الشباب هم المحرك الرئيسي لنهضة أي مجتمع.. فأي وطن يعوِّل على عقول شبابه وسواعدهم وطاقاتهم العالية لتحقيق التنمية والتقدم.. ولكي يحدث التطور المنشود يجب أن يتم توجيه كل شاب ليوضع في المكان المناسب له من حيث التخصص والخبرة.. من هنا فإن التوسع الكبير الذي انتهجته الجهات الحكومية المختلفة مؤخرا في إبرام عقود وظيفية مؤقتة للعمل بالنظام الجزئي تحت مسمى مبادرة “مليون ساعة تشغيلية” لحل مشكلة الباحثين عن عمل مبادرة ذكية، ولكن رغم أن لها أكثر من مردود إيجابي على الوطن والشباب في آن واحد.. إلا أن لها أيضا العديد من السلبيات التي قد تنعكس على المجتمع ككل على المدى البعيد والقريب. لقد لجأت الحكومة لتفعيل هذه المبادرة كأحد الحلول لمواجهة تزايد أعداد الباحثين عن عمل نتيجة تزايد أعداد خريجي الجامعات والدبلومات الحكومية والخاصة والذين يحلمون بالحصول على وظيفة حكومية تساعدهم على خوض الحياة العملية وبدء تكوين أسرة صغيرة.. وبالتالي فإن المبادرة الجديدة لا تعني الباحثين عن عمل وأسرهم فقط بل تهم المجتمع العُماني بأكمله؛ لأنها خطوة في اتجاه التنمية المستدامة والارتقاء بالاقتصاد الوطني والقضاء على البطالة التي تهدر طاقات الشباب وتضيع سنوات من عمرهم هباء.. هذا إلى جانب دورها في ترسيخ مبدأ اللامركزية وتطوير المحافظات وإضافة خبرة عملية لشبابنا تساعدهم فيما بعد على الاندماج بسهولة في سوق العمل والحصول على عمل دائم يحقق لهم الاستقرار والأمان.. بالإضافة إلى أنها سوف تُوجِد نوعا من الروح التنافسية بين العاملين في القطاع الحكومي. إلا أن العمل بصفة مؤقتة لا يمنح الاستقرار النفسي اللازم لدى الموظف.. فهو سيشعر طوال الوقت أنه لا ينتمي لهذا العمل وأن مصيره مجهول؛ لأن أوقاته محدودة فيه.. وأن الساعة التي سيعود فيها بلا وظيفة ستأتي لا محالة ليبدأ من جديد رحلة البحث عن عمل.. إلا أن عليه ألا ينسى أنه في هذه الحالة سيكون متسلحا ببعض الخبرة التي اكتسبها في عمله المؤقت والتي بالتأكيد ستمنحه الثقة بنفسه وتساعده في الحصول على عمل دائم يحتاج إلى نفس المهارات والخبرات التي اكتسبها في عمله السابق. الغريب أنه رغم العدد الكبير من الباحثين عن عمل، إلا أن هناك فرص عمل كثيرة تستطيع استيعاب عدد لا بأس به من هؤلاء الشباب ولكنها في القطاع الخاص.. ذلك القطاع الذي يعزف الشباب عن خوضه بسبب تقلب الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية والتي قد أجبرت بعض الشركات على تسريح عدد من موظفيها تقليلا للنفقات، وهو ما أفقد الشباب الثقة في هذا القطاع المهم، وأصبح العمل فيه بالنسبة لهم نوعا من المغامرة غير محسوبة العواقب، لذلك يتكالبون على الوظائف الحكومية بحثا عن الأمان والاستقرار المعيشي والاجتماعي تحت أي ظرف اقتصادي قد تمر به البلاد.. من هنا لا بُدَّ من التوعية بأهمية هذا القطاع المهم ومحاولة استعادة الثقة مرة أخرى بينه وبين الشباب. إن مبادرة العقود المؤقتة رائعة ولكنها تحتاج إلى بعض