إن قصة النضال الجزائرية بما حملت من إرادة وعنفوان وكفاح مسلح تُعد من أعظم قصص النضال العربي في هذا العصر كتبها أبناء الجزائر بدمائهم في ذاكرة التاريخ العربي الحديث، وهي تقدم شهادتها للأجيال العربية أن طريق التحرير والاستقلال لن يتحقق إلا بالمقاومة والنضال..
أعظم ثورة عرفت في القرن العشرين، وربما في التاريخ العالمي، ثورة استقلال الجزائر البلد الذي قدَّم ملايين الشهداء لنيل استقلاله، هكذا هي إرادة الشعوب الحرة لا يمكن أن يقف في طريق حريتها أي قوة في العالم، هكذا كانت أعظم قصة تحرير شهدتها الجغرافيا العربية على أرض الجزائر، قصة استعمار فرنسي دام ١٣٢ عاما بحجم آلامه ودماره، كان هناك شهداء عانقوا المجد والخلود، وقدموا أعظم تاريخ لبلدهم عمد بشلالات دمائهم الزكية ليعلن عيد استقلال الجزائر في الخامس من يوليو ١٩٦٢م، فهنيئا لكم أيها الأشقاء في الجزائر ونبارك لكم عيد استقلال بلادكم في الذكرى الستين، وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر.
بقيت الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي أطول فترة استعمار في الوطن العربي، واستفادت فرنسا من كل ثروات الجزائر البشرية والزراعية والطبيعية والجغرافية، وأدخلت اللغة الفرنسية لفرنسة الجزائر، كل هذه الحقائق مسجلة في التاريخ، وجندت فرنسا أبناء الشعب الجزائري إجباريا، فقاتل أبناء الجزائر في مقدمة الجيوش الفرنسية في الحرب العالمية بعد وعود بمنح الاستقلال للجزائر بعد الحرب، والتي لم تفِ بها بعد ذلك، فبعد أن أعلن الحلفاء الانتصار في الـ٧ من مايو ١٩٤٥م من قبل الرئيس الأميركي ترومان ورئيس الوزراء البريطاني تشرشل والرئيس الفرنسي شارل ديجول، انطلقت المسيرات والمظاهرات في الجزائر احتفاء بهذا الانتصار رافعين راية التحرير والاستقلال بناء على وعود سابقة بمنح الاستقلال باعتبار وجود أبناء الجزائر في مقدمة الجيوش الفرنسية في الحرب العالمية، وفي هذا التاريخ الـ٧ من مايو ١٩٤٥م عمت المسيرات والمظاهرات مدن الجزائر وقراها، فقامت فرنسا في اليوم التالي الـ٨ من مايو باستخدام قواتها البرية والبحرية والجوية لقمع هذه المسيرات السلمية بشكل عنيف في مجزرة تاريخية بلغت (٤٥) ألف شهيد، وتقدرها بعض المصادر الخارجية بين (٥٠) و(٧٠) ألف شهيد. من هنا أدرك أبناء الجزائر أن طريق التحرير لا يأتي إلا عن طريق الكفاح المسلح لنيل الاستقلال، فبدأت الحركة الوطنية وجبهة التحرير الوطني الجزائري بتنوير أبناء الشعب الجزائري بأن الاستقلال لن يتحقق بالمطالبات السلمية، فبدأت المواجهات مع قوات الاحتلال الفرنسي واستمرت بين فترة وأخرى في حرب عصابات، إلا أن اشتداد ضراوة المواجهات بدأ في تاريخ الأول من نوفمبر ١٩٥٤م، وهو يوم الثورة الجزائرية والتاريخ الرسمي لحرب الاستقلال الجزائرية، فاستمر ذلك النضال المسلح وبدعم عربي مدة (٩) سنوات، كانت أغلب الهجمات تنطلق من الأرياف نحو العاصمة الجزائر، فعانت فرنسا من استنزاف هائل بسبب هذه الحرب، كما كان للدعم المصري بقيادة جمال عبدالناصر دور كبير في مسار حرب الاستقلال، حيث كان مكتب الحكومة الجزائرية المؤقتة في القاهرة، وانطلقت منها معظم النشاطات السياسية لجبهة التحرير الوطني والحكومة المؤقتة، وكان أغلب التسليح يأتي من مصر وأولها كان تمويل صفقة سلاح بمليون جنيه، بالإضافة إلى ٧٥% من الدعم العربي المقدم من جامعة الدول العربية حتى أن بن جوريون قال: على أصدقائنا المخلصين في باريس أن يقدروا أن “عبدالناصر” الذي يهددنا في النقب وفي عمق “إسرائيل” هو نفسه الذي يواجههم في الجزائر. فشاركت فرنسا في حرب