- عرفت دوليا من خلال التراجم التي نقلتها إلى العربية

مسقط ـ العُمانية: تتشكل تجربتا الكاتبة والترجمة لدى الكاتبة العُمانية زوينة آل تويه في عدد من السياقات الثقافية على المستوى المحلي والدولي، فهي إلى جانب كونها حاضرة في قطاع الترجمة في سلطنة عُمان من خلال أعمال أوجدت بصمتها خلال السنوات الماضية، عرفت دوليا من خلال التراجم التي نقلتها إلى العربية ومنها رواية (بارتلبي النساخ) للكاتب الأميركي هِرمَن ملفل، ورواية (ما رأيكم في شكلي الآن) للناشئة للكاتبة الأسترالية رندة عبد الفتاح، مرورا برواية (عمدة كاستربردج: قصة رجل محترم)، للروائي تومس هاردي و(مائدة القط) للكاتب والروائي مايكل أونداتجي، وغيرها من الأعمال.

وتتحدث آل تويه عن تجربة الترجمة لديها، والعوالم المتداخلة في هذه التجربة، والغوص من أجل تلك العوالم، والمحفز في تفاصيلها ومضامينها وتشير: القراءة هي التي قادتني إلى الترجمة ثم وجدت أن الترجمة وجدتني بقدر ما وجدتُها، وأرى أن الترجمة بين اللغات والثقافات تنطلق من فكرة أصيلة وإنسانية جدًّا، وهي التنوع الإنساني والاحتفاء بالبشر على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وأجناسهم وثقافاتهم، وهذا ما أخبره كقارئة ومترجمة عندما يكون بين يدي كتاب جديد ينقلني إلى تجربة إنسانية جديدة وجديرة بالاهتمام مهما اختلفت عن ثقافتي. وبهذا المعنى تعلِّم الترجمة التواضع واحترام الآخر.
وتشير آل تويه إلى الأعمال العالمية التي قامت بنقلها إلى العربية، منها رواية (بارتلبي النساخ) للكاتب الأميركي هِرمَن ملفل، مرورا برواية (ما رأيكم في شكلي الآن) للكاتبة الأسترالية رندة عبد الفتاح، متحدثة عن مكوناتها الرئيسة التي قد تجعل من القارئ رفيقا وقريبا منها وتقول: رواية (بارتلبي النساخ) لهرمن ملڤل هي أول رواية كلاسيكية ترجمتها، وقد اخترتها لأنها تطرح أسئلة وجودية صعبة في صميم معاناة الإنسان وعزلته المطلقة في مواجهة تبلُّد الروح في عالم مادي. وقصة بارتلبي يمكن أن تؤثر في الكثيرين وقد توقعهم في الكآبة، لكنها مفتوحة على تفاسير شتَّى يلجأ إليها القارئ في محاولة فهم معاناة شخص كبارتلبي قد يكون أيَّ واحد منَّا ومن ثم فهم معاناة أي كائن آخر وتقبُّلِها والانفتاح عليها، وهذه الفكرة تشغلني كثيرًا في الترجمة بوصفها أداة حيوية لفهم اختلاف البشر.
وتضيف: ورواية (ما رأيكم في شكلي الآن) لرندة عبد الفتاح تستهدف الناشئة وتعالج مسألة الاختلاف، ولكن في الثقافة والدين من وجهة نظر فتاة مراهقة مسلمة وُلدت في أستراليا وتشرّبت ثقافتها لكنها تقرِّر أن ترتدي الحجاب، ويتبع ذلك صراع ثقافي تعيشه بسبب هذا القرار الذي يكشف صراعًا أكبر يعيشه العالم وترتبط به أحداث عنف وإرهاب في أستراليا وخارجها، فتكون أمل في مواجهة تحدٍّ كبير.
في سياق الترجمة أيضًا، للكاتبة آل تويه ترجمات أخرى من بينها رواية (عمدة كاستربردج: قصة رجل محترم)، للروائي تومس هاردي و (مائدة القط) للكاتب والروائي مايكل أونداتجي، وهنا تتحدث عن المميز في هاتين الروايتين وتقول: هاتان الروايتان مختلفتان تمامًا مع أن ترجمتهما صدرت في الوقت نفسه. فـ(عمدة كاستربردج) لتومس هاردي رواية كلاسيكية تتناول قصة رجل ترجَّحت حياته بين النعمة والشقاء وتمس صراع النفس البشرية في أعمق صوره وأقساها.
