العالم الآن تحت وطأة إنهاك مع حاجات مستورثة من الأوبئة وانسلاخ مناخي متسارع بين تضارب الفيضانات والجفاف وقائمة طويلة لهذه التداعيات المناخية، وانحسار واضح للقوة الناعمة.

إذا كان ليس من الحق الإنساني المحض الاحتفاء بالسلاح والتجييش لصالح امتلاكه بدون مبررات دفاعية، يظل الاهتمام الحالي به على هامش الحرب الروسية الأوكرانية واحدةً من المخاطر التي تهدد العالم الآن.
هناك مخاوف وقلق متزايد من احتمال توسع رقعة الحرب على هامش ما صرح به وزير الخارجية الروسي لافروف من أن أي مساس عسكري بأمن جزيرة القرم، التي تراها موسكو أرضًا روسية، سيكون بمثابة شرارةٍ لحرب عالمية ثالثة، وبالمقابل إذا نظرنا إلى ما تمخض عن اجتماع قمة حلف الناتو في إسبانيا من نتائج لصالح التصعيد تحت بند مساعدة أوكرانيا من أجل استرجاع سيادتها كاملة غير منقوصة وفق البيان الختامي للحلف، وكذلك ما أضافه المستشار الألماني شولتس بعد انفضاض القمة في تصريحات إلى شبكة CBS الأميركية، من أن بوتين سيكون قادرًا على مواصلة الحرب لمدَّة طويلة، ومشيرًا أيضًا إلى أن لا أحد يعرف متى تنتهي روسيا من حربها.
لقد تراكم هذا التوجُّه على هامش طروحات كان الرئيس الفرنسي ماكرون قد أدلى بها، وفيها دعوة لتكوين جيش خاص بدول الاتحاد الأوروبي. ولكم أن تتصوروا كم يتطلب ذلك من كلفة مالية ضخمة، بل وكلفة بشرية في عديدهِ ومقراته والخطط السوقية التي يمكن أن تدعم انتشاره.
بالمحصلة وفي ظل تدفق المزيد من المعدات العسكرية على جبهات القتال سيذهب الطرفان إلى محاولة إجراء تغييرات في مسرح العمليات العسكرية بعد سيطرة القوات الروسية على كامل أراضي إقليم الدونباس، وبذلك تكون الاحتمالات مفتوحة على المزيد من الخسائر، وما يترتب على ذلك من زيادة في كلفة المأساة الوضع الذي ستكتوي فيه أوروبا قبل غيرها من أطراف النزاع، إذا أخذنا بحقيقة أن الرئيس الروسي أعد بلاده إلى أسوأ الاحتمالات في حين لم تتوازن الدول الأوروبية حتى الآن من صدمة الاجتياح الروسي، أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية فإن الوضع يختلف؛ لأن تأثيرات الحرب عليها لم تصل إلى أي نوع من أنواع التهديد الجدي باستثناء تداعيات التضخم، وقرار البيت الأبيض زيادة عديد القوات الأميركية في أوروبا وتقديم بعض الأسلحة من ترسانتها الضخمة، ولكن هذه الشظايا قد تتفاقم.
نحن إذًا أمام قوائم إضافية في استهلاك لترسانات المقذوفات العسكرية، وزيادة في التخريج السياسي الفلسفي المشوش للوقائع الجارية، لاحظوا التشخيص غير المسبوق لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون حين قال: الرئيس الروسي بحربهِ على أوكرانيا قد مارس الذكورية السامة، بينما ردَّت موسكو متهمةً جونسون بالتماهي مع تشخيصات لعالم النفس المعروف فرويد.
على أي حال، الانسداد هو الذي يتحكم بالمشهد العام، وهو مرشح إلى كثافة لا يمكن حسابها حتى بالنسبة إلى معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، ففي آخر إصدارٍ له أشار إلى أن العالم مهدد بمخاطر أمنيةٍ معقدةٍ وغير متوقعةٍ، وهناك حقبة أخطار جديدة، بل هناك احتمالية كبيرة في استخدام المزيد من الأسلحة (الذكية)، وإذا كانت نصيحة كوفي عنان تقول (لا تضرب أحدًا على رأسه وأصابعك في فمه وبين أسنانه) تكون الفرصة المتاحة قضم المزيد من الأصابع مع نسخ إقليمية ودولية كانت إلى عهد قريب جدًّا تتلاعب بأصابعها على هامش توترات في بحر الصين وما يتعلق بالتناقضات الأميركية الصينية إزاء تايوان.
العالم الآن تحت وطأة إنهاك مع حاجات مستورثة من الأوبئة وانسلاخ مناخي متسارع بين تضارب الفيضانات والجفاف وقائمة طويلة لهذه التداعيات المناخية، وانحسار واضح للقوة الناعمة.
بالمحصلة، الشفاء العاجل فرصة بعيدة المنال وما هو باليد الآن، إعادة تموضع خيبات أملٍ درجت الأمم المتحدة على التداول بها مادة إعلامية ليس إلا، ولو أتيح لدانتي صاحب ملحمة الجحيم أن يعيد تقسيم سكان جهنم وفق الية جديدةٍ فسيبقي قعره للجهات الأكثر استئناسًا بالحرب، وإذا كان البابا فرنسيس قد أعرب عن رغبته في زيارة موسكو وكييف، تظل المراهنة على النيات الحسنة مجرد توقُّع خارج سياق التعقيدات السائدة.
عادل سعد
كاتب عراقي
[email protected]