[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” البعض يرى أن التطورات على الأرض، واستمرار الصراع بين الحوثيين والرئيس والحكومة، ربما تؤدي لانهيار الاقتصاد اليمني، وانتشار الفوضى والاضطرابات في أنحاء اليمن ، وانهيار الجيش وانعدام سيطرة الحكومة على مضيق باب المندب، وربما ينتهي الأمر بإغلاقه، أو وقوعه تحت سيطرة القاعدة أو الميليشيات والجماعات المتصارعة.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

التطورات الأخيرة في اليمن التي أدت لسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، ومحاصرة القصر الرئاسي، ومقر الحكومة، مما أدى لاستقالة الرئيس المؤقت عبد رب منصور هادي، ورئيس وزرائه ـ دفعت كثيراً من المحللين للتكهن بسيناريوهات كارثية للأوضاع في اليمن، ربما تمتد لتهديد الملاحة في مضيق باب المندب الذي تمر منه 8% من التجارة العالمية نصفها ناقلات نفط قادمة من الخليج العربي، ومتوجهة إلى البحر المتوسط عبر قناة السويس.
البعض يرى أن التطورات على الأرض، واستمرار الصراع بين الحوثيين والرئيس والحكومة، ربما تؤدي لانهيار الاقتصاد اليمني، وانتشار الفوضى والاضطرابات في أنحاء اليمن ، وانهيار الجيش وانعدام سيطرة الحكومة على مضيق باب المندب، وربما ينتهي الأمر بإغلاقه، أو وقوعه تحت سيطرة القاعدة أو الميليشيات والجماعات المتصارعة.
إذا صحت هذه التكهنات فالتأثير سيكون صعباً على مصر؛ لأن معناه توقف حركة الملاحة في قناة السويس التي تدر على مصر 5.6 مليار دولار سنويا ما يعادل 10% من إيرادات النقد الأجنبي في دولة تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة وتعول على قناة السويس بعد تطويرها في الوصول بإيراداتها لعشرين مليار دولار سنويا وغلق باب المندب سيجبر ناقلات النفط للالتفاف حول قارة إفريقيا للوصول لأوروبا عبر المحيط الأطلنطي ما يزيد من تكاليف ووقت الرحلة أضعافاً مضاعفة، وستتأثر حركة التجارة العالمية، في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من التباطؤ والكساد، لذلك قد تضطر القوى الدولية للتدخل في اليمن بحجة تأمين الملاحة في باب المندب، ويعود الاحتلال الأجنبي لعدن بعد نصف قرن من مغادرة الإنجليز لليمن.
ويرى البعض أيضا أن الوضع في اليمن؛ على أنه صراع بين إيران والشيعة ضد العرب السنة؛ متناسين أن الحوثيين ـ اتفقت أو اختلفت معهم ـ هم فصيل يمني وطني، وأن الصراع سياسي في الأساس، وليس هناك دليل واضح على تورط إيران في دعم الحوثيين حتى الآن، بل إن هناك أطرافاً يمنية غير شيعية متحالفة مع الحوثيين في مواجهة الرئيس والحكومة والإخوان المسلمين، في بلد يمتلئ بالتعقيدات المذهبية، والطبيعة القبلية والمناطقية والمرجعيات الإيديولوجية المتباينة.
وهناك في الداخل اليمني من يستدعي التدخل الأجنبي، ويستحث مصر ودول الخليج على إرسال جيوشها للوقوف في وجه ما يسمى المد الشيعي، ومنع الحوثيين من السيطرة على باب المندب، متغافلين الحقائق على الأرض، والمستجدات التي طرأت على العالم، والأوضاع الصعبة التي تعيشها مصر، ودول الخليج في ظل تراجع دور جامعة الدول العربية، وانهيار العمل العربي المشترك عقب سقوط بغداد، وانكفاء سوريا على مشاكلها الداخلية، ومحاصرة مشكلة الصحراء والقلاقل والثورات في ليبيا وتونس للمغرب العربي، وتقسيم السودان، والوضع المضطرب في الصومال والقرن الإفريقي.
