ألا ترى معي أنه ربما قد يكون أكبر خطأ يرتكبه الناس بشأن السعادة هو افتراض أنها ستحدث بشكل طبيعي إذا اتبعنا غرائزنا، بمعنى إذا كان الأمر جيدا، فافعل ذلك!

في كل ساعات من حياتنا نعيش يوما، ويمضي يوم آخر، يتعاظم تأثير جائحة كورونا يوما، ونتفاجأ بسلالة جديدة منه يوما آخر كذلك! بل ونتفاجأ بتطور وباء آخر في مكان ما من هذا العالم، فهل واقعيا يمكننا إعادة تأطير البؤس والحزن والوحدة أحيانا في أيام كهذه؟ وهل يمكننا في خضم هذه الأحداث أن نجد فرصة ما للتفكر أكثر في موضوع السعادة؟!
بالطبع ونحن نتطرق لموضوع السعادة، هذا لا يعني أن السعادة تتعلق فقط بالحصول على كل التفاصيل الصغيرة للحياة بشكل صحيح. يجب على كل واحد منا أيضًا أن يضع في اعتباره بعض الحقائق الكبيرة من علم السعادة ـ إنْ صحَّ لي التعبير ـ التي يمكن أن تتجاوز الظروف والزمان، وتوجهنا عبر جميع أحداث حياتنا، من التافهة إلى الجسيمة. ومن هذه النقطة تحديدا، ألا ترى معي أنه ربما قد يكون أكبر خطأ يرتكبه الناس بشأن السعادة هو افتراض أنها ستحدث بشكل طبيعي إذا اتبعنا غرائزنا، بمعنى إذا كان الأمر جيدا، فافعل ذلك! وهذا لحدٍّ ما واقعي، حيث يرغب البشر في الكثير من المكافآت الدنيوية، مثل المال والسلطة والمتعة والإعجاب.
ولعل الأدعى هنا، أن نعي بأن السعادة تظل هي مسؤوليتك كفرد قبل كل شيء، بل وإدراك أننا في بعض الأحيان بحاجة إلى الحدِّ من شهيتنا الدنيوية، وتتبع ما يجلب السعادة الدائمة حقا، كالإيمان والتفكر بنعم الله البارزة والواضحة في كل شيء من حولنا، والعلاقات الأسرية، والصداقة الحقيقية، والعمل الهادف بكل تأكيد.
من ناحية أخرى، نلاحظ دوما أننا نعيش في ثقافة إيجاد طرق مختصرة لتحقيق أهداف تستغرق وقتا طويلا. فنرى فعلا ـ وعلى سبيل المثال ـ الإنترنت مليئا ـ إن استطعت أن أسميها ـ بحيل السعادة، التي من المفترض أن تعزز سعادتك بطرق مدهشة، مع القليل من الجهد. وبالفعل، يمكنك استخدام إجراءات صغيرة وسهلة لتغيير حالتك العاطفية بسرعة، مثل إيقاف تشغيل الإشعارات على هاتفك، وهو ما أوصي به بشدة. ولكن دعوني أكن صريحا هنا، وأقول إنه لتحمل تغيرات السعادة، فأنت بحاجة إلى عادات، وليس حيلًا. وبالعادات، لا أعني الروتين الطائش. بل أعني الممارسات اليومية الواعية لتقوية علاقاتك وكشف المعنى في حياتك!
لذلك أسعد الناس لديهم حياة تركز على الحب: من العائلة والأصدقاء والآخرين من خلال عملهم أيضًا، وفي أغلبها هي الرحمة الربانية التي تحيط بنا بلا شك. والذي يؤكد ذلك علميا، النظر إلى تلك الأبحاث التي أجريت على الأشخاص الذين ينتهي بهم الأمر بالسعادة (وأقول الصحية منها) مع تقدمهم في السن، والتي أظهرت أن أهم جزء في الحياة يجب تربيته، هي تلك السلسلة من علاقات الحب المستقرة وطويلة الأمد.
ختامًا، وبلا شك لا ننسى أحد أهم مبادئ السعادة، وهو الامتنان، الذي يحسن السعادة بشكل كبير. وحقيقة وبهذه الروح، أشكرك على قراءة مقالاتي السابقة عن ـ السعادة ـ. وبالحب والتقدير، أكرس هذه المعاني ـ وغيرها الكثير في المستقبل ـ لك، وأتمنى لك المزيد من السعادة في الرحلة المستمرة في حياتك.

د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
[email protected]