فرضت الظروف الاقتصادية والأزمات العالمية المتتالية نمطًا تجاريًّا جديدًا على مجتمعنا، يهدف إلى زيادة الدخل الأسري، ويعمل على تشكيل نواة لمشاريع متناهية الصغر، أو ما يعرف بالمشاريع المنزلية، التي تُعدُّ الخطوة الأولى نَحْوَ ريادة الأعمال، والتي تنطلق بأفكار مستحدثة نَحْوَ السُّوق المحلِّي، لتصبح من المشاريع التي تُسهم في دعم عجلة الاقتصاد الوطني، وهي ظاهرة عالمية تطوَّرت سريعًا. فأكثر من نصف الشركات الصغيرة والمتوسطة في بريطانيا تعمل من المنزل، وتتزايد نسبة الأعمال التجارية من المنزل بمرور الوقت، بل إن أغلب الشركات الريادية الكبرى بدأت من المنزل، حيث تشكل تلك المشاريع المنزلية نقطة انطلاق للكثير من المشاريع والشركات الكبرى التي أحدثت نقلات نوعية على الصعيدَيْنِ الاقتصادي والاجتماعي، فمرونة تلك المشاريع، وسهولة القيام بها دُونَ أعباء دورية تثقل كاهل المشاريع الوليدة، وقدرتها على توليد أفكار ابتكارية جديدة تتناسب مع المتغيرات التي تشهدها الأسواق المحلِّية، واعتمادها في الأغلب على شركات التجارة الإلكترونية المختصَّة في الترويج للمنتجات، جعلها انطلاقة جيِّدة نَحْوَ مجتمع المال والأعمال.
ولعلَّ ما أسهم في فتح آفاق جديدة للمشاريع المنزلية لابتكار نشاطات تجارية إضافية لَمْ تَكُنْ موجودة في الأسواق المحلِّية، هو تلك التغيُّرات الأخيرة في الأسواق المحلِّية والدولية، فريادة أعمال المشاريع المنزلية ذات علاقة وطيدة بالمجتمع المحلِّي، فالفكرة منبعها المجتمع ذاته، وتتأثر أنشطة ريادة الأعمال المنزلية بسياق الجوار المحلِّي، والتعرف على المجتمعات المحلِّية بعناية مُهمٌّ جدًّا لتوليد الأفكار التجارية وتحقيقها. ويُشكِّل نجاح مِثل تلك المشاريع فُرصة لغيرهم من الأسر الشابَّة، لينطلقوا نَحْوَ عالم الأعمال، ما يساعد على بناء هرمي لقِطاع خاصٍّ فاعل في تحقيق التنمية الاقتصادية، حيث يُمثِّل هؤلاء لبنة مهمَّة في قِطاع المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة المحلِّي، ما يدفع بالنُّمو الاقتصادي عَبْرَ الابتكار في العمل التجاري وإيجاد نُمو في فُرص العمل، ويزيد من دخل الأُسَر والأفراد، الوضع الذي يُمثِّل دفعة للقوَّة الشرائية داخل البلد، ما يعزِّز حظوظها في جذْب الاستثمارات الكبرى.
ونتيجةً لانتشار تلك المشاريع، ونظرًا لأهميَّتها، بات من حُكم الضرورة تنظيم مزاولة تلك المهن والمشاريع، حماية للمنتج والمستهلك، وإعطاء المزيد من الثقة في تلك المنتجات، التي يعتمد معظمها على الفضاء الإلكتروني في عملية الترويج. فهذه الفُرصة الاقتصادية التي تُسهم في نُمو الاقتصاد الوطني، يجب تنظيمها بعناية حتى يتسنَّى حصد النتائج المرجوَّة منها، فتعزيز المشاريع المنزلية بلوائح تنظيمية وتراخيص من شأنه إيجاد فُرص عمل والإسهام في تنويع القاعدة الإنتاجية في البلاد، وتقليص أعداد الباحثين عن عمل في البلاد، بالإضافة إلى دَوْرِها الحيَوي في زيادة الدخول النقدية للأفراد ورفع مستوى معيشتهم، ما يعزِّز من عملية الاستهلاك والاستثمار بالتالي العمل على ارتفاع الدخل الوطني للدولة، وتحقيق التنمية المستدامة الشاملة.
وفي هذا السِّياق، جاء قرار وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بشأن لائحة تنظيم مزاولة الأعمال الإنتاجية المنزلية، حيث يأتي هذا القرار بهدف تمكين الأعمال المنزلية التي يمكن ممارستها من قِبل المواطنين في منازلهم. وتُعدُّ هذه الأعمال من المشروعات الصغرى لتنمية دخل مزاوليها مع الالتزام بأنْ يكُونَ ذلك ضمن إطار تراخيص الأعمال المنزلية أو التسجيل التجاري المعتاد لضمان حقوق البائع والمشتري على حدٍّ سواء وضمان ثقة المتعاملين في التعاملات التجارية من داخل وخارج سلطنة عمان. وأوضحت الإحصاءات الصادرة عن وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أنَّ عدد السجلَّات المسجَّلة للأعمال المنزلية بلغت (9) آلاف و(92) سجلًّا في مختلف الأنشطة المنزلية، وأكَّد القرار الوزاري أنَّه يَجِبُ على كُلِّ مَن يزاول الأعمال الإنتاجية المنزلية توفيق أوضاعه طبقًا لأحكام اللائحة المرفقة خلال (6) أشهر من تاريخ العمل بها، ويحظر القرار مزاولة العمل الإنتاجي المنزلي إلَّا بعد الحصول على ترخيص من وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بالتنسيق مع الجهة المختصَّة.
إنَّ تنظيم هذا النَّوع من الأنشطة جيِّد، لكنْ من المؤكَّد أنَّ المُزاولين له يتمنَّونَ أنْ يدفع بنشاطهم قُدمًا، وينقلَه إلى الأفضل ويحقِّقَ تطلُّعات كُلٍّ من البائع والمشتري، وفي التقدير هذا ما تمَّ وضْعُه في الحسبان.