تعدّ تكنولوجيا المعلومات والاتصال أمر لا يستغني عنهُ الانسان في ظلّ تنامي التقنيات وانتشارها، فقلصت بين مسافات البشر وجعلت العالم أشبه بقرية صغيرة يتبادل بها المعلومات والمعارف في بضع ثواني حين سخرت لخدمة الانسان وسهلت إجراءاته فحوّل بها الأموال حول العالم أجمع مع قدرته على المشاركة في التعبير عن أرائه وتصوراته عبر قنوات التواصل الاجتماعي المتاحة وما تكنه نفسه بحدود المعقول دون ضرر ولا ضرار، إلا أنّ المفارقة العجيبة لا زال بعض من أفراد المجتمع متشاحنين يسودهم التنافر منعزلين ومنغلقين على أنفسهم قاطعين لصلة الرحم نابذين للمبادئ والقيم لدرجة أنه أصبح بعضا منّا يضيق ذرعا بمن يقاطعه بالتحية والسلام في لحظة اندماجه مع تطبيقات الهواتف.
ورغم الفوائد العظيمة التي يجنيها الفرد في المجتمع من هذه التكنولوجيا كأجهزة الهواتف الذكية واللوحية وتوظيفها في البحوث والمعارف والتواصل وغير ذلك إلا انها حرمت الفرد من روح التواصل والزيارات بين أفراد الأسرة الواحدة بسبب إدمان كثير من المستخدمين عليها حتى أضحت الشغل الشاغل الذي يلهينا ليل نهار فبتنا نتعقب محتواها ونرصد جديدها، فمنا من استغلها استغلالا سلبيا دمّر بها حياته فجنى على نفسه بلاء في غنى عنه فظهرت القطيعة بين الشباب انفسهم في جلساتهم وخلواتهم وسمرهم مع أبنائهم وأصدقائهم حينما كانوا يجلسون في جلسات عصف ذهني يتسامرون معا في قضايا السياسة والمجتمع والاقتصاد فينقلون خبراتهم ومعارفهم كما ينقلون تراث أباءهم واجدادهم الى ابنائهم الذين يرافقونهم في مثل هذه اللقاءات الجميلة التي لم يعكر صفوها تواصل الكتروني ولم يعصف بها جهاز لوحي فظلت تنقل الثقافات وتنشر المعارف بين أفرادها ناهيك عن تعليم الصغار عادات الاحترام وبعض التقاليد التي اضمحلت اليوم وترهلت جراء تفشي تقنيات يتم استغلالها اليوم بوجه سلبي بحت يقضي على الطموح ويقتل الابداع.
حينما نتحدث في هذا النص عن واقع يعيشه كثير من أفراد المجتمع، فإننا لا نهول الأمر بقدر ما نذكر واقعا يتجسد في بعض الآباء وأولياء الأمور الذين لم ينأوا بأنفسهم إلى الحشمة والعفاف والطهر فقرروا العودة ثانية إلى مراحل المراهقة يفتشون عن خسيس الأمور وساقطها، ويبحثون عمّا يظنون أنه يداعب أهوائهم ويرأف بحالهم فيمتّعون أنفسهم حتى يصلون إلى مرحلة الإفراط، لندقّ ناقوس الخطر حين يدمن أحد الأزواج ويفتتن بمواقع الرذيلة فيصيب الأسرة في المقتل فيحجب الثقة الزوجية ليفقد لذتها فيدمر مشاعره وإحساسه تجاه الطرف الآخر فيصبح مشفراً أسيراً لمواقع الرذيلة لا تنفتح له الدنيا إلا مع غرف الدردشة المشبوهة فيعيش في عزلة اجتماعية خطيرة ليناقض واقع الانسان الذي يجب أن يكون اجتماعيّا بطبعه فيدمر أسرته ويمزق شملها لأنه انجرّ خلف الملذات وانقاد طواعية إلى مساوئها ليصاب منها بعلل نفسية قد لا يبرؤ ولا يتماثل الشفاء ما دام عبدا لهذه التقنية مُسخِراً قواه وماله وصحته ووقته لها متناسيا واجبه كمسؤول عن رعيته.
إن استخدام التقنية ليس عيبا ولا محرما ما زال استخدامها بتوظيف منافعها وليس ممارستها على حساب السعي خلف الارزاق ولا طلب العلوم ولا تربية الابناء ولا هجر الحوار مع الزوجة أو الابناء الذين يستمدون القوة من ولي أمرهم باعتبار أنّ فاقد الشيء لا يعطيه. فوجب على الوليّ أن يسلك نظاما عادلا في استخدام الهاتف حيث لا يتاح استخدامه في أثناء الطعام ولا في غرف النوم ولا في أثناء الجلوس برفقة الاولاد في العطل والاجازات وفي مواسم الامتحانات وغيرها من الزيارات العائلية التي يجب أن ترسخ في أذهان الابناء عاداتنا وتقاليدنا وتبني جسور التواصل والتفاهم دون ضرر ولا ضرار وهو ما ينمي لدى الابناء قيم الاحترام والمحافظة على النظام وتقدير الاوقات.
نرمي في هذا النص إلى ترشيد ولي الأمر لاستخدام التقنيات وتوظيفها توظيفا يليق بمبادئهم وقيمهم وما جبلوا عليه من عادات وتقاليد وتحمل للمسؤولية فيأخذوا صالحها ويتركوا طالحها فهم قدوة المجتمع وأساس التربية فلا بد أن يخشون على انفسهم كخشيتهم على مستقبل أبنائهم وأشدّ خشية يحافظون عليهم من الانصياع خلف ملذات ومفاسد الهواتف النقالة التي باتت تشكل خطرا محدقا على الجميع في هذا المجتمع، وعدم الإفراط في استعمالها على حساب كثير من الواجبات والمسؤوليات الجسيمة التي حُمّلنا إياها. كما ندعو وسائل الاعلام أن تؤدي واجبها على أكمل وجه في التوعية والارشاد بأضرار التكنولوجيا حين تصبح فسادا ينخر في عقول بعضنا وأن نقف معا لحمة واحدة ونتكاتف لدرء الخلل وغلق أبواب الفساد والانحلال الخلقي الذي نخر فينا ولا زال ينخر وهو ما نلحظه اليوم في كثير من جيل اليوم الناشئ. ولنتذكر بأنّ صلاح الفرد هو صلاح للمجتمع والامة. وفساده فسادٍ للمجتمع والأمة وفي ذلك فليتذكر أولوا الالباب.

خلفان بن محمد المبسلي
[email protected]