و(مائدة القط) لمايكل أونداتجي تسافر بنا من سيريلانكا إلى إنجلترا على متن باخرة تقلُّ ثلاثة صبية وأشخاصًا عديدين من جنسيات مختلفة تتشابك مصائرهم وتجاربهم وقصصهم وهم في طريقهم إلى المجهول مهاجرين إلى بلاد بعيدة عن أوطانهم. الرواية تناقش مسائل الهجرة والهوية والوطن وكيف تَبَدَّل حال الفتية الثلاثة في أثناء المدة التي عاشوها على متن الباخرة ومعنى أن يكبر المرء قبل أوانه.
وتوضح آل تويه ما إذا كان المترجم العربي دائما ما يكون أكثر قربًا من الكتابات السردية الغربية فقط دون العمل على الأدبيات الأخرى: لا يمكن التسليم تمامًا بفكرة “أن المترجم العربي دائما ما يكون أكثر قربًا من الكتابات السردية الغربية فقط دون العمل على الأدبيات الأخرى” وعلى سبيل المثال أن الكتابات السردية الغربية الأدب المكتوبة بالإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية وغيرها، فربما لها النصيب الأوفر في الترجمة، لكن الناظر إلى مشهد الترجمة في العالم العربي يرى أيضًا أن هناك العديد من الكتب المترجمة إلى العربية من لغات أخرى كالصينية واليابانية والفارسية قد بدأت تشق طريقها إلى القارئ العربي.
وتتحدث آل تويه عن واقع الترجمة، ومدى حاجتنا إليه في ظل التدفق الثقافي والمعلوماتي المتداخل قائلة: نحن بحاجة اليوم إلى تعزيز الترجمة أكثر من أي وقت مضى، ولا سيَّما عندما ننقل ثقافتنا إلى لغة أخرى، لأن ذلك من شأنه أن يُسهم في القضاء على سوء الفهم والجهل بالثقافة الأخرى، فعندما نقرأ أدبًا قادمًا من أفريقيا أو من أمريكا اللاتينية أو من الصين مثلًا نقدِّر ثقافة تلك البلاد مهما كانت غريبة عنَّا.
وتضيف: العالم يضج بسوء الفهم والعنف وبحاجة إلى الترجمة التي تجعلنا ننظر إلى الأمور من زوايا مختلفة ونعلو على أنانيتنا وضيق أفقنا وكل ما من شأنه الحط من كرامة الإنسان، ونحن بحاجة ماسة إلى الترجمة اليوم أيضًا لكي نواجه هذا الكم الهائل من المعلومات الذي يجتاح عقولنا ونتمكن من تفكيكه وفهمه واستيعابه.
وما إذا كانت هناك شروط لا بد أن تتوفر في المترجم الأدبي ووجه الاختلاف بينه وبين المحرر الثقافي في شأن نقل الكتابة الأدبية (مضمونا) تفند آل تويه حديثها: ينبغي أن يتمتع المترجم الأدبي بحساسية لغوية عالية تجاه الحرف والكلمة والعبارة وأن يكون واسع الحيلة في معاملة النص الذي يترجمه لكي يتمكن من مفاوضته ومحاورته. أرى أن المترجم إلى العربية مسؤول عن تهذيب لغته العربية وإتقانها على النحو الذي تستحقه، فالترجمة مختبر حقيقي للغة الأم يجد المترجم نفسه فيه وهو يعيد تعلَّم لغته من جديد. ولكيلا تبقى لغتنا العربية حبيسة المعاجم ينبغي أن نعيد النظر في استعمال مفرداتها وتهذيب ذائقتنا اللغوية وتنظيفها مما طالها من شوائب على مر العقود. لِمَ لا يجعل المترجم والكاتب والمحرِّر المعاجم العربية جزءًا لا يتجزأ من اهتمامه؟.
