[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
من خلال ما يشاهده الجميع من طغيان غير مسبوق لحجم الصور والمشاهد وكم المواقف والتصريحات، وجبال الكذب والفبركة والتدليس المقامة، وكم الأموال والإرهابيين والمرتزقة والتكفيريين الذين يتوالى تجنيدهم وتدريبهم وتسليحهم، يتأكد القول بأن المؤامرة على سوريا لم تشهد مثيلًا لها، متخطيةً بذلك المؤامرة على العراق وليبيا، بل يكاد أنها تخطت بتلك المقادير والأعداد والأحجام المؤامرة على فلسطين.
ومعروف أن الشعوب دائمًا ما تكون هي الضحية الأولى لكونها المدخل الكبير لتمرير المؤامرة وتحت عناوين محددة يتم التحرك وتنفيذ المؤامرة وفقها. فالعزف على وتر الديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية المدنيين وحرية التعبير، كانت هي العناوين المحددة والأكثر إثارة لدغدغة العواطف والاستيلاء على الوعي العام والتحكم فيه وسط عمليات بيع وشراء واسعة للأنفس الخربة والقلوب المريضة المستعدة لبيع أوطانها مقابل وريقات خضراء من الدولارات المشبوهة، ليتم مقابلها تقديم الوطن على طبق من ذهب لأولئك التجار المتآمرين.
وإزاء هذا القدر المتيقن، لا تزال تعطي المؤامرة على سوريا المزيد من الوجوه المتآمرة والمتاجرة، والبائعة لضمائرها وأمانتها قبل وطنها، وتبرز الكثير من المشاهد الدالة على هؤلاء وأشكال تآمرهم ومتاجرتهم، وتأبطهم الإرهاب وسيلة وسلاحًا للمضي في تحقيق أجنداتهم ومشاريعهم بما لا يدع مجالًا للشك بأن هناك بونًا شاسعًا بين حقيقة ما يضمرونه ويفعلونه ويرسلونه من خراب ودمار وإبادة للحرث والنسل، وبين ما يصرحون به وما يذرفونه من دموع تماسيح.
هذا التناقض بين القول والفعل أصبح مادة دسمة في المؤامرة على سوريا تمثل تكئة مهمة يمكن لكل باحث عن الحقيقة الاستناد إليها، ولكل من يعاني من ضبابية في الرؤية أو تشوش في الفكر وغياب للوعي؛ إذ لا يعقل أن يستنفر الغرب الاستعماري الامبريالي المتحالف مع الصهيونية الإرهابية العنصرية ضد صنيعته من الإرهاب وأدواته على خلفية المسرحية الهزلية الصهيونية التي تقترب أو اقتربت فصول نهايتها إلى فضيحة بتدبير الهجوم المعد مسبقًا والمرتب له جيدًا ضد الصحيفة الفرنسية الساخرة "ايبدو شارلي"، في الوقت الذي يشحذ فيه سواطير الإرهاب ورماحه لينحر بها الشعب السوري تحت ذرائع كاذبة وواهية وهي دعم ما اصطلح عليه كذبًا وزورًا "المعارضة المعتدلة"، ووسط دعم مستمر من السلاح والمؤن الغذائية لـ"داعش" الذي من أجله قال إنه وضع استراتيجية وشكَّل تحالفًا دوليًّا لمواجهته. فأي ذي عقل ومنطق يمكن أن تنطلي عليه هذه المعادلة، في حين العقل السليم والمنطق السوي يقولان بل يؤمنان بأن الدعم الحقيقي للشعب السوري والتطبيق السليم والصحيح للديمقراطية وحرية التعبير، والتصرف العقلاني لحماية حقوق الإنسان وحماية المدنيين يبدأ من رفض الإرهاب والعنف جملةً وتفصيلًا ورفض كل وسائل التحريض والتشويه ورفض تجنيد الإرهابيين والمرتزقة والتكفيريين وتدريبهم وتسليحهم تحت أي مسمى، والتمسك بخيار الحل السياسي والحوار والابتعاد عن سياسة الكيل بمكيالين. وبالتالي ما علاقة مئات الجنود الأميركيين الذين بدأت واشنطن بإرسالهم إلى المنطقة لتدريب من تسميهم بـ"المعارضة المعتدلة"، بأحاديثها الممجوجة عن دعمها الشعب السوري؟ ولا يمكن أن يفهم من ذلك سوى أن الدعم الأميركي للشعوب هو عبارة عن موت مجاني ترسله مع الإرهاب الذي أنتجته وأنتجت عصاباته.