السيسي لا يمكنه تكرار ما فعله عبد الناصر في ستينيات القرن الماضي؛ بسبب اختلاف الظروف الدولية والجيوسياسية، والفرق الكبير بين الرجلين، ويكفي السيسي ما يواجهه من مشكلات داخلية، يكافح من أجل حلها؛ فبينما كان المصريون ومعظم الشعوب العربية ملتفاً حول عبد الناصر؛ نجد المصريين الآن منقسمين حول السيسي؛ بين مؤيد ومعارض، فضلاً عن انشغاله باستتباب الأمن وبناء مؤسسات الدولة التي تصدعت عقب سقوط نظام مبارك، وتثبيت ركائز حكمه الذي يحارب داخلياً بشراسة من قبل جماعة الإخوان ومناصريها، وخارجياً من قبل دول إقليمية ودولية، ترفض الاعتراف بحكمه، وتوفر الدعم المادي، والمنصات الإعلامية لمعارضيه لمهاجمة نظامه، وتحريض الداخل ضد حكمه وتأليب الرأي العام العالمي للنيل من شرعيته، واتهامه بتعطيل القانون وانتهاك حقوق الإنسان.
هذا الصراع المستعر على السلطة في اليمن يذكرنا بالصراع الذي اندلع في ستينيات القرن الماضي؛ بين الجمهوريين والملكيين عندما قاد العقيد عبد الله السلال ( الذي كان يؤمن بالقومية العربية ويتبع النهج الناصري في السياسة والحكم) الانقلاب ضد الملكية ونجح في الاستيلاء على قصر الحكم بصنعاء وإعلان قيام نظام جمهوري في اليمن، لكن أنصار الملكية الذين فروا من صنعاء تجمعوا في المناطق الشمالية ليتلقوا المساعدات الخارجية من الأنظمة المعادية للنظم الجمهورية؛ ويعاودوا الهجوم على قوات السلال في صنعاء، وينجحوا في حصار العاصمة صنعاء.
يستنجد السلال بعبد الناصر ليساعده في فك الحصار، ويستجيب عبد الناصر الذي كان يؤمن بأن قدر مصر هو مواجهة الاستعمار والرجعية، وكان يريد تكرار تجربته الناجحة عندما دعم الثورة الجزائرية وساهم في حرب التحرير وانتصار الثورة وجلاء المستعمر الفرنسي بعد هزيمته في الحرب التي انتهت بإعلان استقلال الجزائر في 1962م، وربما أراد عبد الناصر تعويض انفصال سوريا، واستمرار المشروع العربي الوحدوي، فوجد في مساعدة اليمن فرصة لاستعادة حلمه الوحدوي القديم.
بدأ ناصر إرسال القوات المصرية لليمن في اكتوبر 1962م ، وكانت البداية كتيبة لقوات الصاعقة، وكانت مهمتها حراسة قائد الثورة عبدالله السلال خشية اغتياله في بلد يحمل معظم أفراد شعبه السلاح، وتوالى إرسال القوات المصرية والعتاد العسكري بكافة أنواعه من طائرات مقاتلة ودبابات، وقطع بحرية حتى وصل عدد القوات المصرية في اليمن زهاء 70 ألف جندي، استمر وجودهم في اليمن حتى اندلاع حرب يونيو 1967م ، بعدها أدرك جمال عبد الناصر صعوبة إبقاء الجيش المصري أكثر من ذلك في اليمن، بعد طول أمد الحرب وارتفاع التكاليف وتكبد الجيش المصري خسائر في الأرواح والعتاد أثرت على مستواه وكفاءته القتالية عند مواجهة العدو الإسرائيلي في حرب يونيو 1967م .
ومازال النصب التذكاري للجندي المجهول بأهم ميادين العاصمة اليمنية صنعاء شاهداً على التضحيات التي قدمها الجنود المصريون الذين ضحوا بحياتهم في سبيل مساعدة اليمن في معركة الاستقلال وانتصار الثورة، وشاهداً على دور عبد الناصر في مساعدة الشعوب العربية لنيل حريتها، واستقلالها الوطني.
السبيل الوحيد لأبناء اليمن للخروج من آتون الأزمة الراهنة هو التوحد، ونبذ الفرقة وإزالة أسباب الانقسام والتشظي، ولن يتم ذلك إلاّ بالوحدة الوطنية والتسامي فوق المذهبية والطائفية، والمناطقية، وإعلاء مصلحة الوطن على الخلافات السياسية والمصالح الحزبية الضيقة، لإنقاذ اليمن من مصير مجهول لا يعرف أحد مداه، قبل أن نصحو يوماً على تقسيم أو انهيار جزء عزيز من وطننا العربي، كما تفككت من قبل دول وأوطان عربية كنا نظن أنها عصية على التقسيم أو النيل من تماسكها ووحدتها الوطنية.