السويس أو العدوان الثلاثي بعد تأميم عبدالناصر قناة السويس وانسحبت دول العدوان بقرار دولي بعد مقاومة شرسة من أبناء مدن القناة وتجييش الشعب المصري والعربي لمواجهة العدوان، وعادت شركة قناة السويس شركة مساهمة مصرية خصص بداية ريعها لدعم الكفاح المسلح لثورة الجزائر، كما كان للملك فيصل بين عبدالعزيز أيضا دور في تسجيل قضية الجزائر في مجلس الأمن وتقديم دعم مالي للجزائر، بالإضافة إلى ما قدمته الدول العربية الأخرى في مرحلة من أزهى مراحل التاريخ العربي الحديث نالت فيها جميع أقطار الوطن العربي الاستقلال، وما زالت آلة التحرر مستمرة، وسيأتي اليوم الذي يتحرر فيه كامل التراب العربي. واستكمالا للنضال الجزائري اضطر الفرنسيون إلى منح الجزائر حق تقرير المصير عندما أعلن شارل ديجول في عام ١٩٥٩م أن للجزائريين الحق في تقرير المصير، لذا فقد تقرر موعد الاستفتاء على الاستقلال بتاريخ الأول من يوليو ١٩٦٢م، وتم الاستفتاء في ذلك التاريخ لتسجل نتائج الاستفتاء الغالبية العظمى لصالح الاستقلال، فاعترفت فرنسا مباشرة برسالة وجهها شارل ديجول إلى عبدالرحمن فارس رئيس الهيئة التنفيذية المؤقتة للجمهورية الجزائرية باستقلال الجزائر، وتم اعتبار تاريخ الـ٥ من يوليو ١٩٦٢م اليوم الوطني لاستعادة السيادة الوطنية، وهو اليوم الذي سقطت فيه الجزائر بيد الاستعمار في عام ١٨٣٠م. لذا فقد تم استقلال الجزائر في نفس اليوم من عام ١٩٦٢م بعد كفاح عظيم قدمه أبناء الشعب الجزائري، فنالت الجزائر الحرية والاستقلال، وسبق ذلك التاريخ أن تمت كتابة السلام الوطني الجزائري بتأليف الشاعر الجزائري مفدي زكريا عام ١٩٥٦م، وتم إقراره الرسمي نشيدا وطنيا للجزائر بعد التحرير ويقول في بدايته (قسما بالنازلات الماحقات) ثم اتجه الشاعر مفدي زكريا إلى القاهرة في عام ١٩٦٣م ليقوم الموسيقار المصري محمد فوزي بتلحينه وإهدائه إلى الشعب الجزائري، كما أدى الفنان عبدالحليم حافظ أغنية بعنوان الجزائر تتحدث عن الثورة الجزائرية، وقام المخرج المصري بإخراج فيلم جميلة بوحيرد الذي يتحدث عن المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد وعن ثورة الجزائر.
إن قصة النضال الجزائرية بما حملت من إرادة وعنفوان وكفاح مسلح تُعد من أعظم قصص النضال العربي في هذا العصر كتبها أبناء الجزائر بدمائهم في ذاكرة التاريخ العربي الحديث، وهي تقدم شهادتها للأجيال العربية أن طريق التحرير والاستقلال لن يتحقق إلا بالمقاومة والنضال. وهكذا دائما نضال الشعوب عندما تكافح من أجل التحرير والعقبى لنا بعون الله في تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. في الذكرى الستين لاستقلال جمهورية الجزائر الشقيق نرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات للأشقاء أبناء ثورة الجزائر العظيمة الذين قدموا أعظم ملاحم التاريخ في النضال العربي للتخلص من الاستعمار الفرنسي بعد أطول ثورة شهدها التاريخ (١٣٢ عاما) رسموا فيها طريق المجد والشهادة والتحرير، تحية لأولئك الرجال العظام والرحمة والخلود لقائد ثورة الجزائر الأمير عبدالقادر الجزائري ورفاقه الأبطال، وتحية لمن جاء بعده واستكمل طريق النضال من أجل الحرية والاستقلال. رحم الله أولئك الرجال الأبطال الأوائل الذين أسهموا في الاستقلال جمال عبدالناصر وأحمد بن بيلا وهواري بومدين وبوضياف والشاذلي بن جديد ورفاقهم وجميع شهداء ثورة الجزائر وكل المناضلين الشرفاء الأبطال في تاريخ أمتنا العربية، وعندما نستذكر استقلال الجزائر نستعيد تاريخا عظيما سجل في ذاكرة هذه الأمة الخالدة.

خميس بن عبيد القطيطي
[email protected]