- حفصة عبد الله تخاطب الليل وتساهر القمر وتحاور الشمس وتلاحق الفراشات عبر «ديمة وودق»

مسقط ـ العُمانية: تعاين الشاعرة العُمانية حفصة عبد الله في مجموعتها (ديمة وودق) هواجس الإنسان وما يؤرقه من أسئلة وجودية تشعره بالاغتراب، حتى عن نفسه أحيانًا، وإذ ذاك يحاول أن يوجد مساحة يعبّر بها عن ذاته، فتكون الطبيعة هي الملاذ، ببحرها وشمسها وأرضها ومطرها وزهرها وطيورها.
لذلك، لا غرابة أن تكون قصائد المجموعة التي تنوعت بين الشعر الحر والقصيدة العمودية، متلوّنة بألوان الطبيعة، ومنها تستمد أعمق المعاني وتنفتح على الدلالة والتأويل وهي تتماسّ مع موجودات الكون من حولها، إذ تخاطب الشاعرة الليل، وتساهر القمر، وتحاور الشمس، وتلاحق الفراشات، وتستثمر كل ما يمكنه أن يوصل المعنى الداخلي والمشاعر الجياشة من مفردات وصور، كما في قصيدتها (همسة):
(تضع الفراشة حزنها بين الزنابِق
والحقولْ
الزهرُ من حول الفراشة
ذابِلٌ مثل الفصولْ
وتحطُّ أقدار الفراشة نحلة
بانت على جُرحِ الغصونْ
وتنهدتْ للورد قالت: مزحة هذي
الزهور!
حينًا أرى قبح المسالك في العبورْ
حينًا يُروِّعني الأسى
ويكون كالضوء المُثولْ).
وفي قصيدتها (حنين) تناجي الشاعرة الليل:
(هل عاد هذا الليل
فيمَن غابا
والليل يطرق للنَّوى أبوابا
أهدى مودته
وأسدى حلمه
كم قد شكا من حلمه وارتابا
الليلُ يعلم أنَّ
طيفًا قد أتى
مدَّ الظِّلال بصمته وانسابا
والليل يكتم سره أن قد
ضوى
في سرِّه كم مزَّق الأثوابا).
وتبدو قصائد المجموعة مسكونة باليوميّ، غير أن الشاعرة تملك القدرة على تحويل هذا اليومي إلى هواجس تشغل بال الإنسان وتترك في النفس أسى وفي القلب حزنًا مقيمًا، خاصة ما يتصل بالموت والفراق والهجر والنكران،، فها هي تقول في قصيدة (ما يثيره الهجر):
(وحسبي أن نازلةً بقربي
تُقيمُ ولا تُجيدُ ليَ ابتساما
لقد عجَّلتُ من شكواي حرصي
أمَدُّ الليل من همي اهتماما
نزحتُ مناقبي وجمعتُ صبري
سألقى ما سعيتُ له ختاما).
ويتناول عدد من قصائد المجموعة الصادرة عن (الآن ناشرون وموزعون)، موضوعات تتعلق بالحرب وما تخلفه من مآسٍ على الإنسان، وبخاصة الأطفال، وتعبّر الشاعرة عن ذلك بأقسى المشاعر والصور، كما في قصيدتها عن الطفل السوري الذي ينام في الشوارع:
(النومُ أسدل للأسحارِ يُغريها
والبردُ يُشعل بالأكفانِ يُجريها
وحدي أنام وبين الدرب أسئلةٌ
ملأى بكلِّ مماتٍ غارق فيها
الشمسُ ترسُم بين العين ثانيةً
خيطًا من النور حتى لا تُلاقيها).
ويتكرر الأمر في قصيدة كتبتها الشاعرة عن الأم التي ألقت بأطفالها في نهر دجلة، وهي الحادثة التي تشير إلى ما تُحدثه الحرب من تمزقات في العلاقات الاجتماعية بين الناس، حتى داخل العائلة الواحدة، فإذا اختفت تمظهرات الحرب الظاهرة للعين، فإن تبعاتها على حياة الإنسان لا يمكن تجاوزها بسهولة:
(يا نهر دجلة هل رأيت صغارا
يستنجدون ويصرخون فرارا
هلّا لفظتَ نداءهم ورحمتَهم
من جوف مائكَ قد لفظتَ مرارا
أم صيّرَتْ قطراتُ دمعٍ من أسى
روحَ الحنان فحوَّلته قَفَارا).
وتكشف الشاعرة في مجموعتها هذه عن إحساسها الفني العالي بالصورة الشعرية، وعن قدرتها على اقتناص المشهد الشعري للتعبير عمّا يجول في مخيلتها من أفكار وهواجس، وهي تتطرق من خلال تعبيرها عن الحزن الذاتي إلى موضوعات تعبّر عن الأسى الجماعي، بخاصة الناتج عن ويلات الصراعات والحروب.