هنا تضيف مؤكدة: يأتي دور المحرِّر بعد المترجم، وهو الذي ينقِّح النص المترجم ويراجع التراكيب والصياغات لتبدو قراءتها سلسة وبعيدة عن الحرفية والركاكة. لكن النص المترجم ينبغي أن يمر بمرحلة أخرى قبل التحرير، وهي المراجعة التي تُعنى بمقارنة النص المترجم بالنص الأصل والتيقن من دقة الترجمة. ثم يأتي دور المحرِّر ومن بعده المدقِّق اللغوي الذي يتيقن من سلامة النص من الأخطاء اللغوية والنحوية. ومما يدعو للأسف أن معظم دور النشر العربية لا تهتم بالمراجع والمحرِّر والمدقِّق اللغوي.
رواية (هامنت) للكاتبة الإيرلندية ماغي أوفاريل، من بين الروايات التي أخذت بصمة آل تويه الأدبية عند نقلها للعربية وهي تشتغل كثيرا عن الخصوصية الاجتماعية لأشهر الكتّاب العالميين، (شكسبير)، هنا تتحدث عن تلك الخصوصية وما تم معالجته (أدبيا) لأحداثها، وتقول: ميزة هذه الرواية أنها لا تتحدث عن شكسبير مباشرة ولا يرد اسمه فيها أبدًا، كأن الكاتبة تقول لنا إنكم تعرفونه وقد أطبقت شهرته الآفاق وتعرفون ملاهيه ومآسيه، بل إنها تزيح عنه هالة العظمة وتظهره في الرواية إنسانًا عاديًّا فُجِع برحيل ابنه. الكاتبة معنية بما هو منسي ومهمل في حياة الكاتب العظيم، عائلته، ولا سيَّما ابنه الذي مات صغيرًا وزوجته التي تحضر بقوة في القصة كلها وتكاد تكون هي المحرِّك الأساس لكتابة الرواية. لكن حضورها كأمّ على النحو الذي أبرزته الكاتبة هو ما يطبع الرواية بطابع خاص وبسرد أخَّاذ يوقع في النفس أثرًا لا يضمحل بسهولة.
في شأن الترجمة تتطرق آل تويه إلى عبارة المترجم (المؤدلج)، التي يراها البعض ضبابية وليس لها واقع حقيقي في مسيرة المترجم المتحقق ونقله لحقائق النصوص الأصيلة التي تعود للمؤلف والبعض يراها عكس ذلك، وهنا تشير إلى حقيقة ذلك وتأثر واقع المترجم بوعائه الثقافي وتوجهه الفكري: عندما أقرِّر كمترجمة ترجمة كتاب ما، أحرص على نقله دون حذف أو تحريف في محتواه وأفكاره بذرائع اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو دينية وإلَّا فلأترك ترجمة الكتاب برمتها. المترجم حين ينقل ثقافة ما يستضيفها في ثقافته ويعرِّف القارئ بها، وهذه فرصة لمعرفة الغريب ولإيقاظ فضول القارئ نحو الثقافة الآتية إليه. والمترجم ليس حارسًا أخلاقيًّا لعقل القارئ ومن حق القارئ أن ينتقي بنفسه ويقرر بنفسه. أثق بأن دور الترجمة هو التعريف والتثقيف والتقريب بين الشعوب على اختلاف ثقافاتها وأعراقها. تتحدث آل تويه عن موقع المترجم العربي والعماني على وجه الخصوص اليوم من خريطة الترجمة عالميا وتقول: مشهد الترجمة في سلطنة عمان والعالم العربي بدأ ينشط مؤخرًا وأصبحنا نعرف أسماء شابة لامعة في الترجمة أكثر مما مضى، وأظن أن لحركة النشر دورًا في هذا أيضًا، إذ ظهر العديد من دور النشر التي منحت المترجم الشاب الفرصة ليشق طريقه في مضمار الترجمة. وفي الواقع أصبحت هناك تجارب كثيرة في الترجمة لكن معظمها بحاجة إلى المثابرة والنضج والمراس الطويل.
وتضيف ما إذا حقق النص الأدبي العُماني رغبته ليكون نصًا عالميًّا حقيقيًّا: مؤخرًا برزت روايات مهمة لكتاب عمانيين وكاتبات عمانيات جديرة بأن تُترجم إلى لغات أخرى، وما فوز الكاتبة جوخة الحارثية بالبوكر العالمية ووصول الكاتبة بشرى خلفان إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية إلا علامة بارزة على فرصة نيل النص الأدبي العُماني مكانته العالمية.