قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(المجادلة ـ 11).
* معاني الكلمات:
(تفسّحوا): توسعوا، (انشزوا): ارتفعوا عن المجلس، أي: قوموا عنه.
التفسير الإجمالي:
يؤدبنا الله هنا بأدب جميل، يبعث الحب والمودة بيننا، وهو التفسح لإخواننا في المجالس العامة، خصوصًا ما كان في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حيث كان الصحابة يضنون بمجلسهم قرب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا يتوسعون لغيرهم، نيلًا للقرب منه، وحرصًاعلى سماعه، فكان النبي يأمرهم بالفسحة لمَن يأتي بعدهم، ويقاس على هذه باقي المجالس العامة، سواء كان مجلس وزير أو والٍ أو مدير دائرة حكومية أهل محلة ما، فأمرهم الله تعالى بالامتثال لأمر نبيه في التوسع بقدر لا يلحق الضرر منه الحاصل من ضيق المجلس،كما إنه لا يعني ذلك القيام منه أو بالأحرى قيامه من مجلسه الذي كان فيه، وإنما يظلون فيه إلا في استثناءات خيرية، فإن مَن وسّع على مؤمن، وسّع الله عليه في الدنيا والآخرة من رزق وبركة وسعة قبر، ومنازل في الجنة، فإن الجزاء من جنس العمل، فقد ورد الجزاء بـ(يفسح الله لكم)، وهذا ما يُسمَّى بالمشاكلة.
وعلى العكس من ذلك لو قيل لنا نرتفع عن المجلس لقضاء حاجات خيرية من صلاة وجهاد وإصلاح، أو لانفضاض المجلس حيث انتهى وقته، فعلينا في الحال أن نستجيب لهذا النداء.
أخي العزيز.. ليس العبرة فقط بالعلم، فالعلم لا يثمر إلا بالعمل، فإن اتحدا في شخص مؤمن وعالم وعامل، كان على الله سبحانه وتعالى أن ينيله الدرجات العلى الرفيعة في الجنة، وقيل إن هذا الدرجات ينالها أيضًا غير العلماء من المؤمنين العاملين، لكنها أقل من العلماء منهم والله أعلم، ومن المؤكد أن القدوة أكبر ما تكون عليه بالعمل، والعمل لا يبصروه إلا العلماء فهم أعلم منافذ الشيطان إلى الإنسان، وبذلك استحقوا الدرجات الرفيعة في الجنة، والله لما يريبنا بأن يشرع لنا أدبًا، يذكرنا دائماً بعلمه وخبرته بنا وبأعمالنا حتى قبل أن تقع منا، لكن لا يعني ذلك أنه جبرنا عليها، فهو خبير يعاقب المسيء، ويثيب المحسن، وهذا هو ما تدعو إليه خبرته.

* علي بن سالم الرواحي
كاتب عماني