لقد أثبتت وقائع الأحداث السابقة أن معسكر التآمر والعدوان على سوريا بقيادة الصهيو ـ أميركي ماضٍ في تدمير الدولة السورية وإنهاك جيشها وتشريد شعبها انتقامًا منها ومنهم للمواقف الرجولية والبطولية والتاريخية تجاه قضية فلسطين والعروبة ومعاداة كيان الاحتلال الصهيوني، وما الحديث الأميركي عن تدريب "الإرهاب المعتدل" إلا في إطار التسمين والدعم المستمريْنِ للإرهاب بكافة تشكيلاته وتنظيماته بما فيها "داعش"، فالحديث عما يسمى "شهداء اليرموك" لا يزال حديث الساعة وله تفاعلاته وصداه في مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والذي صرف عليه ملايين الدولارات لتدريبه وتسليحه في الأردن فانضم إلى "داعش" بسرعة البرق بعد انتهاء فترة تدريبه، ناهيك عما يسمى المبايعات المتوالية من قبل بقية العصابات الإرهابية كـ"الجيش الحر والنصرة" وغيرهما لتنظيم داعش، وبالتالي كل ميليشيات المرتزقة والإرهابيين التي يتم وسيتم تدريبها في الدول المجاورة وغير المجاورة لسوريا لن تخرج عن الهدف الاستراتيجي وهو تدمير سوريا سواء انضمت إلى "داعش" أو إلى "النصرة" أو إلى غيرها من أخوات تنظيم القاعدة الإرهابي.
التناقض الآخر بين القول والفعل يبرز بصورة جلية في المتاجرة بالشعب السوري وادعاء الدفاع عنه، حيث لا يزال أولئك السوريون الذين شردوا وهجروا من مدنهم وقراهم إلى مخيمات الشتات خارج سوريا يعانون الأمريْنِ وتحولوا بالفعل إلى مصدر متاجرة وسمسرة وتسوُّل، فضلًا عن الإهانات وانتهاك حقوقهم ومعاملتهم ـ أكرمهم الله ـ كالحيوان، ولعل قصة ذلك الطفل السوري اللاجئ في ضواحي أسطنبول تكشف جانبًا مهمًّا من هذه الحقيقة، حيث تعرض للضرب على يد مدير مطعم في المدينة التركية بسبب تناوله بقايا طعام زبائن المطعم، بحسب ما أفاد الإعلام التركي بهذه الواقعة المؤلمة أمس الأول. فقد انتشرت صورة الطفل ذي الأحد عشر عامًا على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يجلس على السلالم وقد سالت منه الدماء بعد أن تعرض للضرب على يد مدير أحد مطاعم "برجر كنج" (الأميركية) للأطعمة السريعة في منطقة سيرينفلر. وقال الطفل خليل الذي فر إلى تركيا مع عائلته من مدينة حلب السورية قبل عامين إنه أراد أن يأخذ بقايا الطعام لأنه كان جائعًا، إلا أن المدير لكمه في وجهه ورفسه، بحسب صحيفة ملييت التركية. وقال الطفل إنه كان يتسول في شوارع اسطنبول للحصول على لقمة العيش. وبغض النظر عن صحة إقالة المدير المعتدي أم لا، فإن هذه الحادثة هي غيض من فيض، وتستدعي في الوقت ذاته تلك الصور التي يتم ترويجها في الإعلام التركي ومواقع التواصل الاجتماعي وتظهر رجب طيب أردوغان تارة يقبل رأس أطفال سوريين محاولًا إسالة دمعة على خده، وتارة أخرى يصرح بأنه حقق عائدات تبلغ عشرات المليارات من الدولارات جزاء من عندالله جراء وقفات الخير تجاه اللاجئين السوريين وتحمل الإنفاق عليهم. ويأتي هذا في الوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة عن تدريب آلاف من الإرهابيين على الأراضي التركية الذين تسميهم بـ"المعارضة المعتدلة".