تسعى دول العالم كافَّة إلى تحقيق الأمن الغذائي بشتَّى الطُّرق، حيث يُعدُّ هذا المحور أحدَ أهمِّ المرتكزات الأساسية للتنمية الشاملة المستدامة، خصوصًا بعد الأزمات العالمية السياسية منها والاقتصادية، التي أثَّرت سلبًا على سهولة تداول العديد من السلع الغذائية الاستراتيجية، والتي جعلت قرار الدول، في الاعتماد الذاتي في تحقيق الأمن الغذائي، أمرًا لا بديل عنه، لذا فقد تصدرت قضايا الأمن الغذائي الأولويات الوطنية، انطلاقًا من أنَّ الأمن الغذائي المستدام أحدُ أهمِّ أهداف التنمية المستدامة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والبشرية، ما أسهم في طرح أفكار جديدة تسعى إلى تطوير مفهوم الأمن الغذائي نَحْوَ نطاق أوسع وأكثر شمولية، يتعامل مع الأبعاد المختلفة للأمن الغذائي، اقتصاديًّا واجتماعيًّا وبيئيًّا...إلخ.
ولعلَّ أبرز ما يميِّز التوجُّهات الحديثة لتحقيق الأمن الغذائي، هو ربط التوجُّهات الجديدة بالتطوُّر العلمي ودَوْرِه في إحداث تأثير إيجابي للوصول إلى الأهداف المنشودة، وإيجاد الحلول العلمية باستخدام التقنيات الحديثة والملائمة، بهدف تحقيق أنظمة غذائية مستدامة تسعى لزيادة الإنتاج المحلِّي ليواكب الزيادة السكَّانية المُطَّردة، وتكُونَ له أبعاد اقتصادية أخرى عَبْرَ جذْب الاستثمارات التي ستسهم بالتأكيد في توفير فرص عمل جديدة، بالإضافة إلى ما ستحققه من مردود اقتصادي للمستثمرين، وللاقتصاد الوطني ككُلٍّ، حيث سيكُونُ لتلك المشاريع دورًا في إحداث التنويع الاقتصادي المطلوب. وتبذل سلطنة عُمان جهودًا كبيرة لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي وفق رؤية استراتيجية ومنظومة متكاملة، تخطو بثقة نَحْوَ المستقبل وتعزِّز مكانتها في هذا المجال يومًا بعد يوم، حيث تنطلق هذه الجهود من منطلق وعيٍ كامل بالتحدِّيات، حيث تحرص كافَّة الجهات ذات الصِّلة على العمل بشكْلٍ علمي كان له أثَر كبير في النتائج الإيجابية الكبيرة التي تحققت في أداء القطاعَيْنِ الزراعي والسَّمكي، حيث يُعدُّ بناء منظومة متكاملة للأمن الغذائي، قائمة على الاستفادة من التجارب الناجحة، أولوية وطنية، خصوصًا مع التوجيهات السَّامية والدعم المتواصل الذي يُولِيه حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ نَحْوَ تعزيز الأمن الغذائي بشتَّى أنواعه، في مختلف المحافظات العُمانية.
إنَّ أهمَّ ما يميِّز التجربة العُمانية هو المزج بَيْنَ الأهداف الاجتماعية والحاجات الغذائية، بأخرى اقتصادية تسعى إلى بناء إطار استثماري واعد يفتح الطريق أمام روَّاد الأعمال المحلِّيين والأجانب، وفق رؤية تتيح فرصًا متكاملة للاستثمار في قِطاعات الأمن الغذائي المختلفة تستهدف الباحثين عن العمل وروَّاد الأعمال، حيث تمتلك رؤية “عُمان 2040” الكثير من المبادرات والمشاريع، في القِطاعات النباتية والحيوانية والسَّمكية، ستشكِّل الفارق في المستقبل القريب، وستُسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي المنشود، وستزيد من الصادرات العُمانية في محيطها الإقليمي والعالمي.
ويأتي توقيع وزارتي الإسكان والتخطيط العمراني، والثروة الزراعية والسَّمكية وموارد المياه اليوم على 28 عقْدَ انتفاعٍ بأراضٍ مع عددٍ من مؤسَّسات القِطاع الخاص لإنشاء مشروعات زراعية وسمكية في مختلف محافظات سلطنة عُمان بقيمة إجمالية بلغت أكثر من (33) مليون ريال عُماني، وبمساحة تتجاوز (8) ملايين متر مربع، خطوة مُهمَّة في تحقيق الأهداف المنشودة، حيث ستلبِّي هذه المشروعات احتياجات السَّلطنة، لمشروعات نوعية مقامة بأحدث الطُّرق العِلمية، بما يتوافق مع سياسات الأمن الغذائي، ويؤكِّد حرص الحكومة على توفير البيئة المناسبة للمستثمرين، سواء من داخل البلاد أو خارجها للتوسع في مشروعات الأمن الغذائي. فعددٌ من هذه المشروعات يُركِّز على إنتاج القمح لأهميَّة هذا المحصول، ومنها ما يتعلق بالاستزراع السَّمكي والثروة الحيوانية، إضافة إلى مشروعات الخضراوات والفواكه، حيث يطمح أنْ تحقِّق هذه المشروعات الاكتفاء الذاتي من بعض المحاصيل الضرورية.