يُمثِّل عيد الأضحى المبارك حالة استثنائية للمُسلِمين في بقاع الأرض كافَّة، فهو مزيج متفرِّد يجمع بَيْنَ فرحة العيد وبهجته، وبَيْنَ التقرُّب إلى الله والدعاء، فهو يوم تمزج فيه القِيمة التعبدية العظيمة، مع الاحتفاظ بمظاهر البهجة والفرح التي تعمُّ سائر أرجاء العالم الإسلامي، وهو يوم يتقارب فيه أبناء المُجتمع الإسلامي من بعضهم بعضًا، ويتزاورون، ويحنو قويُّهم على ضعيفهم، وغنيُّهم على فقيرهم، فيصير النَّاس كالجسَدِ الواحد، وهو يوم يجمع الجسَد المُسلِم بكُلِّ تعدُّداته الثقافية والعرقية، لِيُؤكِّد على عالمية هذا الدِّين الحنيف الذي لا يُفرِّق بَيْنَ إنسان وآخر، سواء غنيًّا كان أو فقيرًا، أبيض كان أم أسْوَدَ. فالعمل الصالح وتقوى الله هما فقط مَنْ يُعليان من شأن صاحبهما عند الله، وليوم الأضحى ويوم عرفة فضْلٌ كبير في التراث الإسلامي الممتدِّ على مدى أكثر من (14) أربعة عشر قرنًا من الزمان، فهو خير الأيام عند الله تعالى، وهذه الخيرية العظيمة لَمْ تأتِ من فراغ، بل هو يوم تكثر فيه الأعمال العظيمة التي أمَرَ الله تعالى بها، والتي يتسابق العباد لتأديتها والقيام بها فيه؛ إذعانًا برُبوبيَّة الخالق ووحدانيته، فهو فُرصة عظيمة لكُلِّ مُسلِم للتزلُّف إلى الله سبحانه بشتَّى أنواع القُرُبات.
إنَّ الحديث عن عظمة هذا اليوم في دِيننا الحنيف جاء على لسان أصدق البَشَر صلَّى الله عليه وسلَّم، حيث (إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ ثمَّ يومُ القَرِّ)، فكفى بتلك الكلمات تشريفًا لهذا اليوم العظيم، كما أنَّه يوم الحجِّ الأكبر؛ لأنَّ معظم أعمال الحجِّ تكُونُ فيه، فالحُجَّاج يدفعون فيه من مزدلفة إلى مِنى ليرموا الجمرة الكبرى، بعدها يحلقون رؤوسهم ويذبحون الهدي، ثمَّ يطوفون طواف الإفاضة، ويدفعون إلى مِنى حتى يستقرُّوا بها طيلة أيام التشريق، وهو مشهد عظيم تهفو له قلوب المُسلِمين كُلَّ عامٍ، فهو أكثر الأيام خير وبركة للمُسلِمين جميعًا، ولهذا اليوم فضْلٌ على الحاجِّ وغير الحاجِّ؛ فمَنْ أتمَّه على أحسن حال عتَقَه الله عزَّ وجلَّ من النار وغفر له ذنوبه. كما أنَّ عيد الأضحى المبارك يوم ينتظره المُسلِمون من العامِ إلى العامِ؛ حتى يفرحوا فيه، ويسعدوا، ويتبادلوا التهاني، ويتقربوا إلى الله سبحانه وتعالى.
وعلى مدار التاريخ الإسلامي لا يوجد يوم أسعد من هذا اليوم والأيام التي تسبقه والأيام التي تليه، فهي أيام مليئة بالبركة والخير، يستحبُّ أنْ يكثرَ بها الدعاء، أيام يحرص فيها كُلُّ مُسلِم على التزاور وصِلَة الأرحام، وذبح الأضاحي، وتفقُّد الفقراء، وذوي الحاجة، وهي أعمال تجلب البركة لجميع بيوت المُسلِمين، فضلًا عن كونها الوسيلة التي يمكن من خلالها توطيد أواصر المَحبَّة والتراحم بَيْنَ أبناء المُجتمع الواحد، فخَيْريَّة يوم عيد الأضحى المبارك لا تنقطع بانقضائه، بل تتواصل الأعمال التعبدية، والعبادات السَّامية لِمَا بعد يوم الأضحى، وهذه الأيام كُلُّها هي أيام عبادة وذِكْر لله سبحانه.
أمَّا يوم عرفة فله من الفضل الكثير يكفي أنَّه اليوم الذي يقف في حجيج بيت الله رافعين أكفَّهم للمولى عزَّ وجلَّ، يلتمسون التوبة والعفو، في مشهد نرى جموعهم كبَحْرٍ من الإنسانية لا يمكن تمييزها عَبْرَ سهل صارخ، نرى أيديًا ممدودة تتوسَّل ذا الجلال والإكرام لقَبول توبتهم، وكرَم عَفْوه، ومغفرته، ورحمته، ودخول جنته. يوم عرفة أفضل يوم للعبادة والدعاء، سواء كان ذلك لضيوف الرحمن أو سائر المُسلِمين، إنَّه يومٌ فضْلُه عظيم، وفضْلُ الصِّيام فيه عظيم أيضًا، فليسارع كُلُّ مُسلِم بالنَّهل من بركة هذه الأيام المباركة التي تُقرِّبنا إلى الله وإلى سائر المُسلِمين، وتفتح لنا أبواب الرحمة والمغفرة، فهنيئًا لِمَنْ حجَّ، وهنيئًا لِمَنْ صامَ ونحَرَ، وكُلُّ عامٍ والأُمَّة الإسلامية بخير وسعادة ووحدة وأخوَّة.