي بازل السويسري بمقابل زهيد، واضطر هذا الشاب الذي لا يتحدث سوى العربية، إلى مواجهة تحديات العيش في أوروبا، فشرع في تعلم اللغة الإنجليزية، وتألق مع بازل الذي كان يشارك في دوري أبطال أوروبا، وأحرز 3 أهداف في مرمى نادي تشيلسي بطل أوروبا، الذي كان يدربه المدرب الشهير جوزيه مورينيو، وفاز مع بازل بلقب الدوري، وأفضل لاعب، وقرر نادي تشيلسي شراءه ودفع فيه 11 مليون يورو، ربحها بازل الذي سبق ودفع فيه 2.5 مليون يورو منذ عام فقط، ولم يبر مورينيو بوعده لصلاح وأجلسه أغلب الوقت على مقاعد البدلاء، رغم تألقه في الدقائق التي كان ينزل فيها أرض الملعب، وتعرض للسخرية والتنمر من جماهير تشيلسي التي اعتبرته صفقة خاسرة، وتم إعارته بعد نصف الموسم إلى نادي فيورنتينا القابع في منتصف الدوري الإيطالي.
لم يستسلم صلاح لمشاعر اليأس والإحباط لفشل تجربته في تشيلسي، وقرر النهوض والوقوف على ساقيه من جديد، وقام بتطوير طريقة أدائه لتناسب الدوري الإيطالي المعروف بدفاعه القوي وعدم وجود مساحات للاعب سريع مثله للتحرك، ونجح في إحراز 9 أهداف في نصف موسم، وانتقل معارا إلى نادي روما أحد أندية القمة في إيطاليا، ليتألق معه ويحرز 17 هدفا في عامه الأول، ليقرر شراءه من تشيلسي بـ15 مليون يورو، وبعد موسمين تألق فيهما مع روما، اشتراه ليفربول بـ45 مليون يورو، ليبدأ رحلة التألق والنجومية وهو في سن الخامسة والعشرين، ويحصد عديد الألقاب مع ليفربول، ويستعد الآن لمرحلة تحد جديدة، متسلحا فيها بالخبرة والعقلية الاحترافية، وأسلوب حياة عنوانه الالتزام والاستقامة والحفاظ على اللياقة البدنية والصحة الجسدية والذهنية.

* محمد عبد الصادق
[email protected]
كاتب صحفي مصري