” نحن بحاجة لخبرات وتجارب الشباب، خاصة منهم من الجيل الثاني والثالث من المسلمين الأوروبيين ومن أميركا الشمالية وتطويرها ودعمها وتبنيها حتى في منطقتنا. فهؤلاء أقدر على التعامل مع نفاق الغرب الذي يعيشونه، من الاعلام والسينما إلى عسف الشرطة وعنصريتها مرورا بالتمييز في التوظيف وحتى الصحة والتعليم.”
ـــــــــــــــــــــــ

صحيح أن بين المسلمين من يشوه صورة الإسلام والمسلمين، وأن أغلبيتنا تدعو الله ألا "يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا"، ويصعب تبرير ذلك بأن بين غير المسلمين من المتشددين والمتطرفين ما يجعلنا لسنا استثناءً. فما تفعله القاعدة وداعش وغيرها من الجماعات الارهابية يشوه الانسانية وليس فقط دين من الاديان، ومهما كان التطرف والارهاب بين الجماعات الأخرى فلا شك أن نصيبنا منه أكبر بكثير. مع كل هذا لا يمكن بأي حال من الأحوال السكوت عن النفاق العالمي البشع تجاه المسلمين وما يتعرضون له من عنصرية يتم تبريرها بادعاءات لا تصمد حين يتعلق الأمر بغيرهم.
أحد الأفلام الأميركية المرشحة لجوائز أوسكار، "القناص الأميركي"، للمخرج والممثل المخضرم كلينت ايستوود متهم بأنه ملئ بالعنصرية تجاه العرب والمسلمين. ومع أن ذلك ليس بجديد على السينما الأميركية والغربية عموما، إلا أن قصة الفيلم تحمل الكثير من الدلالات. فهو يحكي عن جندي مارينز شهير بأنه قتل أكبر عدد من العراقيين في حرب غزو واحتلال العراق، ونذكر جميعا هذا التاريخ القريب وكيف كان جنود الاحتلال يتعاملون مه العراقيين كأنهم "دجاج" فكلما أصاب الجنود ذعر من صوت فرقعة إطار سيارة أطلقوا نيرانهم في الأسواق وعلى الناس العادية دون تمييز، وكم تباهى كثير منهم بحصد أرواح بسطاء الناس في العراق وكأنهم ليسوا حتى كائنات حية. ولا يخفى على أحد الدور الذي تلعبه السينما في ترسيخ المفاهيم وترويج الوعي (الزائف غالبا) تجاه قضايا بعينها.
ربما لا يختلف الأمر في الفيلم الأخير عن أفلام هوليوودية أخرى حملت تشويها للإسلام والمسلمين، لكن هذا الفيلم الأخير يأتي في سياق موجة من العنصرية تجاه المسلمين تكتسح العالم ولا يخفف منها بعض التصريحات الرسمية لمسؤولين من قبيل "الالتزام السياسي" تشير إلى أن الارهاب هو المستهدف وليس الدين الإسلامي وعامة المسلمين. ولننظر الى تلك الجماعة الجديدة التي تكونت في ألمانيا على عجل بعد أحداث باريس وتتظاهر باستمرار وتشن الحملات لوقف ما تسميه "أسلمة أوروبا". صحيح ايضا أن الهجوم على المجلة الفرنسية من قبل عناصر مرتبطة بالقاعدة زاد من تلك الموجة، لكنها موجودة بشكل أو بآخر من قبل وما كانت بحاجة إلا لشرارة كهذه. ومع أن فرنسا بها جالية مسلمة كبيرة، أغلبها من دول شمال أفريقيا وتضم بؤر تطرف وتشدد تستند إلى دعاوى ارهابيين ويذكيها ما يميز الشرطة الفرنسية من عنصرية وعنف بين كل قوات الشرطة الأوروبية.
إنما الأهم في رأيي هو أن ما يدعيه الفرنسيس من "قدسية حرية الرأي" لا ينطبق على أحد سوى إهانة الاسلام واستفزاز المسلمين والعنصرية تجاههم. ففرنسا بها قانون يناقض كل مواثيق حقوق الانسان الاساسية لا يسمح لأحد بانتقاد دولة الاحتلال الاستيطاني العنصرية في فلسطين (اسرائيل). ولو تجرأ أحد ونظر ليهودي في الشارع لغرابة شعره وقلنسوته يمكن حبسه بتهمة "معاداة السامية". ونذكر جميعا كيف حاكمت فرنسا المفكر روجيه جارودي وحجرت على رأيه إرضاء للصهاينة. ولا يقتصر النفاق على الفرنسيس، وان كانوا روادا فيه، لكن حتى في "قلعة الحرية" بالولايات المتحدة لا يمكن التعرض الأميركي من أصل أفريقي أو أصل لاتيني إلا وثارت اتهامات بالعنصرية على أساس اللون والجنس، أما التمييز ضد المسلمين فيمر مبررا بأنه "مكافحة ارهاب".
مرة أخرى، لا نبرئ من يحملون صفة ديننا من السفهاء المتطرفين ونحتاج لتنقية جماعتنا من عناصر تشوهها ويقع علينا العبء الأكبر في تعديل الصورة النمطية التي تربطنا نحن وديننا بالإرهاب والتطرف. ولا يفيد هنا أن نزايد على "الخواجات" في النفاق بنفاق أكبر بادعاء أن هذا "رد فعل على عداء الغرب وعنصريته تجاهنا"، ولا حتى بمواقف متطرفة على الجهة الأخرى تدعي ليبرالية على طريقة أننا "ملكيون أكثر من الملك" وكاثوليكيون أكثر من البابا". لكن في القوت نفسه، لا يمكن التغاضي عن تزايد نعرات العنصرية والتمييز تجاه المسلمين، أولا المقيمين في دول الغرب منهم وثانيا اجمالا في كافة دولنا باعتبارها دولا "متخلفة وقمعية تفرخ التطرف والارهاب". وهنا نحتاج إلى استخدام ذات الأدوات والأساليب التي يعتمدها العالم المنافق، ولن يجدي الاتكاء على بكائيات الأطلال من أن الاحتلال والاستغلال الغربي المستمر لبلداننا هو جذر هذه المشاكل، ونقنع بأننا اتسقنا مع انفسنا بينما يوالي العالم ترسيخ كل ما هو سلبي بحقنا.
نحن بحاجة لخبرات وتجارب الشباب، خاصة منهم من الجيلين الثاني والثالث من المسلمين الأوروبيين ومن أميركا الشمالية وتطويرها ودعمها وتبنيها حتى في منطقتنا. فهؤلاء أقدر على التعامل مع نفاق الغرب الذي يعيشونه، من الاعلام والسينما إلى عسف الشرطة وعنصريتها مرورا بالتمييز في التوظيف وحتى الصحة والتعليم.
هما خطان متوازيان اذا: نقد واصلاح أنفسنا ومكافحة عنصرية الغرب ونفاقه، وكلاهما يكمل الآخر وأن كان ليس ببديل عنه. وعلى إعلامنا أن يطور مه نفسه كثيرا في هذا السياق، ويستحث بقية أشكال الابداع على هذا النهج المزدوج إن كان لهذه الأمة أن تتجاوز محنتها الحالية.

د.أحمد مصطفى* كاتب صحفي مصري