“.. ويبقى أن يستمع العالم أجمع بدوله المتقدمة والنامية والناشئة إلى النصيحة العُمانية، والتي أكدت ضرورة وأهمية تضافر الجهود الدولية للتغلب على آثار جائحة “كوفيد١٩”، والعمل من أجل الوصول للأهداف المرجوة للاستدامة مع العام ٢٠٣٠”

تُعدُّ سلطنة عُمان من الدول القليلة على مستوى العالم التي حرصت منذ بواكير عهد بناء دولتها الحديثة على حماية حق الأجيال القادمة في التنمية، وعملت على استثمار عوائد النفط في البنى الأساسية والمشاريع الوطنية الكبرى، التي تعد مدخلا لإقامة مستقبل واعد، وعملت على إحداث تنمية شاملة تتسم بالاستدامة، وحرصت كما أكدت خلال كلمتها أمام الاجتماع الوزاري للمنتدى السياسي رفيع المستوى المعني بالتنمية المستدامة، في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، على حرصها على إدماج أبعاد وأهداف التنمية المستدامة في استراتيجيات وخطط التنمية فيها، ورصد الميزانيات الكفيلة بتحقيقها على المديين المتوسط والطويل، لتكون نموذجا يمكن الاقتداء به على المستوى الدولي. فسلطنة عُمان ـ بهذه الرؤية والفلسفة الطموحة ـ تسعى إلى العبور من الطريق الأصعب، لكنه طريق سيكون له مستقبل واعد، يحمي المُقوِّمات ويجعل لأجيال المستقبل نصيبا كبيرا ممَّا تم إنجازه خلال العقود الخمسة الماضية، وهو نهج متجدد حرص حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ على مواصلة المُضي به، والعمل على تجديد الغايات والأهداف بما يتماشى مع هذه الرؤية.
ولعل أبرز ما يؤكد المُضي العُماني في هذا الطريق وأضحت أهداف وغايات أجندة التنمية المستدامة 2030، مكوِّنًا مهمًّا من مكوِّنات ومحاور رؤية “عُمان ٢٠٤٠”، حيث تسعى سلطنة عُمان بهذه الرؤية الطموحة نحو مستقبل واعد، يحمي الحاضر ويقلل من تداعيات أزماته، فالعالم يمر بأزمات حقيقية جراء تجاهل تحقيق الاستدامة المرجوة، والعمل على تحقيق مكاسب تتسم بالأنانية، تؤثر على مستقبل الأبناء، وتتجاهل حقوقهم في الموارد التي دمرت بفعل فاعل، لدرجة أن العالم أصبح منقسما بين دول متقدمة، أخذت أكثر من نصيبها في التنمية، ودول فقير مهمشة، تدفع وحدها نتائج الخلل الواضح الذي يعيق تحقيق الاستدامة في المستقبل، لدرجة جعلت العديد من الدول الكبرى تتهرب من مسؤولياتها، وتتجه بالعالم نحو مستقبل أكثر قتامة، مستقبل نخشى أن يؤثر على الموارد والثروات القليلة الباقية، والتي أثبتت الأزمات المتلاحقة وعلى رأسها تداعيات جائحة كورونا “كوفيد19” هشاشة الوضع العالمي في مواجهته.
ويبقى أن يستمع العالم أجمع بدوله المتقدمة والنامية والناشئة إلى النصيحة العُمانية، والتي أكدت ضرورة وأهمية تضافر الجهود الدولية للتغلب على آثار جائحة “كوفيد١٩”، والعمل من أجل الوصول للأهداف المرجوة للاستدامة مع العام ٢٠٣٠، إيمانا من سلطنة عُمان أن طريق الاستدامة هو الملاذ الأمن والوحيد الذي نستطيع من خلاله الوصول إلى مستقبل يحمينا ويحمي حقوق أجيال المستقبل، ويعمل على إحداث تنمية مختلفة تناسب الوضع الراهن والمستقبلي، بدلا مما نمر به من أزمات أضحت تؤثر على الوجود الإنساني، وتشكل جرس إنذار على استمرار الجنس البشري على هذا الكوكب التعيس، فالأزمة الآن أضحت أزمة عالمية على الجميع التعاون وتقديم ما يستطيعون للوصول للطريق الوحيد القادر على حماية هذا الكوكب، والعمل على إحداث التنمية الشاملة المستدامة على الصعيد العالمي.
فالنصائح العُمانية ليس مجرد خطابات، لكنها تركن إلى تجربة تنموية طويلة ممتدة على مدى العقود الخمسة الأخيرة، وهي تجربة أحدثت من النتائج التي تجعل الإصغاء لها مرتبطا بالنجاح، وعلى الدول المتقدمة تقديم التمويل اللازم لإحداث هذه الاستدامة المطلوبة، التي لم نرَها حتى الآن سوى مجرد شعارات أممية، يرفعها البعض أحيانا للحصول على تمويل يتم استخدامه في غير وظيفته، وهي ظاهرة عالمية مسكوت عنها، لكننا هنا لا نستطيع السكوت، فكما أكدنا، فمستقبل العالم أضحى على المحك، وأن الخطر الداهم يحيق بالجميع، فالأرقام والمؤشرات على كافة الأصعدة تعبِّر عن جدية حالة الخطورة العالمية التي نحياها، وأن استمرار تلك النطاعة الأممية لن تدمر فقط أصحابها، لكنها ستؤثر علينا جميعا.

إبراهيم بدوي
[email protected]