التعديلات التي من الممكن أن تجعلها أكثر فائدة، وتعزز من قيمتها بالنسبة لجهة العمل والموظف معا. فمثلا، يمكن تمديد فترة العقد لسنوات إضافية أو تثبيت الموظف إذا أثبت جدارته وأنه يستحق هذه الوظيفة أو أن يحصل على ترقيات تضيف لسنوات عمله وبالتالي تتضاعف خبراته. إن كل باحث عن عمل من أبنائنا وبناتنا ينظر بكل تفاؤل وأمل للمبادرة الجديدة بأن تحقق لهم مستقبلا أفضل.. فكل أسرة تتلهف لاستقرار أبنائها وتوظيفهم كي يبدأوا دورهم الثاني في الحياة بعد العمل والنهوض بالوطن بالزواج والإنجاب.. بل إن الوطن بأكمله ينتظر مساهمة هؤلاء الشباب والاستفادة من طاقاتهم فيما يعود عليه بالازدهار والتنمية المستدامة.. فالعمل واجب بقدر ما هو حق من حقوق الإنسان وعلى كل موظف قديم أو جديد دائم أو مؤقت أن يتفانى من أجل أدائه على الوجه الأكمل.
**********
كان وما زال الاهتمام بالبيئة وحمايتها من أولى أولويات التنمية المستدامة التي تحرص عليها سلطنة عُمان.. وعلى مدار سنوات نهضتها المباركة بذلت بلادنا الجهود المضنية من أجل الحفاظ على الطبيعة وتنميتها وصيانتها، وحرصت على توفير كل ما يعمل على تحسين المناخ ومكافحة التلوث والحفاظ على التنوع الأحيائي، والاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية وكل ما من شأنه أن يصل بالبيئة نظيفة مصانة للأجيال القادمة.
و”مؤتمر عُمان للطاقة المتجددة” المنعقد في لندن فرصة واعدة للترويج لسلطنة عُمان كواحدة من أكبر الدول الاستثمارية في الطاقة الخضراء.. فسياسة تنويع مصادر الدخل التي تنتهجها السلطنة تحرص من خلالها على زيادة الاستثمارات غير النفطية وتوفير البيئة المناسبة لذلك، سواء في مجالات الصناعة أو السياحة أو القطاع الزراعي أو الحيواني أو السمكي أو اللوجستيات وغيرها. إن ما تقدمه سلطنة عُمان في مجال الطاقة المتجددة والخضراء من تسهيلات وحوافز يسهم إلى جانب جذب المستثمرين فإنه أيضا يعمل على إظهار الصورة المشرقة لعُمان كدولة تمتلك المقوِّمات الطبيعية التي تجعلها رائدة في مجال الطاقة النظيفة.. فالملف البيئي إحدى أهم رؤى عُمان 2040 حيث الاستراتيجية الوطنية للطاقة. لا شك أن ما يصيب العالم حاليا من كوارث طبيعية أصبحت تضرب كثيرا من دول العالم، وآخرها حرائق الغابات التي تجتاح العديد من الدول في الوقت الحالي يعد جرس إنذار يتطلب سرعة التحرك من أجل إنقاذ الأرض والعمل على خفض درجة حرارتها، وهذا يحتاج إلى تضافر جهود المجتمع الدولي ككل خصوصا الدول الصناعية الكبرى التي تتسبب في زيادة الاحتباس الحراري الذي بدوره يؤدي إلى الكوارث الطبيعية. إن المخاطر التي تنتج من الكوارث الطبيعية بسبب تفاقم المشكلات البيئية تستوجب من المجتمع الدولي وقفة حازمة لحل تلك المشكلات بصورة ناجعة تحدُّ من التلوث بكافة أشكاله والأساليب في هذا المجال كثيرة، ولكنها تحتاج إلى عزيمة صادقة ونيات مخلصة حتى يعم الاستقرار والأمن والرخاء.

ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني