«.. ولا شك أن الشعوب العربية تتابع المشهد وتعول كثيرا على تلك اللقاءات العربية، والآمال العربية اليوم معقودة على بناء علاقات دولية تقوم على الاحترام المتبادل واحترام السيادة الوطنية واحترام لغة المصالح..»

زيارة الرئيس جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية منتصف يوليو الجاري التي تتزامن مع قمة خليجية مصرية أردنية عراقية، والتي يركز عليها الإعلام العربي منذ فترة تُمثِّل نقطة فاصلة في علاقات الولايات المتحدة مع هذه المنظومة الدولية، حيث يوجد اتجاهان اثنان لا ثالث لهما، فإما إعادة تثبيت العلاقات مع الولايات المتحدة والمحور الغربي عموما، أو أن هذه الدول مجتمعة يمكنها أن تضع تحديدات واضحة للعلاقة مع واشنطن لتخدم مصالحها القطرية والقومية، وتحافظ على السيادة الوطنية لدول المنظومة العربية وذلك في ظل متغيرات دولية سانحة، وهذا لن يتحقق إلا برؤية سياسية واحدة مشتركة تقدمها دول المنطقة في زيارة الرئيس الأميركي القريبة .
الزيارة ـ وكما علَّق عليها الكثير من المراقبين ـ تُشكِّل علامة في العلاقات الأميركية مع دول المنطقة بأدواتها القديمة (العصا والجزرة) التي استمرت طويلا على صعيد العلاقات الدولية، بل إن العلاقات الأميركية كانت تأخذ طابعا ثنائيا مع دول المنطقة كلًّا على حِدَة وفي غالبها كانت متشابهة مؤطرة باتفاقيات ومعاهدات وقواعد وعلاقات اقتصادية وصفقات تجارية وعسكرية وهيمنة على أسواق الطاقة مع إثارة حالة من القلاقل والتوتر بشكل دائم زادها توحشا حالة القطبية الأحادية الأميركية.
اليوم ـ بلا شك ـ هناك متغيرات دولية استراتيجية في لعبة الأمم وصراع القوى العظمى، وهناك محاور صاعدة وحالة تعددية قطبية بدأت ملامحها تتشكل، وليست بخافية على أي متابع لحركة التاريخ والمحاور والأقطاب الدولية، وقد بدت إفرازاتها تتشكل في الميزان التجاري العالمي معززة بقوة الاقتصاد، ومحاطة أيضا بمخاطر أي مقامرة عسكرية تتورع عن الإقدام عليها القوى الدولية؛ لأنها تحمل في طياتها ليس فقط تغييرا في النظام الدولي، بل إعادة العالم إلى ما وراء العصر الحجري فيما لو اندلعت أية مواجهة، ولذلك تحاول هذه الأقطاب البحث عن بدائل دولية تعزز اقتصاداتها وأسواقها العالمية، وخصوصا أسواق الطاقة التي تتركز هنا في المنطقة العربية، وتزداد أهميتها من حيث الثقل السكاني والأهمية الجغرافية.
السباق على كسب ودِّ المنطقة يُشكِّل أولوية قصوى في العلاقات الدولية وصراع النفوذ بين القوى الدولية، وبالتالي فإن محاولة رسم خريطة متجددة للعلاقات مع دول المنطقة هي العنوان الرئيسي في زيارة بايدن وما يأتي بعد ذلك كلها عناوين فرعية، سواء تعزيز أسواق الطاقة أو محاولة ربط المنطقة في حلف دفاعي أو العلاقة مع كيان الاحتلال، فهذه العناوين ستكون مطروحة في حال تمكنت الزيارة إعادة تثبيت الخريطة القديمة لمناطق النفوذ التي استمرت على الأقل منذ عام ١٩٧٠م وحتى اليوم.
المنظومة العربية، التي ستحضر لقاء بايدن، أيضا استبقت تلك الزيارة بمشاورات ولقاءات جمعت عددا من القيادات العربية، ولا شك أن الشعوب العربية تتابع المشهد وتعول كثيرا على تلك اللقاءات العربية، والآمال العربية اليوم معقودة على بناء علاقات دولية تقوم على الاحترام المتبادل واحترام السيادة الوطنية واحترام لغة المصالح مع الأخذ بالاعتبار أهمية التوازن في العلاقات الدولية في ظل وجود تنافس دولي وصعود أقطاب دولية أخرى تمنح المنظومة العربية حرية مناورة أكثر في العلاقات الدولية، وتدرك الدول العربية بشكل عام أن تقديم رؤية واحدة واثقة ومتوازنة يُمثِّل ورقة قوة كبيرة يضاف إليها أوراق أخرى مثل عناصر الطاقة (النفط والغاز) وحاجة العالم إليها في ظل متغيرات دولية تشكل التوازن العالمي في خارطة العلاقات الدولية ومن هنا يترقب العرب نتائج هذه الزيارة على أمل أن لا نجد أنفسنا نلعب في الوقت الضائع.

خميس بن عبيد القطيطي
[email protected]