لقد آن الأوان لوقف تغول البطالة في المجتمع بإجراءات واقعية تنقذ العراق من تخبطه من خلال اللجوء إلى خيارات مؤقتة وغير مؤثرة وحاسمة، لا سيما وقف هدر الأموال المتأتية من عوائد النفط على المجهود الحربي..


يكاد يكون العراق واحدا من دول الجوار والمنطقة يدور في حلقات مفرغة في تعاطيه مع أزمات متتالية، سواء كانت سياسية أم اقتصادية، ناهيك عن الأمنية التي وضعت العراق على طريق وعر وشائك من فرط تداعيات هذه الأزمات التي تتوالى فصولا من دون أمل لعبور حائط الصد الذي لم يصمد أمام ارتدادات هذه الأزمات.
هذه الأزمات تسببت في انتشار ظواهر البطالة والفساد وانتشار السلاح والمخدرات وغياب سلطة الدولة في الشارع ومنافذ الحدود مع دول الجوار، وتنمر الخارجين عن القانون، وهو الأمر الذي تسبب في بقاء العراق ضعيفا وغير قادر على مواجهة التحديات التي تقربه من حال الانتقال إلى فضاء الأمن والاستقرار.
وإذا أخذنا ظاهرة البطالة نموذجا لمخاطر الأزمات التي ذكرناها، فإننا نضعها في صدارة الظواهر التي تخيم على العراق منذ غزوه واحتلاله رغم أنه يملك ثالث احتياطي للنفط بالعالم، ويصدر نحو أربعة ملايين برميل نفط يوميا. ومرد اتساع هذه الظاهرة يعود إلى وقف التنمية وتفاقم الديون الخارجية والوضع الأمني، ناهيك عن طغيان الفساد المالي، والإداري، وعزوف الاستثمار العربي والأجنبي.
وإذا وضعنا هذه الأسباب جانبا، فسيبرز إرث الخراب والحروب، والحصار الاقتصادي في الثمانينيات والتسعينيات، الذي طال أوْجه الحياة كافة، وعطَّل منظومة العمل والتنمية وأنتج أجيالا من العاطلين، حيث تحولت البطالة في العراق إلى مشكلة خطيرة حولت العراق إلى دولة ريعية مهمتها تأمين رواتب العاملين في مؤسسات الدولة والمتقاعدين. طبقا لإحصاءات وزارة التخطيط ومنظمات أجنبية ومحلية فإن الذين يدخلون سوق العمل من الشباب تكون نسبة كبيرة منهم من خريجي الجامعات العراقية؛ لأن فرص العمل التي توفرها الدولة لا تستطيع أن تستوعب كل هؤلاء الخريجين من الجامعات العراقية فحدثت المشكلة المتعلقة ببطالة الخريجين داخل ظاهرة البطالة العامة وأنواعها، فبدأت القضية تتسع من إشكالية إلى ظاهرة فأزمة وصولا إلى إمكانية توصيفها بالكارثة التي تتطلب وضع خطة لمكافحتها.
وعلى الرغم من تحديد أسباب البطالة وعوامل مكافحتها يبقى الفساد المالي والإداري والرقابة على مخرجات الموازنة العامة عاملا مؤثرا لوقف تحول البطالة إلى هاجس للدولة والمواطن.. فمن دون هذه المحددات وعوامل تفعيلها في الميدان يبقى العراق عاجزا عن تكريس ثرواته لسعادة شعبه عبر استغلال الطاقات بمشاريع إنتاجية مثمرة وسد منافذها أمام المفسدين.
لقد آن الأوان لوقف تغول البطالة في المجتمع بإجراءات واقعية تنقذ العراق من تخبطه من خلال اللجوء إلى خيارات مؤقتة وغير مؤثرة وحاسمة، لا سيما وقف هدر الأموال المتأتية من عوائد النفط على المجهود الحربي وبما يؤمن وقف الهدر المالي على الماكينة العسكرية التي تسلل إليها الفساد أيضًا ما انعكس سلبا على شحة التخصيصات المالية على أبواب الصحة والتعليم والتطوير واستيعاب جريجي الجامعات لتجديد المجتمع وتطويره وتحديثه.
فظاهرة البطالة والفساد وأخواتها وأزمة الثقة والتخوين بين حلفاء الأمس أعداء اليوم ستبقى متجذرة في المجتمع العراقي ما لم يستعِد العراق عافيته، ويخرج من النفق المظلم الذي يتخبط به بإجراءات تعيد رسم ملامح لنظام سياسي جديد خاليا من الظواهر التي أبقته منقوص السيادة وأمواله منهوبة لم تسعد شعبه، وأبقت العراق هي الأخرى رهن تسيد طبقة سياسية فشلت في إدارته والحفاظ على أمواله.

أحمد صبري
كاتب عراقي
[email protected]