[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
كان الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري يردد " ليس عندي ما يبتزه الألم .." .. ربما من شدة الألم لم يعد يتألم، أو أن ثمة قوة داخلية جبارة تجاوزها جسده فلم يعد لها ما يؤلم.
العرب من النصف الأول، من يجلد على ظهره يتأوه بالعشر الجلدات الأوائل ثم تخف لديه الأحاسيس بما تبقى من جلدات. هكذا عيش العرب في أيام المصاعب التي فتحت عليهم أسئلة كثيرة لم يجر حتى الآن السبيل للإجابة عليها.
في ظل الوجع الذي يتحول إى عادة، وكثير من الناس يعتاد على مرضه فيصبح بالنسبة إليه صديقا مزعجا يفترض التعايش معه بشكل دائم، نرجو أن لا يتحول الألم الى تقسيم الجسد وتفسيخه .. الألم في ليبيا الواحدة خير من ان تتحول الى ليبيات، والظفر في مصر الكنانة أن تظل على وحدتها رغم كل اعتبارات الأمن التي تواجهها .. ورغم وطأة الأيام الصعبة والمعقدة التي تعيشها سوريا، فيبقى الرهان حتى على هذا الوجع المضني كأفضل حالة من حالات تقسيمها او شرذمتها .. والعراق الذي يواجه عواصف داخلية ويسعى للخروج من أزمة عالقة خطيرة، يتمسك بأهداب وحدته الداخلية كيلا يصير عراقيات .. وكذلك لبنان الذي كان دائما محطة لتصفية الحساب مع وحدته، تراه متمكسا بأصول لعبه حتى لو كان لعنة فهي مفضلة بكثير عن لبنانيات مزعجة لا تستحق أن تكون .. وأجمل ما وصله اليمن في أيام تحدياته أنه مازال واحدا يعمل على أن تبقى قوته في وحدته.
وكذلك هي حال بقية العرب الذين يواكبون العبث ببلادهم، لكنهم يجهرون علنا، يا محلى عواصف الداخل من البقاء من الوحدات القادمة. فبرنارد لويس وضع أحلامه في تقسيم العرب، رسمها فوق خارطة سايكس بيكو التي اعتبرها من قديم ما فعلت دولتان، تحتاج الآن الى تصحيح .. وبرأيه أن سبعين دولة عربية هي الحل بدلا من الاثنتين وعشرين الحالية، ثم أفضل بكثير من الأفكار التي جاهر بها برنارد هنري عن العالم العربي وهي ضربة موت لبقائه حيا، فهذا الصهيوني الفرنسي حلم بليبيا مختلفة فأعطاها من حلمه الكئيب ما وصلت إليه، وحاول ولايزال مع سوريا أن يقدم لها وعاء السم، لكنها قاومته، ويفترض به ان يتجرعه لأن طابخ السم آكله في النهاية، ولسوف يعيش طويلا كي يرى الشام على طبيعتها وهي تعيش دمها لكنها لن تعيش تفسخها، ولن يراها وحدات صغيرة، لأنها واحدة ذات رسالة خالدة.
يمكنني التعايش ولو مع هكذا عالم عربي تلعب في أرجائه الريح لكنها لم تتمكن من نخره. تظل الأزمات على أبوابه وإن هبت على الداخل فلن تتمكن من إصابته بشكل قاتل. صموده تفسير لكونه عادت يتدرب على النار بمنطق النار ذاتها .. يتعلم السلم بمنطق الحرب، لكنه يصد كل الرياح التي تريد تمزيقه. يكفينا ذلك الألم الذي حطه في الجسد كل من سايكس بيكو، وكنا نحلم أن نظل الأقطار الخمسة التي أسست جامعة الدول العربية بكل ما كانت عليه عند التأسيس وما صارته اليوم من انكفاء.
سنظل نقاتل من أجل الا تتجاوز المحنة واقع الجغرافيا الحالية لكي ترسم جغرافيات.