من ناحية أخرى فإنَّ التوجُّه الاستراتيجي لسلطنة عمان يسعى إلى تعزيز مختلف المشاريع في القطاع الزراعي والحيواني والسمكي للإسهام في تحقيق الأمن الغذائي من خلال التكامل بين مختلف المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص.

تضع الكثير من الدول خططا استراتيجية وسياسات متينة لتحقيق هدف الاكتفاء الذاتي من خلال تحفيز النشاط الاقتصادي بالاستثمار في العديد من المشاريع الاستراتيجية التنموية، حيث إن هذا العالم هو عالم متقلب ومشتعل بالكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية. فالأحداث الأخيرة لأزمة الحرب الروسية على أوكرانيا أجَّجت أسعار الغذاء في السوق العالمي، وتسببت بتعطيل صادرات الغذاء والحبوب من أوكرانيا وروسيا.
ولقد سبق وأن تطرقنا في إحدى المقالات السابقة حول خطة سلطنة عُمان نحو التنوع الاقتصادي والتركيز في المقال السابق حول مشاريع قطاع الصناعات التحويلية. وفي هذا المقال سنسلط الضوء على الاستثمار في مشاريع تحقق لسلطنة عُمان الاكتفاء الغذائي، حيث أولت السلطنة اهتمامها بهذا الجانب من خلال إنشاء الشركة العمانية للاستثمار الغذائي القابضة عام 2012م، وهي شركة حكومية مملوكة لجهاز الاستثمار العماني، حيث تهدف من إنشائها إلى تعزيز الأمن الغذائي لسلطنة عُمان من خلال الاستثمار في العدد من المشاريع التي تخص الأغذية محليا وخارجيا بالشراكة مع الصناديق الاستثمارية المحلية وشركات استثمارية أخرى من داخل السلطنة وخارجها.
لقد بدأت سلطنة عمان في التركيز على بعض المشاريع في مجال الغذاء، ومن أهم المشاريع الرئيسة هو افتتاح مصنع عُمان لمنتجات الحليب والألبان بالمنطقة الحرة بصلالة في يناير 2020 وقد بلغ إجمالي الاستثمار 70 مليون دولار. إضافة إلى ذلك، أطلق جهاز الاستثمار العُماني في فبراير من السنة الحالية مشروعًا جديدًا لإنتاج البروتين البديل من التمور بالتعاون مع شركاء عالميين منهم شركة «مايكو تكنولوجي» الأميركية. حيث يسعى الجهاز إلى إنشاء مصنع متخصص في السلطنة يهدف إلى تطوير البروتين البديل واستخدامه في إنتاج الأغذية البديلة ومشتقات الألبان النباتية. ومن جانب آخر وفي أبريل 2022 قامت الشركة المتخصصة للأغذية المتكاملة بإنشاء مصنع لإنتاج المواد الغذائية بحجم استثماري يصل إلى 25 مليون دولار وعلى مساحة أرض 12 ألف متر مربع في المنطقة الحرة بصلالة. حيث يعد هذا المشروع واحدا من أهم المشاريع في مجال المواد الغدائية على مستوى سلطنة عمان.
من ناحية أخرى فإنَّ التوجُّه الاستراتيجي لسلطنة عمان يسعى إلى تعزيز مختلف المشاريع في القطاع الزراعي والحيواني والسمكي للإسهام في تحقيق الأمن الغذائي من خلال التكامل بين مختلف المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص. ففي يوليو من العام الحالي 2022 تم التوقيع على 28 عقد انتفاع بأراضٍ بين وزارة الإسكان والتخطيط العمراني، ووزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه مع عدد من مؤسسات القطاع الخاص لإنشاء مشروعات زراعية وحيوانية وسمكية في مختلف محافظات سلطنة عُمان بقيمة إجمالية بلغت أكثر من 33 مليون ريال عُماني وبمساحة تتجاوز 8 ملايين متر مربع.
وتتركز هذه المشروعات على إنتاج القمح والاستزراع السمكي ومشاريع الثروة الحيوانية، إضافة إلى مشروعات الخضراوات والفواكه، بحيث تسهم تلك المشروعات في تعزيز الأمن الغذائي من ناحية، وجهة أخرى تسهم في رفع الناتج المحلي للسلطنة من تلك القطاعات.
ختاما، تشهد المرحلة الحالية عددا من المشاريع الاستراتيجية في عدة مجالات تصب في دعم الاكتفاء الغذائي.
وهنا نؤكد لا بُدَّ من التركيز بشكل أكبر على الاستثمار في مجالات الثروة الحيوانية والسمكية والزراعية في المرحلة القادمة، حيث تزخر سلطنة عمان بوجود كافة المقوِّمات والممكنات في مختلف المواقع الجغرافية وحسن استغلالها سيدعم بشكل رئيسي هدف الاكتفاء الغذائي للسلطنة. كما تتطلب المرحلة القادمة زيادة دعم المواطنين في القطاع الحيواني والزراعي والسمكي وتوفير كافة الدعم والخدمات والمستلزمات وبعض المعدات والأجهزة وتوفير التقنيات الحديثة لتطوير وتحسين الإنتاج، إذ لا بُدَّ من تعزيز دور القطاع الخاص في المساهمة بشكل فعال في الاستثمار في مجالات الثروة الحيوانية والسمكية والزراعية، إذ يُوجِد ذلك قيمة مضافة للاقتصاد العماني ومنحه فرصا تنافسية قوية محليا وعالميا.

د. يوسف بن خميس المبسلي
أكاديمي متخصص في
العلوم المالية والاقتصادية