وقف الاستطلاع الذي نشرته “الوطن” للزميلة ليلى الرجيبية بتاريخ 17 يوليو الماضي وكان بعنوان “طرق كبح جماح التضخم في سلطنة عمان الحلول والبدائل” على العديد من النقاط حول آليات كبح جماح التضخم في سلطنة عمان، والذي سجل مع بداية العام ارتفاعا قارب 4 بالمائة، ليتراجع من جديد في ضوء بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للحد من ارتفاعه وتحديدا السلع الاستهلاكية الأساسية الغذائية، بما فيها قطاع مواد البناء.
وتفرض المتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية والاجتماعية والمناخية واقعا مغايرا لحركة السلع والبضائع في العالم عنها في العقود الماضية، وهو ما حذر منه الخبراء والاقتصاديون ،وتوقعاتهم بارتفاع أسعار السلع في ضوء تلك المتغيرات وحالة عدم الاستقرار التي يعيشها العالم، وهو ما دعا الكثير من الدول إلى التفكير بالبدائل التي من شأنها الحد من حجم تلك التأثيرات على الوضع الاقتصادي والاجتماعي لدولها، مع المحافظة على مستويات آمنة ومعقولة لمؤشر التضخم.
لقد مر العالم على مدى العشر سنوات الماضية تحديدا بمتغيرات أثرت بشكل مباشر على قطاعات حيوية واستراتيجية وفي مقدمتها القطاعات الصناعية والزراعية والسمكية، والنقل وكان لجائحة كوفيد19 التأثير الأكبر على واقع تلك القطاعات، مما حدا بالدول الصناعية اتخاذ العديد من التدابير الاحترازية لمواجهة كوفيد19 والتي بدورها انعكست على حركة البضائع والسلع في العالم، ورفعت معدلات تكاليف الإنتاج والنقل، كما كان للحرب الروسية ـ الأوكرانية هي الأخرى جانب من ارتفاع موجة الغلاء في العالم بسبب التدابير والعقوبات الاقتصادية التي نتجت عن تلك الحرب، والارتفاع القياسي لأسعار النفط والغاز العامل الأكثر تأثيرا في ضوء التبعات التي تسببت في ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل واليد العاملة، وتبرز المتغيرات المناخية التي شهدتها بعض دول العالم خاصة الزراعية منها صورة أخرى لتلك الموجة من الارتفاع.
وربما أن حالة التذبذب التي يعيشها الاقتصاد العالمي وعدم ثبات الأسعار عند مستوياتها الطبيعية، وبسبب ما ذكرناه هو ما يتطلب من الجهات المعنية في سلطنة عمان العمل على وضع التصورات التي تحمي أسواقنا من حالة عدم الاستقرار، فالاقتصاد الوطني بحكم ارتباطه مع الاقتصاديات العالمية قد يكون من الصعوبة التحكم في حالات التضخم التي تعيشها أسواق الدولة، لكن ليس من الصعوبة ايضا توفير الحلول والخيارات ما يمكن أن يحد من حالة عدم الثبات في الأسعار.
التفكير في دعم قطاعات اقتصادية أساسية تلبي حاجة السوق المحلي من البضائع والسلع أصبح أمرا ملحا واستراتيجيا، ومع ما بذلته الحكومة في هذا الجانب خلال السنوات الماضية حقق العديد من الأهداف والتوجهات في تغطية الطلب على المنتجات الوطنية، إلا أن الواقع الحالي يتطلب رؤية واهتماما أكبر بقطاعات إنتاجية أساسية كالصناعة والزراعة والأسماك والتعدين، صناعات ومشاريع استثمارية لديها القدرة على تلبية احتياجاتنا الأساسية من السلع، وعدم ترك السوق فريسة لتقلبات الأسعار والمتغيرات العالمية.
وتمتلك الدولة من الموارد والإمكانيات ما يؤهلها لتأخذ مركز الريادة في جوانب عديدة ومختلفة بما تمتلكه من فرص بوجود أراض زراعية، ومناطق صناعية، وبحار شاسعة، وموانئ ضخمة، وغيرها من الجوانب التي ما زالت متعطشة لاستثمارات نوعية وفاعلة في المشهد الاقتصادي المحلي والإقليمي، ولنا في تجارب العديد من دول المنطقة نماذج متميزة للعديد من المشاريع التي بدأت تأخذ مكانتها العالمية.
وفي الوقت الذي تبذل فيه سلطنة عمان جهودا لاحتواء حالة التضخم تبقى هناك حاجة لمراجعة رسوم الضرائب، وتحسين مستوى دخل الفرد، وإيجاد فرص العمل، وتشجيع الاستثمار، وزيادة الانتاجية وتقليل الإنفاق الاستهلاكي، ودراسة واقع السوق، وتقليل نسب الفوائد البنكية، وتحسين سلاسل النقل والتوريد والخدمات المرتبطة بها، وغيرها من البدائل التي يمكن أن تسهم في استقرار السوق من جهة، والتخفيف من ارتفاع الأسعار على المستهلك من جهة أخرى خاصة من ذوي الدخل المحدود.
البنك الدولي في تقريره الأخير حول حالة نمو معدلات التضخم طالب الدول بضرورة احتواء الحالة التي يعيشها العالم والتي سجلت فيها السلع أرقاما قياسية خلال عامي 2021 ـ 2022 م، وأرجعها إلى عدة أسباب ومنها اختناقات سلاسل الإمداد التي فرضت قيودا على بعض المنتجات، وتحول الخدمات من الخدمات إلى السلع والآثار الناتجة عن تأثير الطلب عليها، وصدمات الإمدادات التي أثرت على قطاع الطاقة والغذاء بسبب الحرب الروسية ـ الأوكرانية، ونقص العمالة، وهنا يشير الصندوق في نفس التقرير، “ بأن التضخم فيما بعد عام 2025 سيعتمد على عاملين وهو مدى إصرار البنوك المركزية السيطرة على التضخم، وثقة سوق السندات في رغبة الحكومات على سداد ديونها دون رفع معدلات التضخم لتخفيف أعباء الدين.
ختاما يمكن القول بأن الدولة بما تمتلكه من عناصر القوة، يمكنها التغلب على حالات التضخم إذا ما تمكنا من توظيف مواردنا التنافسية في قطاعاتنا الحيوية ، وتمكينها بما يحقق أهداف وتطلعات الدولة خلال المرحلة القادمة.

مصطفى المعمري